1- قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (البقر:6).
القراءات الواردة في الآية:
القراءة الأولى: (السراط) بالسين، قرأ بها قنبل عن ابن كثير بخلف عنه، ورويس عن يعقوب.
القراءة الثانية: (الصراط) بالصاد، قرأ بها نافع، وأبو عمرو، وعبد الله بن عامر، وعاصم، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر، والبزي عن ابن كثير، وروح عن يعقوب، وهو الوجه الثاني لكلٍّ من قنبل عن ابن كثير، وخلّاد عن حمزة.
القراءة الثالثة:(الصراط) بإشمام الصاد زاياً، قرأ بها خلف عن حمزة ، ولخلاد عن حمزة روايتان: بإشمام الصاد زاياً في هذا الموضع، وبقراءتها بالصاد.
اللغات الواردة في القراءة:
- (السراط) بالسين لغة عامة العرب، على الأصل.
- (الصراط) بالصاد لغة قريش.
- (الصراط) بإشمام الصاد زاياً لغة بعض قَيْس.
- (الزراط) بالزاي الخالصة لغةٌ لعُذَرَةَ، وكَلْبٍ، وبني القَيْنِ.
القراءة وبيئة القراء:
قراءة (الصراط) بالصاد التي قرأ بها كلٌّ من نافع، وأبي جعفر، والبزِّي عن ابن كثير، وغيرهم، موافقة للغة قريش، وهي لغةٌ حجازية توافق بيئتهم، بينما خالف أبو عمرو، وعاصم، والكسائي بيئتهم في هذه القراءة، وهذا يدل على أن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، و إن كانت هناك موافقة فهذا يدل على أن القرآن قد وسع لغات العرب، وموافقة بئتة القارئ لقراءته إن كانت فهي تيسير لكل قوم بما لانت به ألسنتهم، وهو غاية نزول القرآن على سبعة أحرف.
التوجيه الصوتي للقراءات:
توجيه القراءة بالسين: أنها أتت على الأصل، وهي مشتقة من (السَّرْط) وهو البلع؛ لأن الطريق تبتلع المارة .
توجيه القراءة بالصاد: قُرِئ بالصاد؛ لإرادة الخفة والتجانس، ولأن العرب تكره الخروج من تَسَفُّل إلى تَصَعُّد – أي من تسفل السين إلى تصعد الطاء المفخمة – وتستخف الخروج من تصعُّد إلى تسفُّل.
توجيه القراءة بالصاد المُشَمَّةِ زاياً: لإرادة التقريب والمجانسة، يناسب الطاء في هذه الصفات، كما أنه يناسب السين في الصفير.
توجيه القراءة بالزاي الخالصة:«وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُرُوفَ الصَّفِيرِ يُبْدَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلرَّسْمِ كَمُوَافَقَةِ قِرَاءَةِ السِّينِ».
الظاهرة اللهجية التي تنتمي إليها هذه القراءة:
تشير هذه القراءات إلى ظاهرتين صوتيتين: الإبدال والإشمام .
- ظاهرة الإبدال في الأصوات الأَسَلِيَّة:
الأصوات الأَسَلِيَّة: هي السين والصاد والزاي، والثلاثة هي حروف الصفير، ومخرجها من بين طرف اللسان وفويق الثنايا. قال مكي [ت 437هـ]:«الحروف الأسلية وهي ثلاثة الصاد والسين والزاي، سمَّاهن الخليل بذلك؛ لأنه نسبهن إلى الموضع الذي يخرجن منه، فلما كُنَّ يخرجن من طرف اللسان، وطرف اللسان أسلته، نسبهن إلى ذلك» .
والنطق بحرف السين في (السراط) هي لغة عامة العرب، قال الفَرَّاء [ت207هـ]:«وعامةُ العربِ يجعلونها سينًا، فيقولون: السِّراطُ، بالسينِ».
والنطق بإبدال السين صاداً لغة قريش. قال أبو حيان [654-745هــ]:«وَإِبْدَالُ سِينِهِ صَادًا هِيَ الْفُصْحَى، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ»، وقال بهذا من قبله الفَرَّاء كما سبق.
والنطق بإبدال السين زاياً لغة عذرة، وكلب، وبني القين، وَكَانَ الفَرَّاء يحْكي عَن حَمْزَة (الزراط) بالزاي خَالِصَةً، ويحكي ذَلِك فِي الصَّاد الساكنة فَقَط فَإِذا تحركت لم يقلبها زايا».
- ظاهرة الإشمام:
والنطق بإشمام الصاد زاياً لغة بعض قيس. قال الفَرَّاء: «وبعضُ قَيْسٍ يُسَمِّنُ الصاد [السين]، فيقولُ: الصَراط، بين الصادِ والسينِ »، والتسمين من المصطلحات التي تُطْلَقُ على الإشمام.
د. فيصل الجودة