الإعدادات
تفسير سورة المدثر (تفسير الجلالين)
يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ ﴿١﴾
«يا أيها المدثر» النبي صلى الله عليه وسلم وأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال، أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه.
قُمْ فَأَنذِرْ ﴿٢﴾
«قم فأنذر» خوِّف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴿٣﴾
«وربك فكبر» عظِّم عن إشراك المشركين.
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴿٤﴾
«وثيابك فطهر» عن النجاسة أو قصرها خلاف جر العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها نجاسة.
وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ ﴿٥﴾
«والرُّجز» فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالأوثان «فاهجر» أي دم على هجره.
وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴿٦﴾
«ولا تمنن تستكثر» بالرفع حال، أي لا تعط شيئا لتطلب أكثر منه وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب.
وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ ﴿٧﴾
«ولربك فاصبر» على الأوامر والنواهي.
فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ ﴿٨﴾
«فإذا نقر في الناقور» نفخ في الصور وهو القرن النفخة الثانية.
فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍۢ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴿٩﴾
«فذلك» أي وقت النقر «يومئذ» بدل مما قبله المبتدأ وبني لإضافته إلى غير متمكن وخبر المبتدأ «يوم عسير» والعامل في إذا ما دلت عليه الجملة اشتد الأمر.
عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍۢ ﴿١٠﴾
«على الكافرين غير يسير» فيه دلالة على أنه يسير على المؤمنين في عسره.
ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًۭا ﴿١١﴾
«ذرني» اتركني «ومن خلقت» عطف على المفعول أو مفعول معه «وحيدا» حال من مَن أو من ضميره المحذوف من خلقت منفردا بلا أهل ولا مال هو الوليد بن المغيرة المخزومي.
وَجَعَلْتُ لَهُۥ مَالًۭا مَّمْدُودًۭا ﴿١٢﴾
«وجعلت له مالا ممدودا» واسعا متصلا من الزروع والضروع والتجارة.
وَبَنِينَ شُهُودًۭا ﴿١٣﴾
«وبنين» عشرة أو أكثر «شهودا» يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم.
وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمْهِيدًۭا ﴿١٤﴾
«ومهدت» بسطت «له» في العيش والعمر والولد «تمهيدا».
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴿١٥﴾
«ثم يطمع أن أزيد».
كَلَّآ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِءَايَٰتِنَا عَنِيدًۭا ﴿١٦﴾
«كلا» لا أزيده على ذلك «إنه كان لآياتنا» القرآن «عنيدا» معاندا.
سَأُرْهِقُهُۥ صَعُودًا ﴿١٧﴾
«سأرهقه» أكلفه «صعودا» مشقة من العذاب أو جبلا من نار يصعد فيه ثم يهوي أبدا.
إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴿١٨﴾
«إنه فكر» فيما يقول في القرآن الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم «وقدر» في نفسه ذلك.
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿١٩﴾
«فقتل» لعن وعذب «كيف قدر» على أي حال كان تقديره.
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿٢٠﴾
«ثم قتل كيف قدر».
ثُمَّ نَظَرَ ﴿٢١﴾
«ثم نظر» في وجوه قومه أو فيما يقدح به فيه.
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴿٢٢﴾
«ثم عبس» قبض وجهه وكلحه ضيقا بما يقول «وبسر» زاد في القبض والكلوح.
ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ ﴿٢٣﴾
«ثم أدبر» عن الإيمان «واستكبر» تكبر عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فَقَالَ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌۭ يُؤْثَرُ ﴿٢٤﴾
«فقال» فيما جاء به «إن» ما «هذا إلا سحر يؤثر» ينقل عن السحرة.
إِنْ هَٰذَآ إِلَّا قَوْلُ ٱلْبَشَرِ ﴿٢٥﴾
ما «إن هذا إلا قول البشر» كما قالوا إنما يعلمه بشر.
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴿٢٦﴾
«سأصليه» أُدخله «سقر» جهنم.
وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا سَقَرُ ﴿٢٧﴾
«وما أدراك ما سقر» تعظيم شأنها.
لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ ﴿٢٨﴾
«لا تبقي ولا تذر» شيئا من لحم ولا عصب إلا أهلكته ثم يعود كما كان.
لَوَّاحَةٌۭ لِّلْبَشَرِ ﴿٢٩﴾
«لواحة للبشر» محرقة لظاهر الجلد.
