صفات حذر منها القرآن الكريم (5)

الصفة الخامسة: نشوز الزوج.
🔴قال تعالى { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 128].
🔴المعنى الإجمالي :
وإن خافت امرأة من زوجها ترفُّعًا عنها وعدم رغبة فيها فلا إثم عليهما أن يتصالحا بأن تتنازل عن بعض الحقوق الواجبة لها كحق النفقة والمبيت، والصلح هنا خير لهما من الطلاق، وقد جُبِلت النفوس على الحرص والبخل، فلا ترغب في التنازل عما لها من حق، فينبغي للزوجين علاج هذا الخلق بتربية النفس على التسامح والإحسان. وإن تحسنوا في كل شؤونكم، وتتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم به.
فوائد الآية:
♦️♦️♦️
١. عناية الله عز وجل بما يكون بين الزوجين؛ ذكر هنا نشوز الزوج، وفي أول سورة النساء ذكر نشوز الزوجة، مما يدل على عناية الله تعالى بما يكون بين الزوجين ؛ لأن الزوجين هما الرابطة، الرابطة التي تربط بين الأولاد وتربط أيضا بين الصهر وصهره.
٢. أن من الأزواج من ينشز عن الزوجة، يترفع عليها، يعرض عنها، لا يجلس إليها ولا يستأنس بها، ويكلمها بأنفه، ويقصر في حقوقها فيضر بها.
٣. ﴿وإن تصلحوا﴾ ما بينكم وبين زوجاتكم؛ بإجبار أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس، احتساباً وقياماً بحق الزوجة.
٤. الإبقاء على عِصمة الزوجيَّة مع التقوى وحُسن العِشرة، والإغضاء عن بعض جوانب القصور والعيوب، وهضم النفس عن بلوغ أهوائها المباحة؛ إحسانٌ نُدِبَ المرءُ إليه.
٥. يجوز للزوجة عند المصالحة أن تسقط حقها من القَسْم، فإذا قال لها: إنه تزوج زوجة جديدة ورغب عن القديمة، وقال: إما أن تبقي عندي مع إسقاط حقك من القَسْم، وإما فالطلاق، فرضيت بذلك فإنه يجوز.
٦. “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ْ” ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى أن الصلح بين مَن بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه، لما فيها من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح.
وهو جائز في جميع الأشياء إلا إذا أحلّ حراما أو حرّم حلالا، فإنه لا يكون صلحا وإنما يكون جورا.
🔵 ومن أثر الصلح بين الزوجين إجبار الزوج نفسه على فعل ما لا تهواه النفس، احتساباً وقياماً بحق الزوجة.
٧. ﴿الصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ قد يظن بعض الناس أنه إذا غض من نفسه وتنازل عن الحق أن ذلك هضم لحقه، وأن العاقبة غير حميدة، لكن الله عز وجل الذي بيده ملكوت السماوات والأرض يقول ﴿والصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
٨. العاقلُ مَن يسعى إلى الإصلاح، مرتديًا لأجله أثوابَ المسامحة، خالعًا أرديةَ استقصاء الحقوق؛ لأنه لا يطلب مطلوبَه من العدالة بمقدار ما يبغي مطلوبَ ربِّه من الإحسان.
٩. في النفس طِباعٌ تبعد صاحبَها عن الحقِّ؛ كالبخل بما لها، والاستشرافِ لما لغيرها، ففي الأوَّل تَرومُ كاملَ حقِّها، وفي الثاني ترغب في التفضُّل عليها.
١٠. ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ ْ﴾.
أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلُق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك.
فمتى وفق الإنسان لهذا الخُلُق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر.
١١. ﴿وإن تحسنوا﴾ أي: توقعوا الإحسان بالإقامة على نكاحكم وما نُدِبتم إليه من حسن العشرة وإن كنتم كارهين. ﴿وتتقوا﴾ أي: توقعوا التقوى بمجانبة كل ما يؤذي نوع أذى؛ إشارة إلى أن الشحيح لا محسن، ولا متق. [البقاعي: ٢/ ٣٢٩].
١٢. لا يضيع إحسانُ محسنٍ مخلص أو تقوى متَّقٍ في عَلاقته الزوجيَّة، والله خبيرٌ بما تعمله كلُّ نفس، وخبيرٌ ببواعثه وكوامنه.
د. مراد القدسي

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.