2- الجلوس مع من يستهزأ بآيات الله :
قال تعالى : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء: 140].
المعنى الإجمالي :
وقد نزَّل الله عليكم – أيها المؤمنون – في القرآن الكريم أنكم إذا جلستم في مجلسٍ وسمعتم فيه من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها، فيجب عليكم ترك القعود معهم والانصراف عن مجالستهم، حتى يتحدثوا في حديث غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها، إنكم إذا جالستموهم حال الكفر بآيات الله والاستهزاء بها بعد سماعكم ذلك مثلهم في مخالفة أمر الله، لأنكم عصيتم الله بجلوسكم كما عصوا الله بكفرهم، إن الله سيجمع المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويضمرون الكفر مع الكافرين في نار جهنم يوم القيامة.
فوائد الآية :
١. أن الواجب على كل مكلف في آيات الله الإيمان بها وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله، فضد الإيمان الكفر بها، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها.
٢. الإيمان بآيات الله يوجب هجرَ كلِّ مجلس يُستخفُّ فيه بها، ويَحتِمُ الإنكارَ على مَن فيه.
٣. إذا لم يستطع المؤمن الإنكار على من يتطاول على آيات الله وشرعه، فلا يجوز له الجلوس معه على هذه الحال.
قال ابن عاشور :”وفي النَّهْيِ عَنِ القُعُودِ إلَيْهِمْ حِكْمَةٌ أُخْرى: وهي وُجُوبُ إظْهارِ الغَضَبِ لِلَّهِ مِن ذَلِكَ كَقَوْلِهِ ﴿تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكم مِنَ الحَقِّ﴾[الممتحنة: ١] .
٤. احذرِ البسمةَ إذا كان باعثَها الاستهزاءُ بآية أو شريعة؛ فإنها كفيلةٌ بالإخراج من الملَّة.
٥. إذا سمع المسلمُ الاستهزاءَ بدين الله في مجلسٍ ما، فعليه أن يدافعَ عن حُرمة دينه، أو يغادرَ المجلسَ غيرَ آسف، ولا يجوز للإنسان أن يبقى ويقول: أنا منكر بقلبي.
٦. ﴿إِنَّكُمْ إِذًا﴾ أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة ﴿مِثْلُهُمْ﴾ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، فالرضا بالكفر كفر، والرضا بالإثم إثم.
٧. ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم. وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بآيات الله لأنها لا تدل إلا على حق، ولا تستلزم إلا صدقا، بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه.
٨. الاستهزاء يشمل آيات الله الكونية فمن يقول أن الطبيعة هي الخالقة المدبِّرة فهذا كفر بآيات الله الكونية، أما الآيات الشرعية فيكون الكفر بها إما بالتكذيب، أو بالعصيان والمخالفة، لكن العصيان والمخالفة إما أن يكون كفرًا أكبر، وإما أن يكون دون ذلك.
٩. ﴿في جهنم﴾: التي هي سجن الملك. ﴿جميعاً﴾: كما جمعهم معهم مجلس الكفر الذي هو طعن في ملك الملك، والتسوية بينهم في الكفر بالقعود معهم دالة على التسوية بين العاصي ومجالسه بالخلطة من غير إنكار. [البقاعي: ٢/٣٣٧].
١٠. تحريم التعاون على الإثم والعدوان، ووجهه أنه إذا حرُم القعود مع فاعل المنكر فالإعانة من باب أولى.
١١. في الآية لزوم مجالسة الصالحين، ومن كان معهم كان له أجر، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فاصطَفِ جليسَك الذي تحبُّ أن يكونَ معك في الآخرة؛ فالمرءُ مع مَن أحبَّ، والمنافقون أحبُّوا الكافرين ووالَوهم في الدنيا فجمعَهم الله في مصيرٍ واحد في الآخرة.
د. مراد القدسي