هدايات سورة الإنسان
غريب الألفاظ
أَمْشَاجٍ | مُختلِطةٍ من ماءِ الرَّجُلِ وماءِ المرأة. |
---|---|
مُسْتَطِيرًا | مُنتشِرًا فاشِيًا. |
قَمْطَرِيرًا | شديدَ العُبوس. |
سُندُسٍ | حَرِيرٍ رقيق، وهو باطِنُ الثِّياب. |
وَإِسْتَبْرَقٌ | حَريرٍ غَليظ، وهو ظاهِرُ الثِّياب. |
وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ | وأحكَمنا خَلقَهُم. |
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1)
• مَن عرف ابتداء أمره، وفضلَ الله عليه في خلقه، أقرَّ بالعبوديِّة لربِّه، ولم يعرف طريقًا إلى الكِبْر والجحود.
• مهلًا أيها الإنسان، لا تتفاخر ولا تزدهِ بثوب الكبرياء، فقد أتى عليك زمانٌ لم تكن فيه موجودًا، أفلا تخضعُ لجبروت من أوجدكَ وتتواضعُ الجلاله ؟!
==============
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
• ليس للعبد من حُجَّة؛ فقد آتاه الله وسائلَ الفهم والإدراك ليسمعَ الآيات ويبصرَ الدلائل، مع إرادة يختار بها مصيرَه.
• إذا أردتَّ راحةَ النفس وما يُعينك على التجلُّد والصبر، فاستحضر دومًا أن الدنيا دارُ ابتلاء لا دارُ قرار وبقاء.
==============
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
• فضلُ الله علينا عظيم؛ إذ لم يترُكنا همَلًا، ولكنَّه بصَّرنا بطريق الحقِّ وبيَّنه لنا، فمَن آثرَ غيرَه عليه استحقَّ أشدَّ العقاب.
• ما أقلَّ الشاكرين لأنعُم الله العارفين فضلَه، وما أكثرَ الكافرين الجاحدين لها، فكن مع القلَّة الفائزة، ولا تكن مع الكثرة الهالكة.
==============
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)
• إنه إنذارٌ ووَعيدٌ لا هوادةَ فيه لكلِّ مَن اختار الغَوايةَ طريقًا بدل العبوديِّة والشُّكر؛ (وما رَبُّكَ بظلام للعبيد).
===============
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
• الأبرار حقًّا هم عبادُ الله الذين امتثلوا لمقتضَيات العبوديَّة عن يقين؛ طاعةً واستقامةً، وصدقًا وإخلاصًا.
• نعيمٌ فوق نعيم، أعدَّه الله الكريم، لعباده الأبرار المتَّقين، الذين قضَوا عمرَهم محسنين، وإلى طاعة ربِّهم مسرعين.
===============
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
• مجامعُ الطاعات في أمرين: تعظيم أمر الله تعالى؛ ومنه: (يُوفونَ بالنَّذر)، والشَّفَقة على خَلق الله؛ ومنه: (ويُطعمونَ الطَّعامَ).
• الخوف في الدنيا أمانٌ في الآخرة، فالذين (يخافُونَ يوما تتقلب فيه القُلُوبُ والأبصار) جزاؤهم: (ليَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ويَزيدَهُم من فَضلِه).
• هل تبحثُ عن بابٍ من أبواب العمل الخالص لله؟ إنه محبَّة المساكين والإحسانُ إليهم؛ لأنَّ نفعَهم في الدنيا لا يُرجى غالبًا، فعليك به.
• قال قَتادة: (لقد أمر الله بالأُسارى أن يُحسَنَ إليهم، وإنهم يومئذٍ لمشركون، فوالله لأخوك المسلمُ أعظم عليك حُرمةً وحقًّا).
===============
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
• جُبلت النفوسُ على حبِّ الجزاء والثناء، فمَن جاهد نفسَه على العطاء، بلا ترقُّب شكرٍ ولا إطراء، بلغ رتبةَ الأنقياء الأتقياء.
• مَن طلب من الفقراء الدعاءَ أو الثناءَ فقد أخرج نفسَه من شرف هذه الآية وما فيها من شريف الخُلق وجليل الشَّمائل.
• لمَّا استحضروا في أنفسهم الآخرةَ والخوفَ من أهوالها، تعالَوا في مطالبهم على حظوظ الدنيا؛ راغبين فيما عند الله فهو خيرٌ وأبقى.
==============
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
• مَن خاف الله في الدنيا وأخذ أُهبتَه من طاعته، آمنه من أهوال يوم القيامة، ووقاه الفزعَ الأكبر.
• إذا سُرَّ القلب استنار الوجه، وقد جمع الله لأوليائه بين نعيم الظاهر ونعيم الباطن؛ بأن نضَّر وجوهَهم، وأسعد قلوبَهم.
• في الصبر على الطاعات خشونه، وفي الصبر عن المعاصي حزونه، فمَن صبرَ كافأه الله بلينِ العيش وناعم الثياب.
