أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السُّلَمي الشافعي (577هـ/1181م - 660هـ/1262م)
الملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ الإسلام
، هو عالم وقاضٍ مسلم، برع في الفقه والأصول والتفسير واللغة، وبلغ رتبة الاجتهاد،
قال الحافظ الذهبي: «بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين، وقَصَدَه الطلبة من الآفاق، وتخرّج به أئمة».
وقال ابن العماد الحنبلي: «عز الدين شيخ الإسلام... الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء... برع في الفقه والأصول واللغة العربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف الناس ومآخذهم، وبلغ رتبة الاجتهاد
، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنف التصانيف المفيدة
وُلد العز بن عبد السلام بدمشق سنة 577هـ (1181م) ونشأ بها، ودرس علوم الشريعة واللغة العربية، وتولى الخطابة بالجامع الأموي والتدريسَ في زاوية الغزالي فيه، واشتُهر بعلمه حتى قصده الطلبة من البلاد، كما اشتُهر بمناصحة الحكام ومعارضتهم إذا ارتكبوا ما يخالف الشريعة الإسلامية برأيه، وقد قاده ذلك إلى الحبس، ثم إلى الهجرة إلى مصر، فعُيّن قاضياً للقضاة فيها، وقام بالتدريس والإفتاء، وعُيّن للخطابة بجامع عمرو بن العاص، وحرّض الناس على ملاقاة التتار وقتال الصليبيين، وشارك في الجهاد بنفسه، وعمّر حتى مات بالقاهرة سنة 660هـ (1262م) ودُفن بها
عصره
عاش العز بن عبد السلام في الربع الأخير من القرن السادس الهجري، وأكثر من النصف الأول من القرن السابع (577-660هـ)، وعاصر الدولة الأيوبية والدولة المملوكية في الشام ومصر. وتعد هذه الفترة الزمنية من أشد العصور في التاريخ الإسلامي اضطراباً وقلقاً؛ إذ كانت سلطة الخلافة العباسية والدول القائمة تحت نفوذها في ارتفاع وانخفاض مطلقين، والناس يتنقّلون بين الاستقلال والاحتلال، والوحدة والانفصال؛ ففي القرن الخامس الهجري اتجه الصليبيون إلى ديار الإسلام، فاحتلوا أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، حتى سقط بيت المقدس في أيديهم سنة 492هـ. ثم جاء عهد عماد الدين زنكي أمير الموصل الذي تصدى للصليبيين، وبدأ بتوحيد صفوف المسلمين، ثم خلفه ابنه نور الدين محمود الذي اتسم عهده بالصلاح والاهتمام بالعلم، فسعى لتوحيد البلاد الإسلامية وجمع صفوفها ضد أعداء الإسلام، حتى توفي سنة 569هـ. فخلفه صلاح الدين الأيوبي الذي كان نائباً عنه في حكم مصر، فأسس الدولة الأيوبية، وبدأ في الإصلاح السياسي والعلمي والاجتماعي والعسكري، وسعى إلى توحيد الشام ومصر، ثم اتجه إلى محاربة الصليبيين، فاستطاع أن يسترد بيت المقدس سنة 583هـ، وتابع تحرير فلسطين وسائر بلاد الشام من الصليبيين حتى توفي سنة 589هـ.[4]
بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي وقعت الفُرقة بين حكام الإمارات والمدن من أبناء صلاح الدين وإخوته، فانقسمت الدولة الأيوبية إلى دُويلات يتآمر حكامها على بعض، ويحارب بعضهم الآخر، فاشتد ضعفهم، وهزلت صورتهم وكيانهم أمام الصليبيين من الغرب، والتتار من الشرق، ووصل بهم الأمر إلى أن يتحالف بعضهم مع الصليبيين ويستعينوا بهم على إخوتهم أو أبناء إخوتهم، ويُسلِّموهم البلاد والقلاع والحصون. واستمر الأمر كذلك حتى انتهت الدولة الأيوبية، وبدأت دولة المماليك، وتولى قطز الإمارة سنة 657هـ، واتجه لملاقاة التتار القادمين من الشرق، وقد أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد سنة 656هـ، ودخلوا الشام واتجهوا نحو مصر، فتلقاهم قطز بعين جالوت بفلسطين وانتصر عليهم، وقُتل أثناء عودته إلى مصر، فتولى الظاهر بيبرس السلطة مكانه، وبقي في الحكم حتى نهاية عُمْر العز بن عبد السلام.
