هدايات سورة نوح
غريب الألفاظ
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ | تغَطَّوا بها؛ مُبالغةً في كراهية الدعوة. |
---|---|
أَطْوَارًا | طَورًا بعد طَور؛ نُطفةً ثم عَلَقةً ثم مُضغةً ثم عظامًا، ثم خَلقًا تامًّا. |
دَيَّارًا | أَحَدًا حَيًّا، يدُورُ ويتحرَّكُ في الأرض. |
تَبَارًا | هَلاكًا وخُسرانًا. |
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
• تقتضي الحكمةُ أن يتصدَّى للدعوة في كلِّ جماعة فردٌ منهم على درايةٍ بهم وبطبائعهم؛ فذلك أدعى للقَبول منه، والاستجابة لدعوته.
• من رحمة الله الواسعة بخَلقه؛ أن بعثَ إليهم الرسلَ مبشِّرين بالنعيم، ومنذرين من الجحيم، ليقيمَ عليهم الحجَّة فـ }مَن عَمِلَ صالحًا فلِنَفسهِ ومَن أساءَ فعَليها وما ربُّكَ بظَلَّامٍ للعَبيد{.
================
قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2)
• يجب على الدعاة التلطُّفُ بالمدعوِّين، وتخيُّرُ أفضل أساليب الخطاب؛ لاستجلاب قلوبهم، واستمالة نفوسهِم.
• الداعية الصادقُ يبتغي بدعوته وجهَ الله تعالى، ولا يرجو مجدًا شخصيًّا ولا غرضًا دنيويًّا، ولن تنجحَ الدعوة حتى تتنزَّهَ عن المنافع والمصالح.
================
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
• إنها خلاصةُ دعوة المصلحين في كلِّ جيل من الأجيال؛ إفرادُ الله بالعبادة، ومخافةُ نقمته وخشيةُ عقابه، وطاعةُ أنبيائه ورسله.
• تقوى الله هي الضمانةُ الحقيقيَّة لاستقامة الناس على منهج الحقِّ، وعدم التلفُّت عنه إلى هنا أو هناك، وهي الباعثُ على مراقبة الله، بلا رياء ولا مماراة.
================
يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
• بادروا بالطاعات؛ فإن الله يبسُط في أجَل العبد إمهالًا له حتى يتوبَ ويُصلح، فإذا جاء الأجلُ بَطَل العمل، ولا ينفع حينئذٍ تحسُّر ولا ندم.
===============
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
• الجهد والدَّأبُ بمقدار الهمِّ، فمَن حمل همَّ الدعوة نشِطَ لها ليلَ نهارَ، ولم يُبالِ في سبيلها بمشقَّة، ولم يعبأ بتعَبٍ أو نصَب.
• في الحديث: “قلوبُ العبادِ بينَ إصبعَينِ من أصابعِ الرَّحمن” فالهدايةُ من الله وحدَه، وعلى الداعية أن يبذلَ جهدَه ما استطاع.
• لا يزال المرءُ يستكبر ويعاند حتى يطمسَ الله على بصيرته؛ فلا يَميزُ بين حقٍّ وباطل، ولا حلال وحرام.
===============
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
• اطرُق أيها الداعيةُ كلَّ باب يُرجى منه تبليغُ رسالة السماء، ولا تدَع وسيلةً ولا طريقةً إلا واتَّبعها، فما يُدريك بأيِّها يكون التوفيق.
• لكلِّ مقام مقال؛ والداعيةُ الفَطِنُ يدرك بحكمته ما يصلحُ في زمان دون زمان، ومكانٍ دون مكان، فيَلبَسُ لكلِّ حال لَبوسًا.
==============
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)
• إن الله لطيفٌ حليم، واسعُ الرحمة كثيرُ المغفرة، وما عليك أيها العبدُ الغارق في الآثام إلا أن تجتهدَ بالتوبة والاستغفار، وستجدُ ربَّك توَّابًا رحيمًا.
• كان رسولُ الله ﷺ لا يفتأُ يستغفر ربَّه كلَّ يوم أكثرَ من سبعين مرَّة، فهلَّا لهِجنا لربِّنا بالاستغفار!
• خرج عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه يومًا إلى الاستسقاء، فلم يزد على أن استغفرَ ثم انصرف، فقيل له: ما رأيناك استسقَيت! فقال: (والله لقد استسقَيتُ أبلغَ الاستسقاء، وطلبتُ المطرَ بمَجاديح السماء التي يُستنزَل بها).
• قال قَتادة: (كانوا أهلَ حبٍّ للدنيا، فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبُّونها)؛ إذ النفسُ مولعةٌ بحبِّ العاجل دون الأجل.
• الاشتغالُ بالطَّاعات والقرُبات، سببٌ لانفتاح أبواب الخيرات والبرَكات.
================
مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
• توقير الله جلَّ وعلا ليس كلماتٍ تتحرَّك بها الألسُنُ فحسب، ولكنَّه خشيةٌ في القلب تورث العملَ بخشوعٍ وإخلاص.
