القائمة الرئيسية

اللهجات في متواتر القراءات – سورة البقرة (3)

3- {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} [البقرة: 3] .

القراءات الواردة في الآية:

القراءة الأولى: (الصلاة) بتغليظ اللام، قرأ بها ورش عن نافع من طريق الأزرق.

القراءة الثانية: (الصلاة) بترقيق اللام، قرأ بها بقية القراء العشرة .

اللغات الواردة في القراءة:

  • (الصلاة) بتغليظ اللام لغة العرب في البادية، والحجاز، واليمن.

قال أبو الحسن علي بن جعفر بن محمد الرازي السعيدي[…- 400هـ] «و رأيت العرب في البادية والحجاز واليمن يفخمون سائر اللَّامات، فيقولون: ثلاثة، فيفخمونها، وهي لغة أهل الشام والمغرب، ولا يجوز ذلك في القرآن إلا لقوم تلك لغتهم، فلا يقدرون على تحويل لسانهم، فاعلم ذلك إن شاء الله تعالى».

وقد نسب مكي بن أبي طالب [ت 437هــ] التفخيم في اللام نحو: (الصَّلاة، ومُصَلَّى، والطَّلاق) لأهل الحجاز، حيث قال: «الألف المفخمة: وهي ألف يخالط لفظها تفخيم يقربها من لفظ الواو، كما كانت الألف الممالة ألفاً يخالط لفظها ترقيق يقربها من الياء، فهي نقيضة الألف الممالة، وبذلك قرأ: ورش عن نافع في: (الصَّلاة)، و(مُصَلَّى)، و(الطَّلاق)، و(بظلام)، وشبهه، وذلك فاش في لغة أهل الحجاز، وإنما دعاهم إلى ذلك نفي جواز الإمالة فيها» .

ولعل المقصود من كلام مكي عن تفخيم الألف تبعاً لتفخيم اللام في نحو ما ذكر من الأمثلة – والله أعلم – .

القراءة وبيئة القراء:

قراءة (الصلاة) بتغليظ اللام، التي قرأ بها ورش عن نافع من طريق الأزرق عن نافع موافقة للغة أهل الحجاز بيئتهم، بينما خالف ابن كثير، وأبو جعفر، ونافع من رواية قالون بيئة أهل الحجاز في هذه القراءة.

التوجيه الصوتي لتغليظ اللام:

توجيه تغليظ اللام هو مجاورتُها لحرف الاستعلاء (الصاد) وهذا خلاف الأصل، فقد اتفق القراء، وعلماء الأصوات من المُحْدَثين على أن الأصل في (اللام) الترقيق؛ يقول ابن الجزري [ت833هـ]:«وقولهم : الأصل في اللام الترقيق أَبْيَنُ من قولهم في الراء: إن أصلها التفخيم، وذلك أن اللام لا تغلظ إلا لسبب، وهو مجاورتها حرف الاستعلاء، وليس تغليظها إذ ذاك بلازم، بل ترقيقها إذا لم تجاور حرف الاستعلاء اللازم ».

وأفرد مكي [ت437هـ]، والمهدوي [ت440هـ] اللام بمباحث؛ تحدَّثا فيها عما يَعْرِضُ لهذا الصوت من ترقيق وتفخيم، ومن ذلك أن مكيًّا حَمَلَ تفخيم اللام على الراء، حيث قال: « اعلم أن اللام حرف يلزمه تفخيم وتغليظ؛ لمشاركته الراء في المخرج، والراء حرف تفخيم، ولمشاركته النون في المخرج، والنون حرف غنة، فاللام تفخم للتعظيم، وتفخم أحرف الإطباق، وحرف الإطباق مفخم، يأتي بعدها ليعمل عمل اللسان عملاً واحداً في التفخيم ».

الظاهرة اللهجية التي تنتمي إليها القراءة:  

ظاهرة تفخيم اللام :

التفخيم في اللغة، التعظيم، يقال: فّخَّم الكلام: عَظَّمه، بينما الترقيق في اللغة: ضد التغليظ، والغِلَظُ ضد الرقة في الخُلُق، والطبع، والمنطق، والعيش، ونحو ذلك.

التفخيم والترقيق في الاصطلاح:

التفخيم في اصطلاح أهل الأداء: رَبْوُ الحرف وتسمينه، أو هو سِمَنٌ يدخل على جسم الحرف – أي صوته- فيمتلئ الفم بصداه، فالتفخيم من الفخامة، وهي العظمة والكثرة، والتفخيم والتغليظ واحد – كما ذكر القراء – ولذا فهما مترادفان إلا أن المستعمل في الراء في ضد الترقيق: التفخيم، وفي اللام: التغليظ، المرادف للتفخيم.

مذاهب القراء في تفخيم اللام وترقيقها:

  • تَفَخَّم في لفظ الجلالة إذا وقعت بعد ضم، أو فتح لجميع القراء.
  • تَفَخَّم إذا كانت مفتوحة بعد صاد، أو طاء، أو ظاء، لورش عن نافع بتفصيل.

توجيه القراءة بتغليظ اللام:

ذُكِرَ لتفخيم اللام في مذاهب القراء سببان: معنويٌ ولفظي.

فأما السبب المعنوي، فهو مقصور على اسم (الله)تعالى؛ إذا انفتح ما قبله أو انضم، واختُلف فيه، فذهب مكِّي إلى أن تفخيم اللام للتعظيم، وذهب المهدوي إلى أنه للفرق بينه وبين (اللات).

فإذا انكسر ما قبله رُقِّقَت اللام، قال المهدوي [ت440هـ]:«وعلة إجماع القراء على ترقيقه إذا انكسر ما قبله، نحو:ﭿﮪﮫﭾ ، فقد ذكرها ابن مجاهد فقال: إنما رُقِّقَت اللام من اسم (الله) تعالى؛ إذا انكسر ما قبلها؛ لأنهم كرهوا أن يخرجوا من كسر إلى تغليظ »، وهذا لا اختلاف فيه بين القراء.

     وأما السبب اللفظي، فهو أحرف الإطباق، وتفرد به ورش عن نافع، فقرأ بتفخيم اللام إذا تقدمتها صاد أو طاء أو ظاء، بشرط أن تكون اللام مفتوحة، وأن يكون أحد هذه الأحرف الثلاثة مفتوحاً أو ساكناً ، قال مكي[ت437هـ]:« فالذي يُفَخِّم نحو: (ظلموا)، (ومن أظلم)، (الصلاة)، (مصلى)، (الطلاق)، (طلقتم)، وشبهه، قرأه ورش وحده بالتفخيم، ورقَّقه باقي القراء، وعلة من فَخَّم هذا النوع؛ أنه  لَمَّا تقدَّم اللام حرف مُفَخَّم مُطْبَق مُسْتَعْل، أراد أن يقرب اللام نحو لفظه، فيعمل اللسان في التفخيم عملاً واحداً، وهذا هو معظم مذاهب العرب في مثل هذا، يقربون الحركة من الحركة؛ ليعمل اللسان عملاً واحدا».

 

د. فيصل الجوده

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.