أبو إسلام صالح بن طه بن عبد الواحد،
وُلِدَ بعزبة الزعفران التابعة لقرية الشين مركز قطور محافظة الغربية، يوم الثلاثاء الخامس من جمادى الأولى 1372هـ الموافق 27/1/1953م،
درس بمدرسة الشين الابتدائية، ثم الإعدادية، ثم التحق بمدرسة الرافعي الثانوية بطنطا، فلما حصل على الثانوية دخل كلية الزراعة بكفر الشيخ، وتخصص في استصلاح الأراضي، ولكن الله تعالى أراد له أن يعمل في استصلاح القلوب، كما سيرد في ذكر مؤلفاته: كيف تصلح قلبك؟!
فلما تخرج من الجامعة عام 1977م التحق بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، ثم أنهاها في 31/12/1978م، فعمل مدرسا بالتربية والتعليم الفصل الثاني من العام الدراسي، وفي صيف ذلك العام سافر إلى الأردن، فعمل مدرسا للرياضيات بمدرسة الفيصلية الإعدادية شرقي سحاب، فقضى بها عاما ثم نزل إلى مصر فتزوج، وأكرمه الله تعالى بزوجة نحسبها ولا نزكيها على الله، ثم عاد بها إلى الأردن، فحبَّب الله إليه العلوم الشرعية، فبدأ بحفظ القرآن الكريم حتى أتمه، واجتهد في طلب العلوم حتى نال منها قسطا وافرا، وفي عام 1983م انتقل من الفيصلية إلى سحاب، وابتدأ في صعود المنابر، فكان ينتقل من قرية إلى أخرى لإلقاء خطبة الجمعة، وفي سحاب اتصل بكل من الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ محمد نسيب الرفاعي، والشيخ محمد إبراهيم شقرة، رحمهم الله جميعا، حتى هيأ الله له مسجد عبد الله بن عمر في سحاب، فولي الإمامة والخطابة فيه حتى عام 1985م، ثم وسع الله عليه فانتقل من سحاب إلى مسجد إبراهيم الحاج حسن بضاحية إبراهيم الحاج حسن بعمَّان، فولي الإمامة والخطابة والتدريس به، ووضع الله له القبول، حتى صار يُقصد من كل مكان، لسماع خطبه ودروسه، وقصده طلاب العلم من كل مكان، وأخذ يتنقل في مساجد عمان لإلقاء الدروس والمحاضرات، وقوَّى صلته بالشيخ الألباني حتى صار من أحب طلابه إليه، وكان الشيخ يشهد عنده الجمعة، ودُعِي لإلقاء الدروس والخطب في كلٍّ من الإمارات والبحرين والكويت، وسافر إلى كندا.
وفي عام 1988م ترك التدريس وتفرغ للمسجد.
ومن فضل الله عليه أن متعه بالصحة والعافية طوال عمره حتى بلَّغ رسالة ربه التي اصطفاه لها، حتى ابتلي في عام 2013م بسرطان في البروتوستاتا فعولج منه، ثم انتقل المرض إلى الكبد فأخذ في العلاج منه، ولم يقعده ذلك عن وظيفته ومهمته، فلم يترك الخطبة ولا الدروس، وفي النصف الأول من شعبان الماضي سافر للعمرة والتقيت به، وأقمنا معًا أسبوعا في الحرم المكي، وأوصاني بالصلاة عليه، ورجع إلى مسجده فقام رمضان إماما، وختم القرآن في القيام، وبعد عيد الفطر اشتد عليه المرض ومع ذلك استمر في أداء مهمته وتبليغ رسالة ربه، ولما حضر موسم الحج سافر للحج برفقة ابنه أحمد صالح، وكان يتنقل على الكرسي، فلما رجعَ رجعَ مرهقا متعبا منهكا، فدخل مستشفى الأردن بعمان فمكث أسبوعا ثم خرج، فلم يمكث بالبيت سوى يوم أو يومين حتى عاد إلى المستشفى، فاتصل بي أبناؤه فأخبروني فطرت إليهم، ومن المطار مباشرة إلى مسشفى الأردن، فدخلت عليه وأرجو أن أكون قد أدخلت السرور على قلبه بدخولي عليه، وكان قد دخل في شبه غيبوبة، وثقل لسانه، فأقمنا معه أسبوعا نلاطفه أحيانا ويرد علينا، وكان إذا أفاق أذَّن وأقام وصلى، وكان يرفع السبابة