اللهجات في المتواتر من القراءات (11)

12- قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ).

القراءات الواردة في الآية:

القراءة الأولى:  (للملائكةُ اسجُدوا) بضم التاء، قرأ بها أبو جعفر، ولابن وردان عنه إشمام كسرتها ضمَّاً.

القراءة الثانية: (للملائكةِ اسجُدوا)  بكسر التاء، قرأ بها بقية القراء العشرة.

اللغات الواردة في القراءة:

  • (للملائكةُ اسجُدوا): بضم التاء حال الوصل لغة أزد شنوءة.
  • (للملائكةِ اسجُدوا) : بكسر التاء حال الوصل لغة بقية العرب.

قال أبو الفرج الجوزي[508- 597هـ]: «عامة القُرَّاء على كسر التاء من الملائكة، وقرأَ أبو جعفر والأعمش بضمها في الوصل، قال الكسائيّ: هي لغة أزد شنوءة».

التوجيه الصوتي للقراءتين:

توجيه القراءة بالضم حال الوصل: 

بالمقارنة الصوتية بين القراءتين تبيَّن أن وجه الضم في قوله تعالى: (للملائكةُ اسجُدوا): هو استثقال الانتقال من الكسرة إلى الضمة؛ إجراءً للكسرة اللازمة مجرى العارضة، وهذا الإجراء الصوتي لهجة من لهجات العرب هم: أزد شنوءة، قال العُكْبَرِي [ت616هـ] :«والوجه أنه قدَّر الوقف على التاء، فلما لَقِيَتْهَا همزة الوصل حذِفت، وجعلت التاء تبعا لضمة الجيم، والسين بينهما ساكنة، وذلك حاجز غير حصين… ».

توجيه القراءة بالكسر حال الوصل:

أنها أتت على الأصل الإعرابي للفظ الملائكة، قال ابن جني [ت329هــ] : «ذلك أن (للملائكةِ)  في موضع جر، فالتاء إذن مكسورة».

وقد تكلَّم الزجاج [ت311هـ]، والنَّحاس [ت338هـ] على قراءة ضم التاء حال الوصل، إلا أن أبا حيان [ت745هـ] ردَّ عليهما بقوله: «فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَطَّأَ الْقَارِئُ بِهَا وَلَا يُغَلَّطَ، وَالْقَارِئُ بِهَا أَبُو جَعْفَرٍ، أَحَدُ الْقُرَّاءِ الْمَشَاهِيرِ الَّذِينَ أَخَذُوا الْقُرْآنَ عَرْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ شَيْخُ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، أَحَدِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، وَقَدْ عَلَّلَ ضَمَّ التَّاءِ لِشِبْهِهَا بِأَلِفِ الْوَصْلِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْهَمْزَةَ تَسْقُطُ فِي الدَّرَجِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِأَصْلٍ، وَالتَّاءُ فِي الْمَلَائِكَةِ تَسْقُطُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَصْلٍ، أَلَا تَرَاهُمْ قَالُوا: الْمَلَائِكُ؟ وَقِيلَ: ضُمَّتْ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكْرَهُ الضَّمَّةَ بَعْدَ الْكَسْرَةِ لِثِقَلِهَا».

الظاهرة الصوتية التي تنتمي إليها هذه القراءة:  

هذا الهيئة في القراءة يسميها علماء الأصوات التأثير بالمجاورة، أو الإتباع الحركي: وهو أن تتماثل حركتان متتابعتان لضرب من الانسجام والتخفيف، وذلك بأن تتغلب حركة متقدمة على تالية فتتأثر بها، أو تصير مثلها، أو تكون عكس ذلك، فتتغلب متأخرة على متقدمة، والإتباع ظاهرة لغوية جمالية تدل على ما يعاينه المتكلم من انفعال، وتمنح المستمع متعة فنية.

وكانت هذه الظاهرة شائعة في العربية، والاختلاف في هذه الأمثلة داخل في الحديث عن التقاء الساكنين، والقراء مختلفون فيه بين الضم والكسر على التفصيل الذي ذكره الشاطبي بقوله:

وَضَمُّــكَ أُولَى السَّــــــاكِنَيْنِ لِثَــــالِثٍ  يُـــــــضَمُّ لـــزُوماً كَسْـــرُهُ فِي نَدٍ حَــــــــــلَا

قُلِ ادْعُوا أَوِ انْقُصْ قَالَتِ اخْرُجْ أَنِ اعْبُدُوا وَمَحْظُوراً انْظُرْ مَعْ قَدِ اسْتُهْزِئَ اعْتَلَا

فأمَّا وجه الكسر فتركه على أصل ما يجب في التقاء الساكنين، وأمَّا الضم فعلى الاتباع.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.