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴿٣٠﴾
«عليها تسعة عشر» ملكا خزنتها قال بعض الكفار وكان قويا شديد البأس أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين قال تعالى:
وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةًۭ ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةًۭ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِيمَٰنًۭا ۙ وَلَا يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌۭ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًۭا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ ﴿٣١﴾
«وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة» أي فلا يطاقون كما يتوهمون «وما جعلنا عدتهم» ذلك «إلا فتنة» ضلالا «للذين كفروا» بأن يقولوا لم كانوا تسعة عشر «ليستيقن» ليستبين «الذين أوتوا الكتاب» أي اليهود صدق النبي صلى الله عليه وسلم في كونهم تسعة عشر الموافق لما في كتابهم «ويزداد الذين آمنوا» من أهل الكتاب «إيمانا» تصديقا لموافقته ما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم «ولا يرتاب الذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون» من غيرهم في عدد الملائكة «وليقول الذين في قلوبهم مرض» شك بالمدينة «والكافرون» بمكة «ماذا أراد الله بهذا» العدد «مثلا» سموه لغرابته بذلك وأعرب حالا «كذلك» أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه «يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك» أي الملائكة في قوتهم وأعوانهم «إلا هو وما هي» أي سقر «إلا ذكرى للبشر».
كَلَّا وَٱلْقَمَرِ ﴿٣٢﴾
«كلا» استفتاح بمعنى ألا «والقمر».
وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴿٣٣﴾
«والليل إذا» بفتح الذال «دبر» جاء بعد النهار وفي قراءة إذ دبر بسكون الذال بعدها همزة، أي مضى.
وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ ﴿٣٤﴾
«والصبح إذا أسفر» ظهر.
إِنَّهَا لَإِحْدَى ٱلْكُبَرِ ﴿٣٥﴾
«إنها» أي سقر «لإحدى الكبر» البلايا العظام.
نَذِيرًۭا لِّلْبَشَرِ ﴿٣٦﴾
«نذيرا» حال من إحدى وذكر لأنها بمعنى العذاب «للبشر».
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴿٣٧﴾
«لمن شاء منكم» بدل من البشر «أن يتقدم» إلى الخير أو الجنة بالإيمان «أو يتأخر» إلى الشر أو النار بالكفر.
كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿٣٨﴾
«كل نفس بما كسبت رهينة» مرهونة مأخوذة بعملها في النار.
إِلَّآ أَصْحَٰبَ ٱلْيَمِينِ ﴿٣٩﴾
«إلا أصحاب اليمين» وهم المؤمنون فناجون منها كائنون.
فِى جَنَّٰتٍۢ يَتَسَآءَلُونَ ﴿٤٠﴾
«في جنات يتساءلون» بينهم.
عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴿٤١﴾
«عن المجرمين» وحالهم ويقولون لهم بعد إخراج الموحدين من النار.
مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ﴿٤٢﴾
«ما سلككم» أدخلكم «في سقر».
قَالُوا۟ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾
«قالوا لم نك من المصلين».
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ ﴿٤٤﴾
«ولم نك نطعم المسكين».
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلْخَآئِضِينَ ﴿٤٥﴾
«وكنا نخوض» في الباطل «مع الخائضين».
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿٤٦﴾
«وكنا نكذب بيوم الدين» البعث والجزاء.
حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلْيَقِينُ ﴿٤٧﴾
«حتى أتانا اليقين» الموت.
فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ ﴿٤٨﴾
«فما تنفعهم شفاعة الشافعين» من الملائكة والأنبياء والصالحين والمعنى لا شفاعة لهم.
فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ﴿٤٩﴾
«فما» مبتدأ «لهم» خبره متعلق بمحذوف انتقل ضميره إليه «عن التذكرة معرضين» حال من الضمير والمعنى أي شيء حصل لهم في إعراضهم عن الاتعاظ.
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌۭ مُّسْتَنفِرَةٌۭ ﴿٥٠﴾
«كأنهم حمر مستنفرة» وحشية.
فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍۭ ﴿٥١﴾
«فرت من قسورة» أسد أي هربت منه أشد الهرب.
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِئٍۢ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًۭا مُّنَشَّرَةًۭ ﴿٥٢﴾
«بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة» أي من الله تعالى باتباع النبي كما قالوا: لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه.
كَلَّا ۖ بَل لَّا يَخَافُونَ ٱلْءَاخِرَةَ ﴿٥٣﴾
«كلا» ردع عما أرادوه «بل لا يخافون الآخرة» أي عذابها.
كَلَّآ إِنَّهُۥ تَذْكِرَةٌۭ ﴿٥٤﴾
«كلا» استفتاح «إنه» أي القرآن «تذكرة» عظة.
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ﴿٥٥﴾
«فمن شاء ذكره» قرأه فاتعظ به.
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ ﴿٥٦﴾
«وما يذكرون» بالياء والتاء «إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى» بأن يتقى «وأهل المغفرة» بأن يغفر لمن اتقاه.