الحالة العلمية
أثّرت الحالة السياسية والكوارث الداخلية والخارجية التي حلت بالبلاد الإسلامية في القرون الثلاثة (الخامس والسادس والسابع) على الحركة العلمية والنهضة الثقافية، سلباً وإيجاباً، فمن جهة: ركدت الحركة العلمية، وقصرت الهمم، وجمد الاجتهاد وساد التقليد. وكان للفساد الاجتماعي والانحلال الخلقي بين الناس أثرٌ على العلم والعلماء الذين آثر كثير منهم اعتزال المجتمع، والانقطاع إلى العلم والعبادة، والابتعاد عن الحكام والأمراء، بينما كان فريق آخر يقف في وجه الانحراف، ويسعى إلى تقويم السلوك وإصلاح المجتمع، ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتصدى لتصرفات الحكام والأمراء. وشهد القرن السابع الهجري أعظم النكبات التي حلت بالثروة العلمية والتراث الإسلامي الضخم، فقُتل عدد كبير من العلماء، وحُرقت الكتب والمكتبتات، وهاجر كثير من العلماء من بلادهم إلى مكان آخر، يأمنون فيه على دينهم وعلمهم، ويمارسون نشاطهم ودروسهم، ويركنون فيه إلى البحث والتأليف. أضف إلى ذلك الفتن المذهبية التي كانت تعمل عملها في الداخل، فالصراع شديد بين الباطنية وأهل السنة، وبين أهل السنة مع بعضهم البعض، وبين المسلمين وأهل الذمة.[5]
وفي هذا العصر نفسه، ظهرت نهضة علمية كبيرة في الشام ومصر والأندلس، وأقبل كثير من الحكام والأمراء على العلم وتشجيع العلماء وبناء المساجد، والتنافس في بناء المدارس الشهيرة التي كانت بمثابة جامعات، كالمستنصرية التي بنيت في بغداد سنة 631هـ، والكاملية بالقاهرة (621هـ)، والصالحية بمصر (639هـ)، والظاهرية بدمشق (661هـ)، والمنصورية بالقاهرة (679هـ)، وامتاز العهد الأيوبي في مصر والشام بالاهتمام الشديد بالمدارس والعلماء وتدريس الفقه والحديث، وبناء المعاهد لكل ذلك.[5]
ولَمَعَ في هذا القرن عدد من العلماء الذين جمعوا بين مختلف العلوم والفنون في مختلف البلاد، ومنهم: فخر الدين الرازي (المتوفى عام 606هـ) والمبارك بن الأثير الجزري المحدث اللغوي (606هـ) وموفق الدين بن قدامة الحنبلي (620هـ) والتبريزي الأصولي (621هـ) وأبو القاسم الرافعي القزويني الفقيه الشافعي (623هـ) وعز الدين علي بن الأثير الجزري المؤرخ الأديب (630هـ) وسيف الدين الآمدي الأصولي (631هـ) وشهاب الدين عمر السهروردي الواعظ المتصوف، الذي حضر إلى دمشق والتقى العز بن عبد السلام (632هـ) ومحيي الدين بن عربي المتصوف (638هـ) وابن أبي الدم الحموي القاضي الفقيه (642هـ) وابن الصلاح المحدث (643هـ) والحافظ ابن النجار المؤرخ (643هـ) وابن الحاجب الأصولي النحوي الفقيه المالكي (646هـ) ومجد الدين بن تيمية الفقيه (652هـ) والحافظ عبد العظيم المنذري (656هـ) والعز بن عبد السلام (660هـ) وابن مالك النحوي (672هـ) ومحيي الدين يحيى بن شرف النووي المحدث الفقيه (676هـ) وابن خلِّكان المؤرخ (684هـ) والقاضي البيضاوي الأصولي المفسر
اسمه: عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مُهَذَّب، باتفاق العلماء وإجماع المصادر المعتمدة.[6][7][8]
نسبه: السُّلَمي المغربي الدمشقي المصري الشافعي.
