4- قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[البقرة:6].
القراءات الواردة في الآية:
القراءة الأولى: (أاانذرتهم) قرأ قالون، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وهشام عن ابن عامر في أحد وجهيه بتسهيل الهمزة الثانية مع إدخال ألف بينهما.
القراءة الثانية: (أانذرتهم) قرأ ابن كثير، وورش عن نافع، ورويس عن يعقوب بتسهيل الهمزة الثانية دون إدخال ألف بينهما.
القراءة الثالثة: (أآنذرتهم) للأزرق عن ورش عن نافع إبدال الهمزة الثانية ألفاً تمد مداً مشبعاً.
القراءة الرابعة:(أأنذرتهم) قرأ بتحقيق الهمزتين عاصم، والكسائي، وابن ذكوان عن ابن عامر، و الداجوني عن هشام عن ابن عامرفي أحد وجهيه، وروح عن يعقوب، وخلف العاشر.
القراءة الخامسة: (أاأنذرتهم) للحلواني عن هشام عن ابن عامر الإدخال مع تحقيق الهمزتين، ويقف حمزة بالوجهين التحقيق والتسهيل بين بين للهمزة الثانية، وله في الوصل التحقيق قولاً واحدا.
اللغات الواردة في القراءة:
- (أأنذرتهم) تحقيق الهمز لغة عامة تميم، وهذيل وعُكْل، ومن جاورهم.
- (أااْنذرتهم) بتسهيل الهمز الثانية مع الإدخال لغة أهل الحجاز.
- (أاأنذرتهم) بتحقيق الهمزيتن مع إدخال ألف بينهما لغة تميم.
قال الفَرَّاء [ت207هـ]: «قولُه: (أَأَنذَرْتَهُمْ) فيها لغاتٌ: أكثرُ كلامِ العربِ أن يتركوا الهمزةَ، الثانيةَ، فيقولون: آنْذَرْتَهُم، وهي لغةُ قُريْشٍ وسَعْدِ بنِ بَكْرٍ وكِنَانةَ وعامةِ قَيْسٍ، وأما هُذيْلٌ وعامَّةُ تَمِيمٍ وعُكْلٌ معاً ومَن جاوَرَهم فإنهم يُثْبِتون الهمزتين. ورُبَّما جَعَلوا بين الهمزتين مَدَّةً؛ استثقالًا لاجتماعِهما، فيقولون: آأنتَ…».
وقال ابن يَعِيْش[ت643هـ]: «(أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)، وكذلك: (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)، ثم بعد دخول ألف الفصل منهم من يُحقِّق الهمزتين- وهم بنو تميم- ومنهم من يُخفِّف الثانية، وهم أهل الحجاز، وهو اختيارُ أبي عمرو. فمَن حقّق فإنّما المراد الفرارُ من التقاء الهمزتين، وقد حصل ذلك بالألف. ومن خفّف فلأنّ الثانية بين بين، وهي في نيّة الهمزة، فكرهوا أن لا يُدْخِلوا الألف بينهما؛ لأنّ همزةَ بين بين همزةٌ في النيّة، وأمّا إذا لم يُؤْتَ بألف الفصل، ولم يكن قبل همزة الاستفهام شيء، لم يكن بدٌّ من تحقيق همزة الاستفهام؛ لأنّه لا سبيلَ إلى تخفيف الأوّل؛ لأنّ فيه تقريبًا من السا كن لا يُبتدأ به».
القراءة وبيئة القراء:
في تسهيل الهمز عموماً وافق قراء الحجاز ابن كثير، ونافع، وأبو جعفر، لغة بيئتهم، حيث إن تسهيل الهمز لغة لأهل الحجاز وقريش، وقد خالف أبو عمرو هنا تميماً في النطق بالهمز فقرأها بالتسهيل وتميم تُحَقِّق.
التوجيه الصوتي للقراءات:
توجيه تحقيق الهمز وتسهيله:
أولاً وَجْهُ التحقيق في الهمزتين؛ باعتباره الأصل، وعلَّل المهدوي [ت440 هـ] ذلك بقوله: «فأمَّا من حقَّق الهمزتين المجتمعتين، فعلته أن الهمزة حرف من حروف الحلق، فكما يجوز اجتماع حرفين من حروف الحلق، يجوز اجتماع الهمزتين».
ثانياً: من سَهَّلَ (أأنذرتهم) وَجَّه ذلك: أن الهمزة حرف ثقيل، فَكَرِهَ الجمع بين همزتين متلاصقتين.
