اللهجات في المتواتر من القراءات – سورة البقرة (9)

9- قوله تعالى: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة:29].

القراءات الواردة في الآية:

القراءة الأولى: (وَهُوَ) بتحريك الهاء، قرأ بها  ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، ويعقوب، وخلف العاشر، وورش عن نافع.

القراءة الثانية: (وَهْو) بإسكان الهاء، قرأ بها  أبو عمرو، وأبو جعفر، و الكسائي، وقالون عن نافع.

اللغات الواردة في القراءة :

  • بتحريك الهاء في (وَهُوَ) لغة أهل الحجاز.
  • بإسكان الهاء في (وَهْو) لغة أهل نجد.

قال الفَرَّاء [ت207هـ] في نحو هذا: « أهلُ الحجازِ يُثَقِّلون: (وَهُوَ) إذا كانت فيه الواوُ والفاءُ واللامُ، وأهلُ نجدٍ يُخَفِّفون، والتخفيفُ أكثرُ في كلامِ العربِ، والتثقيلُ جائزٌ على الأصل»، والمراد بالتثقيل والتخفيف – فيما سبق من قول الفَرَّاء-  تحريك الهاء وإسكانها.

القراءة وبيئة القراء:

قراءة(وَهُوَ)بتحريك الهاء التي قرأ بها ابن كثير، وورش عن نافع، موافقة للغة أهل الحجاز بيئتهما، وقراءة (وَهْو) بإسكان الهاء التي قرأ بها أبو عمرو البصري لغة أهل نجد التي باعتبارها من مرادفات اللغة التميمية.   

التوجيه الصوتي للقراءتين:

توجيه قراءة  تحريك الهاء:

بالمقارنة الصوتية بين القراءتين تبين أن قراءة تحريك الهاء أتت على الأصل؛ لأنها مضمومة في الابتداء إذا كانت ضميراً لفاعل غائب، قال المهدوي [ت440 هـ]: « ألا ترى أن (هو) و(هي) لا خلاف في تحريك الهاء منهما إذا لم يكن قبل أحد الحروف المذكورة،  وما جاء على الأصل فقد استغنى عن الاحتجاج».

توجيه  قراءة  إسكان الهاء:

توجيه قراءة سكون الهاء قبل الحروف الثلاثة: الواو، والفاء، واللام؛ للتخفيف، حيث إن الكلمة اتصل بها حرف، فصار ذلك الحرف عوضاً عن الضمة، فحسُن التخفيف؛ لأن الاعتماد وقع على الحرف الأول، قال المهدوي [ت440هـ]: «والعرب تسكن وسط ذلك تخفيفاً، فكذلك أسكنت الهاء من (هو وهي)تخفيفاً إذا اتصل بها أحد هذه الحروف الثلاثة»، فوجه الإسكان بعد الواو والفاء واللام أن هذه الحروف لعدم استقلالها تُنَزَّل منزلة الجزء لا الصلة به، فَسُكِّنَت وسط الكلمة تخفيفاً، وشُبِّهَت بتخفيف العرب لـ (عَضْدٍ) و(عَجْزٍ)، وهي لغة نجد لغة مشهورة مستعملة.

وعِلَّةُ تفريق أبي عمرو البصري بين هذه الحروف الثلاثة وبين (ثُمَّ): أن (ثم) منفصلة من هو، فجاز أن يَسْكت عليها، فصارت الهاء في حكم الابتداء، والعرب لا تبتدئ بساكن .

الظاهرة الصوتية التي تنتمي إليها هذه القراءة:   

التخفيف في ضمير الغائب المفرد:

يميل الناس بطبعهم إلى تخفيف الكلام لتوفير الجهد العضلي، فينزعون لتغيير بعض الأصوات ما أمكنهم التخفيف في نُطْقها والانسجام فيما بينها، ويظهر ذلك التغيير في بعض الصيغ في صدر الكلمة أو حشوها أو في آخرها، ويُعْرف ذلك عند علماء الأصوات بالتخفيف.

والتسكين في ضمير الغائب المفرد (التخفيف) عزاه الفَرَّاء [ت207هـــ] إلى أهل نجد، ونسب التحريك (التثقيل) إلى أهل الحجاز، وأمَّا بنو أسد فكانوا يقولون:(وهْو، وهْي) بإسكان الحرف الأول، كما ذكر ذلك أبو علي الفارسي [ت 377 هـ].

 أما عند تجريد الضمائر من الحروف التي قبلها فتصبح (هُوْ، هِيْ)، يذكر الكسائي [ت 189هـ] عنها أربع حالات:

  • (هُوَّ ــــــ هِيَّ)، على أن أصل كل كلمة من ثلاثة أحرف، الحرف الثالث باعتبار المشدد، ونسبت هذه اللغة لقبائل همدان في اليمن.
  • (هُوَ ــــــ هِيَ)، بتحريك الحرفين من غير تشديد، وتُنْسَب إلى اللغة المشتركة، وذلك بتقصير الحركات الطويلة.
  • (هُوْ ـــــــ هِيْ)، بإسكان الواو والياء، وهي لغة تُنْسَب لبني أسد وتميم وقيس.
  • كان قوم من العرب يحذف الواو والياء من (هو و هي) إذا كان قبلها ألف ساكنة، فيقول: (حتَّاه) يريد (حتى هي ، وحتى هو).

و لمَّا اتصلت بما قبلها من واو، أو فاء، أو لام، وكانت لا تنفصل عنها، صارت كالكلمة الواحدة مخففة الكلمة فأسكن الوسط: وشبهها بتخفيف العرب للفظ (عضد- وعجز)، وهي لغة مشهورة مستعملة.

أيضاً فإن الهاء لمَّا توسطت مضمومة بين واوين، أو بين واو وياء، ثقل ذلك، والعرب يكرهون توالي ثلاث حركات فيما هو كالكلمة الواحدة، فأسكن الهاء لذلك تخفيفاً.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.