فهو "السُّلَمي"؛ نسبة إلى بني سُليم، إحدى القبائل المشهورة من قبائل مضر، ويُنسب إليهم كثيرون.
المغربي؛ أي يعود أصله إلى بلاد المغرب العربي، ولعل أحد أجداده جاء من المغرب وسكن الشام.
الدمشقي؛ نسبة إلى دمشق، لأن العز ولد وترعرع وطلب العلم بها، وتولى فيها المناصب والأعمال المختلفة، وقضى فيها معظم حياته.
المصري؛ نسبة إلى مصر، التي انتقل إليها واستقر بها ومات فيها ودفن، ولذلك يقال عنه: «المغربي أصلاً، الدمشقي مولداً، المصري داراً ووفاةً».[9]
الشافعي؛ نسبة إلى مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي في الفقه الإسلامي، وينسب إليه العز لأنه تفقه على هذا المذهب، ودرّسه وأفتى به، وتولى القضاء للحكم بأحكامه، وصنَّف الكتب الفقهية في المذهب الشافعي، حتى بلغ رتبة الاجتهاد في المذهب.[6]
كنيته: أبو محمد.[10]
ألقابه
من ألقابه "عز الدين"؛ جرياً على عادة ذلك العصر الذي انتشرت فيه الألقاب عامةً للخلفاء والملوك والأمراء والعلماء، والنسبة إلى الدين خاصة، فلُقب بعز الدين، ويختصر بـ"العز" وهي التسمية الشائعة في الاستعمال عند الناس وفي كتب التاريخ والتراجم والفقه. كما اشتهر بلقبه الثاني: "سلطان العلماء"، ويُعرف أيضاً بـ"ابن عبد السلام" إشارة إليه في بعض الأحيان، ولكن يشاركه في هذه التسمية الأخيرة غيره من المالكية خاصة، ومن الشافعية والحنابلة، ولذلك نسبت بعض كتبهم إلى العز بن عبد السلام.[هامش 1] ولقب أيضاً بـ"القاضي"، وهذا وصف له لتوليه منصب القضاء في دمشق والقاهرة، كما لقب أيضاً بـ"قاضي القضاة" لتعيينه مسؤولاً عن القضاء والقضاة في الفسطاط والوجه القبلي.[10]
وأما لقب "سلطان العلماء" فقد لقبه به تلميذه الأول ابن دقيق العيد كما ذكره ابن السبكي فقال: «وهو الذي لَقَّب الشيخ عز الدين سلطانَ العلماء».[7] ووجه هذه التسمية أنه «أكّدَ مكانة العلماء، ورفع ذكرهم في عصره، وجسّد ذلك في مواقفه، في الإنكار على الحكام والسلاطين والأمراء لبعض تصرفاتهم المخالفة، وقارعهم بالحجة والبيان فغلبهم، وكان على رأس العلماء في هذا الموقف الصلب، مما عرّضه لكثير من المتاعب». واشتهر العز بن عبد السلام بهذا اللقب، ونقله معظم الكتاب والمؤلفين والمترجمين له، واتفقوا على استحقاق العز لهذه التسمية، ولكنهم اختلفوا في تعليلها، فذهب بعضهم إلى التعليل السابق، وقال كثيرون: «إنه اشتهر بهذا اللقب لنظراته التجديدية، ونفوره من التقليد، وبلوغه مرتبة الاجتهاد، وخاصة أنه عاش في عصر شاع فيه التقليد، والتزم الناس به، وهمس بعضهم بقفل باب الاجتهاد، وعكفوا على كتب السابقين وآرائهم، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والاستنباط، ومواجهة الظروف المتغيرة والمسائل الجديدة والقضايا المطروحة، فخرج العز عن هذا الطوق بقوله وفعله واجتهاده وتصنيفه».[11]
سيرته