• أيُّ عذر لكم في ترك مخافة الله تعالى، مع أن أدلَّة كمال قُدرته أظهرُ ما تكون في خَلقكم أنتم (وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون)؟!
• من أعظم الظُّلم وغاية الجهل أن تطلبَ الإجلالَ والتوقير من الناس، وليس في قلبك ذرَّةٌ من توقير الله وتعظيمه.
================
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
• مَن تأمَّل خلقَ الله العظيم من سماوات وشمس وقمر تأمُّلًا واعيًا، استشعر عظمةَ الله وجلالَه، فخضعَ لأمره وأذعنَ لهديه.
• رفع الله السماء فوقنا سقفًا يحفظنا، ويحمي أرضَنا، وجعل فيها الشمسَ والقمر مسخّرةً لنا بكثرة منافعها، وجليل عوائدها، فلله الحمدُ والمنَّة.
================
وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)
• كلماتٌ قليلة اختصرت رحلةً طويلة، من ساعة الخلق إلى ساعة البعث، ما أحرانا أن نتأمَّلها ونتدبَّرَ معانيَها، لنعملَ لحياتنا الباقية لا لحياتنا الفانية!
• كيف يغترُّ بالأمل، ويتغافل عن الأجَل، مَن علم أنه من التراب خُلق وإلى التراب يعود؟ فطوبى لمَن أصلحَ واستعدَّ للمعاد.
===============
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
• انظُر أيها العبدُ إلى الأض كيف ذلَّلها الله لمعاشِك، وجعلَ فيها طرقًا ميسَّرة تبلِّغك حوائجَك، فاحمَد الله واشكُر له، ولا تكُ من الجاحدين!
===============
قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
• إذا اعترضَت طريقَك عقَبةٌ كؤودٌ فلا تبتئس ولا تحزن، ولكن ارفع إلى مولاك يَديك، وقُل: يا ربِّ، يا رب.
• ما أكثرَ المتبوعينَ الذين يسخِّرون مالهم وجاههم في صدِّ الخَلق عن الحقِّ، فلا يزيدُهم ذلك إلا خسارًا.
• اتَّبِع أهلَ الدين والتقوى؛ فإنهم كحامل المسك لا تنالُ منهم إلا طِيبًا، وإيَّاك وأهلَ الدنيا؛ فإنهم كنافخ الكِير، إن لم يُحرق ثوبَك آذاكَ بريحه الخبيثة.
• إن عقلَك من أغلى ما تملكُ فلا تبِعهُ لأحد، وإيَّاك والتبعيَّةَ العمياء؛ فإنها تُفضي إلى الهُلك والضياع.
===============
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
• هذا حالُ الكفَّار على مدار الأزمان؛ لا يألون جهدًا، ولا يدَعون طريقًا للكيد والمكر إلَّا سلكوه، فلنعرف عدوَّنا ولنحتَط لمكره.
• انظر إلى جلَدِ الكفَّار في الإفساد، وتواصيهم وصبرهم على باطلهم، أوَ ليس أهلُ الحقِّ أولى بذلك؟
==============
مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)
• إن الله حليمٌ رحيم بعباده؛ لا يأخذُهم بقليل الذنوب، حتى إذا تمادَوا في الطُّغيان، وعتَوا عن أمره بالعصيان، أخذهم أخذَ عزيز مقتدر.
• إنما هي أعمالُك أيها المسلم ترفعُك وترتقي بك، أو تُرديك وتهوي بك، ولا يظلم ربُّكَ أَحَدًا (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
==================
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
• يغدو سؤالُ الله استئصالَ الظالمين لتطهير الأرض من ضلالهم ضرورة، حين تستعصي نفوسُهم على الانصياع لشرع الله ووحيه.
• أنبياء الله هم أعظمُ المصلحين؛ لا يرجون إلا هدايةَ الناس وتطويعَهم لربِّهم، وما يُسخطهم على الكفَّار إلا خشيتُهم من فتنة المؤمنين عن دينهم.
• لا عليكَ أن تدعوَ على الظالمين بالهلاك والدَّمار، ما لم يتوبوا إلى الله ويرجعوا إلى الصلاح والوقار، وأولى من ذلك الدعاء بهدايتهم.
=================
رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
غفرانُ الذنوب نعمةٌ كبرى ومنَّةٌ عظمى؛ فهي سببٌ في دخول الجنان، والفوز بالرِّضا والرضوان، فأكثروا من الاستغفار لأنفسكم وأهليكم.
لئن تناءت بكَ الديارُ عن الأهل والأصحاب، إنهم معكَ ما تذكَّرتهم بدعَواتك، وخصَصتَهم باستغفارك؛ فلا تبخل عليهم فإنه من البِرِّ.
الافتقارُ إلى الله وعَونه شعورٌ ينبغي ألا يفارقَ نفسَ المؤمن مهما بلغ في درجات الطاعة، ومراتب الصَّلاح والرشد.