5- قوله تعالى: {… وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ … } [البقرة: 7].
القراءات الواردة في الآية:
القراءة الأولى: { أَبْصَارِهِمْ } بالإمالة، قرأ بها أبو عمرو، ودوري الكسائي، والصوري عن ابن ذكوان بخلف عنه.
القراءة الثالثة:{ أَبْصَارِهِمْ } بالتقليل، قرأ بها ورش عن نافع.
القراءة الثالثة: { بالفتح} قرأ بها بقية القراء العشرة.
اللغات الواردة في القراءة:
الإمالة عموماً: لغة عامة أهل نجد من تميم، وقيس، وأسد، وهوازن، وبكر بن وائل، وسعد بن بكر، والفتح: لغة أهل الحجاز، قال أبو شامة[ت665هـ]: «والإمالة والفتح لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فالفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة عامة أهل نجد، من تميم وقيس وأسد».
وقال الهذلي [ت465هـ]: «الإمالة لغة من لغات العرب، كيف وهي لغة هوازن، وبكر بن وائل، وسعد بن بكر، وقد قال رسول الله ﷺ: (أنا أفصح العرب، ولدت في قريش، وربيت في بني سعد ابن بكر)».
القراءة وبيئة القراء:
قراءة { أَبْصَارِهِمْ } بالإمالة التي قرأ بها كلٌّ من: أبي عمرو والكسائي وغيرهما، موافقة للغة أهل نجد وتميم وقيس وأسد بيئتهم، أما قراءة { أَبْصَارِهِمْ } بالفتح التي قرأ بها كلٌّ من: أبي جعفر وابن كثير ونافع في رواية قالون، وغيرهم، فهي موافقة للغة أهل الحجاز بيئتهم، وخالف عاصم وحمزة بيئتهما في هذه القراءة.
التوجيه الصوتي للقراءتين:
توجيه القراءة بالفتح:
من خلال المقارنة بين الفتح والإمالة تبين أن الأصل في الكلام كله الفتح؛ لكون الإمالة تدخل في بعضه، قال ابن خالويه: «والحجة لمن فخّم: أنه أتى بالكلام على أصله، ووجهه الذي كان له؛ لأن الأصل التفخيم، والإمالة فرع عليه».
وقال المهدوي [ت440هـ]: «والإمالة تقريب كما أن الإدغام تقريب، والأصل الفتح، والإمالة داخلة عليه لِعِلَلٍ…».
توجيه القراءة بالإمالة:
في هذا الموضع بالتحديد ﭿ أَبْصَارِهِمْ ﭾ ذكر ابن خالويه [ت370هـــ] أن للعرب فيه الإمالة وعدمها، وَوَجَّهَ ذلك بقوله: « للعرب في إمالة ما كانت الراء في آخره مكسورة رغبة ليست لغيرها من الحروف؛ للتكرار التي فيها، فلما كانت الكسرة للخفض في آخر الاسم والألف قبلها مستعلية أمال ما قبل الألف؛ لتسهل له الإمالة، ويكون اللفظ من وجه واحد »، واعتبر الجعبري[ت732هـ] «الكسرة على الراء دون غيرها؛ لمناسبة الإمالة للترقيق ».
الظاهرة اللهجية التي تنتمي إليها هذه القراءة:
ظاهرة الإمالة والفتح:
جاء في لسان العرب: «أن الإمالة هي الانحراف والعدول عن الشيء»، وعرَّفها الجَعْبَري: بـــ «الانحناء ».
وأول من أشار لتعريف الإمالة الاصطلاحي هو سيبويه [ت180هـ] وإن لم يصرح بذلك، حيث استغلَّ القُرَّاء والنحاة هذا الإشارة في تعريف الإمالة صراحةً، قال سيبويه [ت180هـ] ما نصه: « ومما يميلون ألفه كل شيء كان من بنات الياء والواو مما هما فيه عين، إذا كان أول (فعلت) مكسوراً نَحَوْا نحوَ الكسرة، كما نحوْا نحوَ الياء فيما كانت ألفه في موضع الياء، وهي لغة لبعض أهل الحجاز، فأما العامة فلا يميلون».
ويكاد يتفق القراء والنحاة في تعريفهم للإمالة من خلال مادتين (ن ح ا- ق ر ب)، فمادة (ن ح ا) ذكرها غالباً النحاة، مثل سيبويه كما سبق، والمبرد[210- 286هـ] ، في (المقتضب)، حيث قال:«الإمالة أن تَنْحُو بالألف نَحْوَ الياء»، ومادة:(ق ر ب) ذكرها غالباً القراء مثل مكي بن أبي طالب [ت437هـ] في (التبصرة)، حيث قال: «معنى الإمالة أن تُقَرِّب الألف نحو الياء»، وهناك من جمع بين المادتين كابن جني [ت392هـ] حيث قال عن الإمالة: «وإنما وقعت في الكلام لتقريب الصوت من الصوت، وذلك نحو: عالم، وكتاب، وسعى، وقضى، واستقضى، ألا تراك قَرَّبْتَ فتحة العين من الكسرة، فَأَمَلْتَ الألف نحو الياء، وكذلك سعى، وقضى، نحوت بالألف نحو الياء التي انقلبت عنها».
من خلال النظر في كلام النحاة والقُرَّاء في تعريف الإمالة تبين أنه غَلَبَ استعمال مادة: (قرب) عند القراء؛ وذلك يتصل يما يلتزمونه من الدقة في الأداء، وما يرتضونه من قدر في الإمالة، فهم يتحدثون في درجات الإمالة، ويدلل على تلك الدقة الإمام الجعبري [ت732هـ] في تقسيمه الإمالة إلى إمالة صغرى(تقليل)، وإمالة كبرى (إضجاع).
تعريف الفتح:
الفتح من فَتَحَ ضد أَغْلَق، وفي (سراج القارئ) لابن القَاصِح[716- 801هـ] قوله:«الفتح: أي فتح الصوت لا الحرف» ، والمقصود به هنا الفتح الذي هو في مقابل الإمالة والتقليل.
وتعريفه عند ابن الجزري [ت833هـ]: «عبارة عن فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف، وهو فيما بعده ألف أظهر، ويقال له: التفخيم، وربما قيل له: النصب».
د. فيصل الجوده