البيئة الأولى ودورها في تكوين جيلٍ قرآنيٍّ فريد.
أولاً حاجة العرب عند ظهور الإسلام للقرآن:
عند الحديث عن البيئة الأولى في عصر الإسلام ودورها في تكوين جيل قرآني فريد، فهي تلك البيئة التي نزل فيها الوحي غضاً طرياً، وهي البيئة العربية المنطق التي نزل القرآن بلغتها، كما أنها البيئة التي تتذوق المعاني البلاغية؛ لما تمتلكه من رصيد في اللغة والفصاحة والبيان، وهي البيئة التي فُطِر أهلها على الحفظ، فكانت صدورهم أناجيلهم.
كانت العرب – والبشرية جميعاً – بحاجة إلى القرآن الكريم أكثر من حاجتها للماء الذي به قوام حياتها، وليس في ذلك مبالغة؛ فقد وقع القرآن في نفوس الضعفاء؛ لما كانوا يعانونه من التمييز والظلم، وكان له الأثر البالغ في نفوس البلغاء؛ لما وجدوا من بديع لفظه وسبك عباراته، وكان له الأثر البالغ حتى في نفوس النساء؛ لما لاقينه من ظلم الجاهلية وسطوها، ووجدَ كلٌ فيه ضالته المنشودة وكنزه المفقود.
فأحبوه لذلك وحفظوه ورددوه في كل حديث بل في كل لحظه، لم يجبرهم ” المنهج المقرر” لحفظ شيء من نصوصه كما هو حال كثير من المسلمين اليوم.
كانت التوجيهات النبوية لا تفتأ عن ذكر فضائل سوره وآياته، وكانت البيوت عامرةً بتلاوته قبل المساجد، وكان الآباء يحفظونه قبل الأبناء، بل كان شيئاً ذا قيمة حتى عند عقد الزواج ” زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ” .
ثانياً: المنهج الذي سار عليه الجيل الأول عند حفظ القرآن:
يوضح المنهج الذي سار عليه الصحابة الأطهار والتابعين من بعدهم والأخيار في حفظهم لكتاب الله التابعي الجليل عَبْد الرَّحْمَن الْسُّلَمِي ت(73هـ) حيث يقول: « أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الآخر، حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وأنه سيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم، بل لا يجاوز – هاهنا – ووضع يده على حلقه».
وبعد بزوغ فجر الإسلام وأُفُوْل ليل الشرك والظلام، أصبحت البيئة الإسلامية مهيأةً لحفظ حروفه وحدوده، فقد كان كل شيءٍ في تلك البيئة باعثاً لحفظ القرآن الكريم ومعرفة أوجه قراءاته، ابتداءً من ترغيب نصوص الوحيين لذلك الفعل وانتهاءً بمكانة قُرَّائه وخيريتهم في المجتمع في حياتهم وحتى عند دفنهم، روى الإمام أحمد بسنده إلى هِشَامِ بن عَامِرٍ الأَنْصَارِيّ أنه قال: « لَمَّا كان يَوْمُ أُحُدٍ أَصَابَ الناس قَرْحٌ وَجَهْدٌ شَدِيدٌ، فقال رسول اللَّهِ ﷺ :«احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَادْفِنُوا الاثنين وَالثَّلاَثَةَ في الْقَبْرِ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ من نُقَدِّمُ ؟ قال: أَكْثَرَهُمْ جَمْعاً وَأَخْذاً لِلْقُرْآنِ».