الحذر من النفاق.
النفاق حالة من التناقض، يعيشها السالك لطريق الغواية، يخادع نفسه، النفاق كفرٌ بالله واليوم الآخر في الباطن، وتمثيلُ وكذبٌ وادعاءُ إيمانٍ في الظاهر، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }.
مظاهر النفاق:
أولاً: الخداع: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا…}، مراوغة تفضحها الأفعال: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ… }، وفي قراءة الحجازيين وأبي عمرو: (وما يخادعون)، وفي هذه القراءة بيان صورة الانفصام والصراع النفسي الذي يعيشه المنافق؛ لأن المخادعة إنما تكون بين شيئين، وهي كذلك في المنافق فهو يعيش دورين متناقضين في نفس الوقت، وأسلوب الحصر في: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ… } يدل على أن خداعهم مرتدٌ عليهم، ولن يضروا الله شيئاً .
ثانياً: عدم الشعور بالخطيئة والذنب: {…وَمَا يَشْعُرُونَ}، الشعور أول خطوات الإدراك، وقد نفاه الله عنهم، وبالتالي ينتفي عنهم كل الإدراك من باب أولى، تراكمت على قلوبهم الغفلة فأصبحوا بلا إحساس ولا شعور.
الخداع وعدم الشعور بالخطأ مرضٌ يصيب قلب المنافق: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ… }، يشترك المريض والمنافق بأنهم يجدون الشيء على خلاف ما هو عليه، فالمريض مثلاً: يطعم الحلو مُرّاً، والمنافق يرى الحق باطلاً والباطل حقاً، مرض القلب عقوبة بحد ذاتها، فكيف بزيادة المرض واشتداده !: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
ثالثاً: تبني الفساد: باعتباره صلاحٌ محض في نظرهم، فعدم شعور المنافق بأنه يمارس الفساد لب المشكلة، ولو شعر بذلك لانحلت العقدة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}، لا أشد من عداء المنافقين للمؤمنين، ولا إفساد أعظم من إفساد المنافقين في ديار المسلمين؛ ولذا جاءت الآية مؤَكَّدة بثلاث مؤكدات: (ألا، إنهم، هم)، وهذا من أبلغ صيغ التوكيد.
رابعًا: الكبر: واحتقار الصالحين، فضلاً عن المصلحين، والتقليل من شأنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}.
خامساً: الظهور الدائم بوجهين، وإيثار شياطين الأنس، والأُنْسِ بهم:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)}، ولا تتعجب بعد ذلك في إملاء الله لهم، ليزدادوا إثماً، طريق تفضي بهم إلى الظلمة، فضلا عن العمه وهو التردد والحيرة في الأمر وهذا حال المنافق: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)}.
سادساً: شغفهم بالباطل والتضحية في سبيله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}، اشتروا الضلالة، مع أنها شرُّ سلعة، ودفعوا ثمن الشراء، وضحوا في سبيله بالهدى، والهدى غاية ما يتمناه عاقل، فبئست الصفقة، وما أعظم الخسارة ! ويلاحظ هنا شغف المنافق بالغواية عجيب، كأنه يشتريها، {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}، خسروا كل شيء: الربح، ورأس المال، فما ربحوا دنيا ولا آخرة، ولا نالوا العاجل ولا الآجل، وهذا جزاءُ من قدَّم على الله سواه، وآثر شهوته وهواه.