ولد العز بن عبد السلام بدمشق باتفاق المصادر والمراجع التي ترجمت له وعرضت سيرته. أما تاريخ ولادته فحصل فيها اختلاف، فذهب كثيرون إلى تحديد تاريخ ولادته سنة 577هـ، وقال آخرون: إنها سنة 578هـ، وتشكك فريق ثالث بين السنتين، وحاول بعض الباحثين ترجيح الأول، ورجح بعضهم الثاني، وتوقف فريق عن الترجيح لعدم التأكد من ذلك، وعدم توفر النص القاطع أو المرجح في ذلك.[12]
كانت دمشق في زمن العز بن عبد السلام حاضرة العلم والعلماء منذ العصر الأموي، يقطنها العلماء من كافة الفنون، ويجتمع فيها أئمة العلم البارعون، ويقصدها الطلبة من كافة الأصقاع، وكان المسجد الأموي جامعةً للعلوم والطلاب والعلماء.[13] ويظهر من سيرة العز بن عبد السلام أنه عاش في أسرة فقيرة مغمورة، فلا يوجد ذكر صريح لأبيه وأمه، أو أجداده وأعمامه وأخواله، أو أي شيء عن مراحل طفولته، وكل ما تذكره المصادر أنه ابتدأ العلم في سن متأخرة، يقول ابن السبكي عن والده:
«سمعت الشيخ الإمام يقول: «كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيراً جداً، ولم يشتغل إلا على كِبَر (أي في العلم)، وسبب ذلك أنه كان يبيت في الكلّاسة (وهي الزاوية والبناء والمدرسة عند الباب الشمالي للجامع الأموي) من جامع دمشق، فبات بها ليلة ذات برد شديد، فاحتلم، فقام مسرعاً ونزل في بِركة الكلّاسة، فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانياً، فعاد إلى البِركة؛ لأن أبوابَ الجامع مُغلقةٌ، وهو لا يمكنه الخروج، فطلع فأُغمي عليه من شدة البرد»، أنا أشك، هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات أو مرتين فقط، ثم سمع النداء في المرة الأخيرة: «يا ابنَ عبدِ السلام، أتريد العلمَ أم العمل؟» فقال الشيخ عز الدين: «العلم؛ لأنه يهدي إلى العمل»، فأصبح، وأخذ "التنبيه"[هامش 2] فحفظه في مدة يسيرة، وأقبل على العلم، فكان أعلم أهل زمانه، ومن أعبد خلق الله تعالى.[13][14][15]»
وتوجه العز إلى طلب العلم بجد واجتهاد وهمة عالية؛ ليُعَوِّض ما فاته في المدة السابقة من طفولته وصباه، فقصد العلماء وجلس في حلقاتهم، ينهل من علومهم، ويكب على الدراسة والحفظ، والفهم والاستيعاب، حتى حفظ "التنبيه" في فينة قصيرة، واجتاز العلوم بمدة يسيرة، وهو ما تحدث به عن نفسه فقال: «ما احتجتُ في عِلم العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي أقرأ عليه، وما توسطته على شيخ من المشايخ الذين كنتُ أقرأ عليهم إلا وقال لي الشيخ: قد استغنيتَ عني فاشتغل مع نفسك، ولم أقنع بذلك، بل لا أبرحُ حتى أكمل الكتاب الذي أقرؤه في ذلك العلم».[16] وكان يقول: مضت لي ثلاثون سنة لا أنام حتى أُمِرَّ أبوابَ الأحكام على خاطري.
وجمع العز في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية، فدرس التفسير وعلوم القرآن، والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، واللغة والتصوف، والنحو والبلاغة، وعلم الخلاف. ولم يكتف العز بدراسة هذه العلوم، ولكنه تفوق في معرفتها والتأليف فيها، ولذلك قال ابن العماد الحنبلي: «وبرع في الفقه والأصول والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف أقوال الناس ومآخذهم، وبلغ رتبة الاجتهاد».