في التشهد يحركها يدعو بها كما كان يصلي في صحته، وبعد أسبوع وقبل الفجر طلب من مرافقيه من أبنائه أن يتصلوا بنا وأن يطلبوا حضور أهله وأولاده جميعا وأنا معهم، فصلينا الفجر وطرنا إليه، فلما دخلنا عليه طلب أن نقعده، وأخذ يوصينا جميعا بتقوى الله، وأنا أستمع وأكظم حزني، وأكفكف دمعي إظهارا للتماسك أمام الأولاد، حتى غلبتني عيني فسالت دموعي، فخرجت من عنده، وكان هذا آخر عهده بالكلام، فلم يتكلم بعد ذلك، ومضت الأيام وحاله يتغير يوما بعد يوم، حتى إذا كان يوم الثلاثاء 13/محرم/1439هـ الموافق 3/10/2017م أصبح في حالة حرجة، ونقصت دقات قلبه، إلى قبيل الغروب ظهرت عليه علامات الموت، وهرول إليه الطبيب ومساعدوه، وحاول أن يصنع شيئا ولكن نفذ قضاء الله، فقال لنا بحزن بادٍ عليه: توقف القلب!! وذلك عند النداء لصلاة المغرب، فقلنا ما أمرنا الله به: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرا منها، اللهم اغفر لأبي إسلام، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه. وتذكرت عندئذ قول الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}، وأرجو أن يكون أخي أبو إسلام من السابقين المقربين، وأن يكون من الشهداء، كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: « الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ ، وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ » . وأسأل الله تعالى أن يجمعني به في الفردوس الأعلى:{ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}.
ورجعنا به إلى البيت، وفي الصباح تمَّ تجهيزه، وبعد صلاة الظهر صليت عليه تنفيذًا لوصيته بعد استئذان إخواننا العلماء الحاضرين، وخرجت الجنازة من مسجده بضاحية الحاج حسن محمولا على الأعناق في مشهد رهيب، وزحام شديد، ذكَّرنا بقول الإمام أحمد-رحمه الله-: بيننا وبينكم يوم الجنائز.ودُفِنَ-رحمه الله- بمقبرة أم الحيران بوسط عمان بالقرب من مسجده.
وهكذا رحل عنا أخي أبو إسلام، وسكت صوته، وجف قلمه الذي سطَّر به كل ما خطب به، وجمعه في كتب انتشرت بين الخطباء خاصة وطلاب العلم عامة، وهي:
1-العقيدة أوَّلاً.
2- أحسن البيان.
3-سبل السلام.
4-الصحابة.
5-تبصرة الأنام.
6-حياة السعداء.
7-الفرقان من قصص القرآن.
8-البيان.
9-البرهان.
10-ثمرات السيرة النبوية.
11-البشارات النبوية.
12-المبشرون بالجنة.
13-المبشرون بالنار.
14-السبيل في فقه الدعوة.
15-وسائل الثبات على الدين.
16-محبة علي بن أبي طالب بين الغلو والجفاء.
17-صيحة نذير.
18-الحصن الحصين.
19-مداخل الشيطان.
20-وبشر الصابرين.
21-هدية النبي الرحيم لمرضى المسلمين.
22-كيف تصلح قلبك.
23-كيف تصلح لسانك.
وبهذه الكتب وما حوته من علم قائمٍ على : قال الله، قال رسوله، قال الصحابة، يستمر عمل أخي أبي إسلام، كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ». وقد تفضل الله على أخي أبي إسلام بهذه الثلاثة، فهذا هو علمه، وقد وُفِّقَ لصدقة جارية، ورزقه الله ذرية طيبة صالحة من البنين والبنات، كلهم أخذ من القرآن، وأكثرهم ختمه وجوَّده، فاللهم انفعه بما قدَّم وأخَّر، واجعله له عندك ذخرا، وألحقه بالصالحين
الدار الأثرية, مكتبة دار الإمام الذهبي للنشر والتوزيع, مكتبة الغرباء
609
1429هجري
---
---