===============
وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا (18)
• امتثل المؤمنون في الدنيا اجتنابَ البطَرِ وآنيةِ الذهب والفضَّة فكوفئوا يوم الجزاء بأن يُطعَموا ويُسقَوا بصِحافٍ وأكوابٍ من فاخر الذهب والفضَّة.
• لا يلقى المؤمنون في منازل التكريم إلا ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُُّ الأعين، حتى ما يُسقَون فيه من أكوابٍ لها صفاءُ الزجاج وبريقُ الفضَّة.
================
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا (19)
• ليس في التشبيه أحسنَ من هذا وأبدع؛ لأن اللؤلؤ حين يكون منثورًا يبلغ الغايةَ في بهاء المنظر؛ لوقوع شُعاع بعضه على بعض.
• هذا وصفُ الخدَم، فما ظنُّك بالمخدومين؟! لا شكَّ أن حالهم أجلُّ وأعظم.
===============
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
• أنّى تلفتَّ في الجنان أبصَرتَ من صنوف النعيم، ومن ألوان التكريم، ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعَت، فهلَّا شمَّرتَ عن ساعد الجِدِّ لذلك الفوز العظيم.
================
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
• جمع الله لأهل طاعته كلَّ ضروب النعيم؛ في المأكل والمشرَب والملبَس والزينة، فضلًا منه سبحانه وكرمًا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
• هل بعد هذه الكرامة من كرامة؛ أن يُسندَ الله عزَّ وجلَّ سقيَ المؤمنين إلى نفسه الجليلة؛ إظهارًا لكرامتهِم، ورفعاً لشأنهِم؟ فطوبى لمن بلغَ هذه المرتبة.
===============
إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا (22)
• في هذا درسٌ لنا جميعًا؛ متى شاهدنا إحسانًا من أحدٍ أن نشكرَه ونكافئه بما هو أهلُه، فإنَّ ذلك أدعى لدوام الإحسان، وإن لم ينتظر شكرًا أو ثناء.
• من تمام فضل الله على عباده أنه يجمع لهم بين الشُّكر والثواب، فهو يشكرُ لهم إحسانهم، ويكافئهم عنه أضعافًا كثيرة، مع أنه هو الذي وفَّقهم لذلك، فما أكرمَه وأجودَه تعالى!
=================
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
• إن الله أكرمكم معشرَ المسلمين بالقرآن العظيم منهجًا ودستورًا، فاصبروا وصابروا على ما تلقَونه باستعصامكم به سبحانه فإنه وليُّكم، وهو لا شكَّ ناصرُكم.
• في الأثر: (المرءُ على دينِ خَليلِه)، فلنحذَر من رفقة السُّوء؛ فإن طاعتَهم خسرانٌ ومَهلَكة.
==================
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
• هذا هو الزاد؛ زادُ المؤمن في غُربتِه، ورحلة دعوتِه، إنه الاتِّصال بيَنبوع القوَّة ومصدر المدَد؛ عبادةً وذكرًا ودعاء، فالطريق طويل، والعبء ثقيل.
• أكثِر من السجود لربِّك بكثرة التطوُّع؛ فإنَّ أقرب ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد، وخصوصًا في سكون الليل وصفائه.
================
إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)
• أهل التبصُّر والحكمة يُؤثرون الآخرةَ الباقية على الدنيا الفانية، أمَّا الحمقى فهم الذين يضيِّعون آخرتهم بعرَض من الدنيا قليل!
===============
نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
• هو تنبيهٌ القلوب المستغرقين في حبِّ العاجلة، المغترِّين بصحَّتهم وقوَّة أجسادهم؛ ليذكُروا نعمةَ الله التي بَطِروها، ويشعروا بالابتلاء الكامن وراء هذه النعمة.
• إن الذي أحكم خلقَ الناس من عدَم، ما كان ليذرَهم سُدًى لا يؤمَرون ولا يُنهَون، وهو قادرٌ على بعثهم من جديد للحساب والجزاء.
================
إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
• هذه السورةُ بما حوَته من جليل المعاني إنما هي عظةٌ لك أيها الإنسان، فاتِّعظ بها واتخذ من آي القرآن سبيلًا إلى طاعته ورِضوانه.
• مَن أراد لنفسه الخيرَ في الدنيا والآخرة اتخذ الإيمانَ والتقوى طريقًا يبلغ به مغفرةَ ربِّه ورضوانه.
• لا تغترَّ أيها الإنسانُ بإرادتك ومشيئتك، فهي مرتبطةٌ بمشيئة الله وحدَه، فاسأله سبحانه الهدايةَ والتوفيق لسبُل الرَّشاد.
إن الله عليمٌ بمَن يستحقُّ الهدايةَ فيوفِّقه إليها، ومَن يستحقُّ الغَوايةَ فيصرفه عن الهدى؛ {إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاءُ ويَهدي إليهِ مَن أناب{.