رحلته إلى بغداد
عدل
قضى العز معظم حياته في دمشق، وكان أكثر تحصيله وطلبه للعلم على علمائها، ولكنه ارتحل عنها ثلاث مرات لأغراض مختلفة، الأولى: رحلته إلى بغداد، والثانية: رحلته إلى مصر، والثالثة: رحلته إلى الحجاز بقصد الحج والعمرة، وكانت هذه الأخيرة في الغالب بعد سنة 644هـ، وكان قد بلغ في العلم غايته، وبعد أن عزل نفسه عن قضاء مصر، وكان الناس يقصدونه هناك بالفتوى والأخذ عنه
أما رحلته إلى بغداد، فقد ذكرت المصادر التي ترجمت له أنه ازداد شغفاً بالعلم وتحصيله، ورحل في ريعان شبابه إلى بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، وموئل العلم والعلماء، ومقصد الطلاب من كافة الأقطار، وعاصمة الثروة العلمية والمكتبات الزاخرة، فقصدها العز سنة 597هـ، وأخذ بعض العلوم والمعارف، وأقام بها أشهراً فقط، فسمع الحديث من أبي حفص بن طَبَرْزد، وحنبل بن عبد الله الرصافي. قال ابن رافع السلامي: «وسمعت بعض المحدثين يقول: إنه دخل بغداد في طلب العلم، فوافق يومَ دخوله موتُ الحافظ أبي الفرج بن الجوزي... وكان ذلك في سنة 597هـ». وبعد أن نال العز مبتغاه وحصّل مقصده في بغداد، عاد إلى دمشق
وفاته
توفي العز بن عبد السلام في جُمادى الأولى سنة 660هـ (1262م) باتفاق المؤرخين وعلماء التراجم، وقد بلغ ثلاثاً وثمانين سنة من العمر. ولكن علماء التراجم والتاريخ اختلفوا في يوم وفاته، فنقل ابن السبكي عن عبد اللطيف بن العز أن «وفاة الشيخ في تاسع جمادى الأولى، في سنة ستين وستمائة»،[37] وقال ابن السبكي بعد ذلك: «توفي في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة بالقاهرة».[40] وشك أبو شامة المقدسي قائلاً: «إن وفاته كانت يوم الأحد عاشر جمادى الأولى أو الحادي عشر»
شيوخه
تلقى العز بن عبد السلام العلم على جلة علماء دمشق وبغداد والقاهرة، وقد ذكر ابن السبكي أهم شيوخ العز وأشهرهم وبين اختصاصهم، فقال: «تفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر، وقرأ الأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي وغيره، وسمع الحديث من الحافظ أبي محمد القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر، وشيخ الشيوخ عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد البغدادي، وعمر بن محمد بن طَبَرْزَد، وحنبل بن عبد اللطيف الرصافي، والقاضي عبد الصمد بن محمد الحرستاني، وغيرهم، وحضر على بَرَكات بن إبراهيم الخُشُوعي».
تلاميذه
تفرّغ العز بن عبد السلام للتعليم وإلقاء الدروس في المدارس والمساجد والبيوت حتى وفاته، واجتمعت في حلقاته ودروسه الجموعُ الغفيرة من أهالي دمشق والقاهرة، ولما اشتهر وذاع صيته قصده الطلبة من أصقاع العالم الإسلامي، لذلك قال ابن كثير: «وأفاد الطلبة، ودرّس بعدة مدارس... وانتهت إليه رئاسة الشافعية، وقُصد بالفتاوى من الآفاق»، وقال ابن العماد الحنبلي: «وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد»، وقال الكتبي: «ودرّس وصنّف وأفتى وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من البلاد، وتخرّج به أئمة، وله الفتاوى السديدة». أما أشهر تلاميذه فمنهم:
إبراهيم بن العز بن عبد السلام.
عبد اللطيف بن العز بن عبد السلام.
ابن دقيق العيد.
تاج الدين بن بنت الأعز.
أبو شامة المقدسي.
عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري، المعروف بالفركاح.
شهاب الدين القرافي.
عبد الوهاب بن الحسين بن عبد الوهاب المهلّبي البَهْنسي
مؤلفاته
ترك العز بن عبد السلام العديد من الكتب والمصنفات والرسائل، إلا أن هذا الإنتاج لا يتناسب مع مكانة العز وعلمه وتحصيله، ولذلك قال فيه اليافعي اليمني: «وهو من الذين قيل فيهم: علمهم أكثر من تصانيفهم، لا من الذين عبارتهم دون درايتهم، ومرتبته مع السابقين من الرعيل الأول» والسبب في ذلك هو أن العز كان مشغولاً بالمناصب الرسمية وأعمال الأمة ومتاعب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
التفسير وعلوم القرآن
تفسير العز بن عبد السلام: وهو مختصر تفسير "النكت والعيون للماوردي".
الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، ويختصر أحياناً باسم مجاز القرآن. واختصره ابن النقيب في مقدمة تفسيره وهو المطبوع خطأ بعنوان « الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان » منسوباً لابن قيم الجوزية. قال د. زكريا سعيد علي: "ما نُشِر تحت عنوان "الفوائد المُشَوِّق"، أو "كنوز العرفان" منسوباً إلى الإمام ابن قيم الجوزية - هو في حقيقتِه مقدمة الشيخ ابن النقيب في علوم البلاغة، التي جعلها أمام تفسيره الكبير للقرآن الكريم"،
كما لخص السيوطي كتاب العز مع زيادات عليه، وسماه "مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن"، ويعتبر كتاب العز هذا، مع كتابه "قواعد الأحكام" أهم كتبه على الإطلاق.
أمالي عز الدين بن عبد السلام، وهي تشمل: الأمالي في تفسير بعض آيات القرآن الكريم، والأمالي في شرح بعض الأحاديث المنتقاة، والأمالي في مناقشة بعض المسائل الفقهية، وهذه الأمالي كان العز يلقيها في دروس تفسير القرآن الكريم.
الحديث والسيرة والأخبار
عدل
شرح حديث: «لا ضرر ولا ضرار».
شرح حديث "أم زَرْع" الذي روته عائشة.
مختصر صحيح مسلم.
بداية السول في تفضيل الرسول: ساق فيه العز اثنين وثلاثين وجهاً لتفضيل النبي محمد، «وهي تعداد الخصائص التي خصه الله بها».
قصة وفاة النبي ﷺ.
ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام: وفيها بيان فضل الشام والترغيب بالسكن فيها.
مجلس ذم الحشيشية.
الإيمان والعقيدة وعلم التوحيد
عدل
كان العز بن عبد السلام يعتقد بعقيدة الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، وكان من المدافعين عنها الواقفين في وجه الفرق المخالفة لها، وقد خصص بعض الرسائل في بيان الإيمان والعقيدة، منها:
رسالة في علم التوحيد.
الملحة في اعتقاد أهل الحق، وتسمى أيضاً: "رسالة في العقيدة" أو "الاعتقاد". وقد كتبها للرد على الحنابلة الذين شنعوا على الإمام أبو الحسن الأشعري في صفات الله تعالى عامة وصفة الكلام خاصة، وهي التي رفعها الحنابلة للملك الأشرف وأدت إلى المحنة المعروفة التي وقعت به. وقد قدم العز فيها الحجج والأدلة والبراهين عليها، واقتصر على الأدلة النقلية من الكتاب والسنة، وترك الاحتجاج بالمعقول «كميناً عند الحاجة إليه» على حد تعبيره.
الفرق بين الإسلام والإيمان: وهي جواب لسؤال، لذلك ورد بعضها في "الفتاوى الموصلية" وتكلم العز فيها عن زيادة الإيمان ونقصه، وهو رأي جمهور أهل السنة والجماعة.
نبذة مفيدة في الرد على القائل بخلق القرآن.
وصية الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى ربه الملك العلام: وهي رسالة صغيرة في العقيدة.
أحوال الناس يوم القيامة وذكر الخاسرين والرابحين منهم: وهي رسالة من ستين صفحة في العقيدة والزهد وفضائل الأعمال والتربية.
الفقه والفتاوى
الغاية في اختصار النهاية: وهو كتاب كبير يقع في خمس مجلدات كبيرة، اختصر فيه أشهر كتب الفقه الشافعي المسمى "المذهب" وعنوانه "نهاية المطلب في دراية المذهب" لإمام الحرمين الجويني الذي يقع في 27 مجلداً، وقام إمام الحرمين نفسه باختصار كتابه باسم "المعتصر"، وجاء العز فاختصر المختصر.
الجمع بين الحاوي والنهاية: ولعله لم يُكمل، وهو كتاب يجمع بين كتابين يوصفان بأنهما أعظم كتابين في الفقه الشافعي، الأول: "الحاوي أو الحاوي الكبير" لأبي الحسن الماوردي، ويقع في أربع وعشرين مجلداً، والثاني: "نهاية المطلب في دراية المذهب" لإمام الحرمين الجويني، وهما أهم كتب الفقه الشافعي وأكثرهما توسعاً في المذهب.
