صفات حذر منها القرآن الكريم (12)

الصفة الثانية عشرة: تجاوز العمل بالظاهر في الحكم على الآخرين :
🔴قال تعالى ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَتَبَیَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنۡ أَلۡقَىٰۤ إِلَیۡكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنࣰا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِیرَةࣱۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ فَتَبَیَّنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا﴾ [النساء ٩٤].
🔴المعنى الإجمالي :
يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إذا خرجتم للجهاد في سبيل الله فتثبتوا في أمر من تقاتلون، ولا تقولوا لمن أظهر لكم ما يدل على إسلامه: لست مؤمنًا، وإنما حملك على إظهار الإسلام الخوف على دمك ومالك، فتقتلوه تطلبون بقتله متاع الدنيا الزهيد كالغنيمة منه، فعند الله مغانم كثيرة، وهي خير وأعظم من هذا، كذلك كنتم من قبل مثل هذا الذي يخفي إيمانه من قومه، فمنَّ الله عليكم بالإسلام فعصم دماءكم فتثبتوا، إن الله لا يخفى عليه شيء من عملكم وإن دقَّ، وسيجازيكم به.
♦️♦️♦️
🔴 فوائد الآية :
١. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام﴾ قال: كان رجل في غُنَيْمَةٍ له، فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك إلى قوله: ﴿عرض الحياة الدنيا﴾.
٢. وفي هذا من الفقه باب عظيم؛ وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر. [القرطبي: ٧/٥١]
٣. ﴿فَتَبَيَّنوا﴾ أي: اطلبوا بالتأني والتثبت بيان الأمور والثبات في تلبسها، والتوقف الشديد عند منالها؛ وذلك بتميز بعضها من بعض، وانكشاف لبسها غاية الانكشاف، ولا تقدموا إلا على ما بان لكم.
٤. ﴿ولا تقولوا﴾ قولاً ،فضلاً عما هو أعلى منه، لمن ﴿ألقى﴾ أي: كائنا من كان ﴿إليكم السلام﴾ أي: بادر بأن حيَّاكم بتحية الإسلام، ملقياً قياده﴿لست مؤمناً﴾. [البقاعي: ٢/٢٩٩].
٥. لا تشُقَّ عن قلوب الناس، ولكن خُذ بظاهر ما يفعلون، فمَن أظهر الإسلام فلا تكذِّبه، أو قام بشرائعه فلا تتَّهِمه، حتى تقومَ البراهين اليقينيَّة على خلاف ذلك.
٦. منهج المؤمن بناءُ الأحكام على اليقين، فإن تيقَّن أقدَم، وإن اشتبهَت عليه المسائلُ أحجَم.
٧. إن كانت تحيَّةُ الإسلام توجب الأمانَ لمُلقيها، فكيف بما فوق ذلك؟! وكم مستحلٍّ لدمِ مسلمٍ وهو يراه في صلاةٍ وصيام، وربَّما في دعوةٍ وجهاد!
٨. ما كان الدافعُ إلى الجهاد المشروع يومًا عرَضًا دنيويًّا، بل فَواتُ كنوزِ الأرض جميعًا خيرٌ للمؤمن من أن يَلقى الله بدمِ مسلمٍ معصوم.
٩. وجوب التثبت والتبين في الأمور التي يترتب على الخطأ فيها ضرر بالغ.
١٠. ما يجلبُه التثبُّت من وافر المغانم الدنيويَّة والأخرويَّة خيرٌ للمرء ممَّا يَفوته من عرَض الدنيا عند استعجاله إيَّاه، وتركه الأناة فيه.
١١. جميل بكَ وأنت تعاتب أخاك على تصرُّفاته غير القويمة ألا تنسى أنك قد تكون يومًا من الأيام فعلتَ فعلَه، ثم عوفيتَ من ذلك، فإنه أدعى إلى الإنصاف معه.
١٢. العبد محتاجٌ إلى ما يذكِّره بمراقبة الله، ولزومِ حدوده، وإن كان في جهادٍ وطاعة؛ حتى لا تجمَحَ نفسُه فيَنِدَّ منها ما يُفسد العمل.
١٣. وفي الآية إشارة إلى أن العبد ينبغي له إذا رأى دواعي نفسه مائلة إلى حالة له فيها هوى وهي مضرة له، أن يُذَكِّرها ما أعد الله لمن نهى نفسه عن هواها، وقدَّم مرضاة الله على رضا نفسه، فإن في ذلك ترغيبًا للنفس في امتثال أمر الله، وإن شق ذلك عليها.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.