القائمة الرئيسية
أكاديمية سبيلي Sabeeli Academy

من لطائف القراءات القرانية (2)

2- قوله تعالى:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة: 9].

القراءة الأولى:(وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ): قرأ بها: ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف العاشر: بفتح الياء وإسكان الخاء، وحذف الألف، وفتح الدال، وذلك على أنها مضارع «خدع» الثلاثي، والخداع في هذه القراءة إنما يكون من طرف واحد، خدعوا أنفسهم، فهم يخدعون أنفسهم ويغشونها . يخدعونها حين يظنون أنهم أربحوها وأكسبوها بهذا النفاق، وهم في الوقت ذاته يوردونها موارد التهلكة بالكفر الذي يضمرونه ، والنفاق الذي يظهرونه . وينتهون بها إلى شر مصير .

القراءة الثانية:(وَمَا يُخَادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ): قرأ بها: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، بضم الياء، وفتح الخاء، وإثبات ألف بعدها وكسر الدال، من(خادع) الرباعي، وهذا الفعل يدل على المشاركة،والمفاعلة كقولك: عافاك الله وعاقبت فلاناً، وطارقت النعل.

و ذلك من ” التفاعل ” الذي لا يكون إلا من اثنين، كسائر ما يُعرف من معنى ” يفاعل ومُفاعل ” في كل كلام العرب. وذلك: أن المنافق يُخادع الله جل ثناؤه بكَذبه بلسانه والله تبارك اسمه خادِعُه، بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاةُ نفسه في آجل مَعادِه, كالذي أخبر في قوله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [سورة آل عمران: 178]، وهنا تحصل المشاركة.

واللطيفة الثانية: أن المخادعة هنا تدل على الاستمرار، وأن هذا السلوك هو دأب المنافقين في كل زمان ومكان.

الجمع بين القراءتين:

القراءة الأولى:(وما يخدعون) بينت نهاية خداعهم لله ورسوله والمؤمنين؛ حيث عاد خداعهم عليهم في الحقيقة، والقراءة الثانية:أظهرت تفصايل الخداع والمفاعلة التي تكون بين اثنيين، وهنا وقع عليهم خداع الله عليهم بخذلانهم عن حسن البصيرة، كما تدل هذه القراءة أيضاً على استمرارهم على هذا النهج والسلوك في المستقبل.

جمال الصورة الكاملة لمعنى القراءتين:

يظهر جمال القراءتين ببيان الصورة الكاملة لواقع النفاق في المخادعة ونهايته.

قال السعدي – رحمة الله- 🙁 فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك(الخداع) فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع، إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم، لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان، فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم، وصار كيدهم في نحورهم، وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا، والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة، ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع، بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم، والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك).

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.