أحكام الجهاد وفضائله: وهو رسالة في الجهاد وأحكامه وفضائله.
مقاصد الصلاة: وهي رسالة صغيرة عن «فضل الصلاة، وبيان شرفها، وأنها
أفضل العبادات بعد الإيمان بالله تعالى».
مقاصد الصوم: وهي رسالة صغيرة تتضمن فضل الصوم وفوائده الدنيوية والأخروية، وبعض أحكامه.
مناسك الحج: وهي رسالة صغيرة تحدّث فيها عن الحج والعمرة وبعض أعمال الحج.
صلاة الرغائب: وهي رسالة صغيرة تتألف من قسمين: الأول: الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة، للرد على من يدعي مشروعيتها، فرد ابن الصلاح بجوازها ومشروعيتها، فصنف العز القسم الثاني: رسالة في تفنيد رد ابن الصلاح.
الفتاوى الموصلية: ويقال عنها: "فتاوى العز بن عبد السلام"، وهي أجوبة عن تسعين سؤالاً وجهت إليه من خطيب الموصل شمس الدين عبد الرحيم الطوسي سنة 654هـ بالقاهرة، فقيل "الموصلية" أو "الأسئلة الموصلية" أو "المسائل الموصلية"، وتشمل مختلف أبواب الفقه، وبعض الأسئلة في علم الكلام والتفسير وموضوعات أخرى.
الفتاوى المصرية: وهي فتاوى مكونة من أجوبة في الفقه والأصول والتفسير والعقيدة سُئل عنها العز بمصر، وهي مجموع مشتمل على فنون من المسائل والفوائد، جمعها أحد تلامذته ودَوَّنها حسب ترتيب الأبواب الفقهية.
أصول الفقه
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أو القواعد الكبرى، ويوصف هذا الكتاب مع كتاب "الإشارة إلى الإيجاز" بأنهما أعظم كتب العز، «وهما شاهدان على إمامة العز وعظيم منزلته في علوم الشريعة».
القواعد الصغرى: وهو مختصر الكتاب السابق، اختصر فيه العز كتابه بحذف الفروع الفقهية والاستطرادات والتعليقات.
الإمام في بيان أدلة الأحكام: ويذكر أيضاً بعنوان "الدلائل المتعلقة بالملائكة والنبيين عليهم السلام والخلق أجمعين" وظنه بعضهم كتابين للعز، كما ظن آخرون أن الكتاب في العقيدة بسبب العنوان الثاني،
وهما عنوانان لكتاب واحد.
شرح "منتهى السؤال والأمل في عِلْمي الأصول والجدل" لابن الحاجب.
الزهد والتصوف والتربية والأخلاق وفضائل الأعمال
شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال: قال السبكي: «حسن جداً»،
وحدد العز معالم هذه الشجرة، فأصلها "معرفة الذات" الإلهية، وفرعها "معرفة الصفات" وثمرتها هي "التخلق بآداب القرآن" و"التخلق بصفات الرحمن" التي تحقق "جميع الخيرات العاجلة والآجلة.
مقاصد الرعاية لحقوق الله: مختصر رعاية المُحاسبي
مسائل الطريقة في علم الحقيقة: واشتهرت بالستين مسألة؛ لأنها تتضمن ستين سؤالاً في الأخلاق والتصوف والإيمان.
رسالة في القطب والأبدال الأربعين: «بيّن فيها بطلان قول الناس فيهم وعدم وجودهم كما زعموا».
الفتن والبلايا والمحن والرزايا أو فوائد البلوى والمِحَن: وهي رسالة صغيرة فيها الفوائد والثواب والأجر الذي يناله المسلم من ابتلائه بالفتن والمحن والرزايا والمصائب، ذكر العز فيها سبع عشرة فائدة
نهاية الرغبة في أدب الصحبة.
تفسير القرآن - عزالدين عبدالعزيز عبد السلام الدمشقي الشافعي -ثلاث اجزاء . ...
556
1415
عبدالله ابراهيم عبدالله الوهيبي
---