من المعروف أن العلم لا يؤخذ بالتمني، بل يؤخذ بمجالسة العلماء والفقهاء ومغالبة الرجال والمجتهدين، بل وقطع الفيافي والبوادي من أجل التعلم والتحصيل، كما تؤخذ، بالمقابل، الدنيا غلابا.
وهو الأمر الذي دفع بالشيخ الحاج لخضر الدهمة للسفر إلى جامع الزيتونة بتونس في شهر أكتوبر سنة 1946م لاستكمال دراسته إلى غاية سنة 1950 م وفق البرنامج المعد من طرف المرحوم الشيخ الطاهـر بن عاشـور.
بعد عودة الشيخ من تونس، انطلق في مجال التربية والتعليم والإصلاح بمدرسة حرة في عين بسام إلى غاية سنة 1957، وبعد إغلاق السلطة الفرنسية للمدرسة نهائيا وإشعار بعض الإخوة له بأن اسمه موجود على قائمة الذين سيلقى عليهم القبض يوم كذا، فـر إلى مدينة غرداية لمواصلة رسالته التربوية والإصلاحية بمدرسة العرفان التابعة لمسجد حمزة مع بعض الزملاء في ظروف صعبة جدا نجمت عن مضايقات وتصرفات السلطة الأجنبية التي استمرت في ذلك إلى غاية إيقاف النار.
بعد الاستقلال، التحق الشيخ بالمدرسة الرسمية، إلى جانب قيامه بمهام ثقافية واجتماعية وسياسية في حزب جبهة التحرير وإدارية كعضو بالهيئة التنفيذية وعضو في بلدية غرداية، إضافة إلى عضويته في مجلس القضاء إلى سنة 1976،ثم انتقل إلى مسقط رأسه بلدة متليلي، حيث تولى مهام الاستشارة التربوية تارة والتفتيش تارة أخرى، إضافة إلى إدارة مدرسة.
ملاحظــة: تقاعـــد الشيخ في مفتتح سنة 1984 م.
بعد ذلك كلف الشيخ من طرف وزارة الشؤون الدينية بالتفتيش في ولاية غرداية، بعد سنتين، طلب الإعفاء من ذلك لأسباب صحية.
وما زال الشيخ يصدح بالدروس، ويواصل عمارة بيوت الله في مدينتي متليلي وغرداية بالتوجيه والإرشاد وتفسير القرآن الكريم.
قال تعالى : ” إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور” الآية 28 من سورةفاطر.
وبهذا فقـد كان من أحب الخلق إلى الشيخ طلبة العلم، حيث كان يدغـدغ آذانهم بمقتطفات علمية ولغوية أثناء انكبابه في دروس العلم بمساجد الجمع.
كما أن الشيخ اهتم بالفئة النسوية، حيث خصص لهن حلقة لتعليم البنات ومحو الأمية ودراسة القرآن الكريم والفقه الإسلامي.
أنشأ الشيخ لخضر الدهمة مكتبة ملاصقة لمسكنه بالحي الإداري(بعقد ملكية منفصل)، ضمت العديد من العناوين شملتها المئات من الكتب في مختلف الفنون، يجوبها الطلبة الجامعيون والباحثون والباحثات، إضافة إلى الندوات مع الأئمة والأساتذة.
كبقية العلماء العاملين، فقد اهتم الشيخ لخضر الدهمة بتأليف القلوب دون تأليف الكتب، غير أنه تحت إلحاح طلبته ومريديه، حيث يقول:
(( وكنت – قبلا- أكتفي بمذكرات وجيزة أدون عليها العناصر الرئيسية في الموضوع لأتوسع فيها عند الإلقاء، ولكن بعض الأساتذة من أبنائي الروحيين ألحوا علي في تلخيص هذه الدروس على قراطيس لتكون تفسيرا يانعا ميسرا يساعد القارئ على التصور الصحيح الواضح لمعاني الآيات، فأجبتهم إلى ذلك ))[3].
ثم يستطرد قائلا: (( وقد أحمدت هذا الإقتراح الذي حول عملي إلى صدقة جارية إن شاء الله سوف تنتفع بها الأجيال اللاحقة، كما ينتفع بها الجيل الحاضر، فجزى الله أصحابه عني وعن كل مستفيد أحسن الجزاء إنه سميع مجيب ))
– قطوف دانية من آيات قرآنية.
– أضواء على سورة الحجرات.
– إرشاد الضمآن إلى معاني قلب القرآن.
– دروس وعبر من سورة الحشر.
انتهج الشيخ في تفسيره للآيات المحكمات من القرآن الكريم منهج أصحاب النظر الثاقب، حيث يقول عن ذلك:
(( ومنهجي في التفسير أن أتلو الآيات التي أقصد إليها تلاوة متأنية، أحاول بها اقتناص المعاني القريبة التناول، وتحديد الآيات التي تستوجب الإستعانة ببعض كبار المفسرين ومحققيهم وعند اختلافهم أقارن بين أقوالهم محكما النقل الصحيح، والعقل الحصيف، والذوق السليم، فأستمسك بما يشهد له هذا التحكيم، وأرفض ما سواه، ثم أرتب المعاني وفق ما أراه حريا بولوجها إلى أذهان المستمعين أو القراء في يسر وانسجام، ثم أتوكل على الله في تسجيلها وإلقائها ونجاحها، مراعيا في الإلقاء تباين المستويات بحيث لا ينزعج المثقف بضياع وقته ولا الأمي بعسر فهمه ))
وخلاصة ما استنتجناه من تتبع سيرة الشيخ الحاج ” لخضر الدهمة ” أنه كان شيخا متمكنا فيما يقوله، ويعرف أشد المعرفة من أين تؤكل الشاة، فهو يتوجه إلى طلبة العلم حينا لينزل منزلتهم، ويستدرج العامة إلى ميدان المعرفة حينا آخر.
أرجو من أبنائنا طلبة العلم انتهاج منهج شيوخنا في تبليغ رسالة العلم والمعرفة بحكمة وإتقان واقـتدار، فالكلمة الصادقة الصادرة من قلب طيب لا تكون نتيجتها إلا النجاج وبلوغ شغاف القلوب.
حفظ الله شيخنا وأطال في عمره خدمة للبلاد والعباد.