قال المهدوي: «علة من خفف إحدى الهمزتين ولم يحققهما جميعاً أن الهمزة حرف جَلْدٌ ثقيلٌ بعيدُ المخرج، فكره أن يجمع بين همزتين هذه حالهما، ويدل على صحة ما ذهب إليه، أن الهمزة ربما استثقلوها وهي منفردة وحدها حتى تخفف بالبدل والحذف وجَعْلِها بين بين، فإذا كانت الهمزة تستثقل منفردة فاستثقال اجتماع همزتين أولى، ويقوي ذلك أيضاً إجماع العرب على ترك الجمع بين الهمزتين في كثير من الكلام، ورفضهم ذلك ».
توجيه من سهل الثانية وأدخل ألفاً:
أن الهمزة الثانية وإن خُفِفَتْ فهي في حكم المحققة وفي وزنها، وتأخذ زمن حركة كاملة مثلها، ومحركة بحركتها، ففصلوا بألف كراهة اجتماعهما، قال المهدوي: «فإن من خفف الهمزة الثانية يستثقل من اجتماع الهمزتين ما كان يستثقله لو حقق، ففصل لذلك بين المحققة والمخففة بألف كراهة اجتماعهما».
توجيه من حقق وأدخل بينهما ألفاً:
قال سيبويه [ت180هــ]: «ومن العرب ناسٌ يُدْخِلُوْنَ بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفًا إذا التقتا، وذلك أنَّهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا…».
وقال ابن خالويه [ت370هـــ]: «أنه استجفى [استصعب] الجمع بينهما ففصل بالمدة؛ لأنه كره تليين إحداهما فصحَّح اللفظ بهما، وكل ذلك فصيح من كلام العرب» .
توجيه من أبدل الثانية من المفتوحتين ألفاً (ورش):
قال المهدوي [ت440 هـ]: «وإنما فعل ذلك فراراً من الهمز، محقَّقة كانت أو مخفَّفة، ورأى نطقه بالألف اللينة أخف من نطقه بين بين».
الظاهرة الصوتية التي تنتمي إليها هذه القراءة:
ظاهرة تحقيق الهمز وتخفيفه:
تحقيق الهمز معناه: الضغط؛ ومنه الهمز في الكلام، فكأن المتكلم يضغط الحرف، يقال: همزت الحرف فانهمز، والنبر مرادف الهمز؛ يقال: نبر الحرف ينبره نَبْرَاً: همزه.
تحقيق الهمز عَرَّفَه ابن الجزري [ت833هــ] بقوله: «هو الإتيان بالهمزة، أو الهمزتين خارجات من مخارجهن، مندفعات عنهن كاملات في صفاتهن».
والتسهيل نوعٌ من التخفيف، و معناها: اللين واليسر، ويقال: أسهل القوم إذا ركبوا السهل، وهو في الحقيقة إحدى الحالات المقابلة لتحقيق الهمزة، وهذه الحالات هي: التسهيل بين بين، والإبدال، والحذف، ويجمع هذه الحالات مصطلح (التخفيف)، قال سيبويه: [ت180هـ]: «وأما التخفيف فتصير الهمزة بين بين وتبدل، وتحذف».
تحقيق الهمز وتسهيله في لغات العرب:
تحقيق الهمز من لهجات تميم وقبائل وسط شبه الجزيرة وشرقيها، والتسهيل للهمز لهجة أهل الحجاز، وهذا الذي يراه أيضاً الدكتور عبد الصبور شاهين أن تحقيق الهمز في لسان القبائل البدوية، حيث يقول: «كان الخاصة التي تخفف من عيب هذه السرعة، أي: أن الناطق البدوي تعوَّد النبر في موضع الهمزة، وفيما يقابل موقعها في الكلمات الخالية منها، وهي عادة أَمْلتها ضرورة انتظام الإيقاع النطقي ، كما حتمتها ضرورة الإبانة كما يريد من نَطَقَه لمجموعة من المقاطع المتتابعة السريعة الانطلاق على لسانه، فموقع النبر في نطقه كان دائماً أبرز المقاطع، وهو ما كان يمنحه كل اهتمامه وضبطه، وأن القبائل الحضرية لم تكن بها حاجة إلى التماس المزيد من مظاهرة الأناة فأهملت همز كلماتها، أعني المبالغة في النبر والتوتر، واستعاضت عن ذلك بوسائل عَبَّر عنها النحاة بعبارات مختلفة، التسهيل، والتخفيف والتليين، والإبدال، والإسقاط».
د. فيصل الجودة