اتجاهات التجديد ومناهجها في تفسير القرآن الكريم
لم يحظ كتاب سماوي أو أرضي بما حظي به القرآن الكريم من عناية واهتمام سواء من لدن المؤمنين به وحيا من عند الله أو من لدن المتشككين في ذلك، مما جعل الدراسات القرآنية والأبحاث حول القرآن تحتل حيزا وافرا في مكتبات العالم، وكتاب الله العظيم (القرآن) في نظر المسلمين ـ قديما وحديثا ـ هو كتاب هداية وإرشاد لكل الناس
دواعي التجديد في مناهج التفسير:
رغم أن أئمة السلف الصالح قد بذلوا أقصى جهدهم في فهم القرآن وتفسيره واستنباط ما يحتويه من الأحكام والشرائع والعبر والعظات، إلا أن ما وقع للمسلمين في تاريخهم من اختلاف وافتراق، وتنازع وتصارع حتى فشلوا وكادت تذهب ريحهم أثر في فكرهم عامة وفي مسيرة تفسير القرآن خاصـة، إذ صارا لتفسير بدوره مجالا للدفاع عن المذاهب العقدية أو الفقهية، أو لاستعراض فنون من المعارف المختلفة والمتناقضة أحيانا، مما أبعد التفسيرعن تحقيق مقاصد القرآن وغاياته العقدية والتربوية الحقة، هذا فضلا عن غياب النظرة الشمولية للقرآن في مناهج المفسرين ، إذ اقتصر أغلبهم على فهم المعاني الجزئية للمفردات أو إثارة القضايا الفقهية أو الكلامية الجزئية أيضا ، وقد تعددت مناهج المفسرين وتنوعت بتعدد ثقافاتهم ومذاهبهم وتنوعها ، حتى إن لكل مفسر منهجا خاصا به يعكس توجهه العلمي وانتماءه العقدي أو المذهبي، والحال هذه أن التفسير كان من علوم الخواص و لم يكن من العلوم التي يستفيد منها عموم الناس في مجالس الوعظ والإرشاد.
هذه الحال تفاقمت خلال عصور الانحطاط إلى بداية القرن العشرين حيث ساد التقليد وغاب الاجتهاد، وظل العلماء ـ إلا من رحم ربك ـ يجترون الأفكار والآراء المتوارثة، ولم يستطيعوا تعميق الإيمان وحب القرآن في القلوب والنفوس مما جعل العقول والقلوب تتصف بالخواء والفراغ وأوجد لديها قابلية الغزو الفكري والثقافي بعد الانهزام العسكري والسياسي، بل وخلق عند البعض القابلية للاستلاب الثقافي والحضاري بكل ما ينطوي عليه من سلبيات وانحرافات، وهو ماجعل المفكرين والدعاة ـ منذ قرن أو يزيد ـ يتساءلون عن أسباب تخلف هذه الأمة وانحطاطها،وهل من علاقة بين تخلفهم ودينهم الإسلام ـ إيجابا أو سلبا ـ ؟
18