القائمة الرئيسية

الأفوه الأودي

الأفوه الأودي
  • الدولة اليمن

الأفوه بن عمرو بن مالك الأودي المذحجي (176 ق هـ - 450م / 68 ق هـ - نحو555م): شاعر، ويعد من أشهر حكماء العرب. وكان من سادات العرب وفرسانها في الجاهلية، قال محمد بن السائب الكلبي: «كان الأفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية ، وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدرون عن رأيه». لقب بالأفوه لأنه كان مفوهًا مجيدًا، قال ابن جني: «رجل مفوه إذا أجاد القول؛ لأنه يخرج من فيه، ومنه الأفوه الأودي».وكان من أهل سرو مذحج، وانتهت إليه إمرة مذحج كلها. وقد جعله جرجي زيدان على رأس الأمراء الشعراء. شهد الأفوه يوم رَوْضَةُ السُّلّانِ وكانت لهم الغلبة على بني نزار، وفي حربها قُتل ربيعة بن الحارث التغلبي. وكان يوم سلان سببه أن ربيعة والشماليون كانوا يدينون بالولاء لملوك اليمن، ثم تمّردوا نتيجة الظلم، فأرسلت السلطة الجنوبية حملات لتأديب الثائرين والمتمردين، وامتدت تلك الحملات بين عامي (488م - 491م). وفي عام 492م، حشد عرب الشمال قبائلهم في مواجهة الظلم، فقدم سلمة بن الحارث الكندي في جيوشٍ من قبائل كندة ومذحج بغرض التأديب، وكان الأفوه الأودي مُؤمّرًا على مذحج. والتقى الطرفان في جبل خزاز، وقاتلت القبائل النزاية قتال المظلوم، فأنتصروا. وأصيب الأفوه بجراحات، وله فيها قصيدتين. قال أبو زياد الكلابي: «يوم خزاز أعظم يوم التقت فيه العرب في الجاهلية وأنه أول يوم استنصفت فيه نزار من اليمن». أكثر قصائد الأفوه في الفخر والحماسة، وكانت العرب تعده في شعراء الحكمة، وحكمه في معظمها وعظية، يغلب عليها التقرير وإن كان بعضها صادراً عن معاناة وانفعال عنيفين، يبدو فيها الألم لما حلّ بقومه من التنابذ والفرقة، فتراه يدعوهم إلى الوحدة كما يدعوهم إلى العلم والأخلاق ويبين لهم نتائج الفوضى وسيادة الجهل وضياع الرأي الحكيم.

سيرته وحياته

النسب

  • الأفوه هو: صلاءة بن عمرو بن مالك بن عوف بن الأفكل بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبه بن أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج.[14]

النشأة

جانب من من محافظة البيضاء حيث نشأ الأفوه الأودي.

نشأ الأفوة في بيت سيادة ورئاسة بمنطقة سرو مذحج باليمن، وقد ذكر الهمداني بلدة الأفوة قائلاً:« وادي نعوة لبني منبه وهم إخوة بني كتيف وبني قيس من بني أود وهم رهط الأفوه الأودي»، وما يزال وادي نعوة يحتفظ باسمه حتى اليوم في مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء.[15] وجد الشاعر الثالث هو الأفكل واسمه معاوية بن عوف بن الحارث رئيس مذحج في زمنه، وفي ذلك قال ابن الكلبي:«معاوية وهو الأفكل، قد رأس».[14]وأبوه هو عمرو بن مالك، فارس الشوهاء. والشوهاء اسم فرسه، وتوصف كل فرس بأنها شوهاء إذا كانت طويلة رائعة.[16] وقد كان والد الأفوه قائدا في قبائل مذحج، فقال الأفوه يذكر أيام أبيه:

أَبِي فَارِسُ الشَّوْهَاءِ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ غَداةَ الوَغى إِذ مالَ بِالجَدَّ عاثِرُ
غَداةَ أَقامَ الناسُ في حَجرَتَيهِم ضِراباً كَما ذيدَ الخِماسُ البَواكرُ
بِضَربٍ يُطيرُ الهامَ عَن سَكِناتِهِ وَإِصرادِ طَعنٍ وَالقَنا مُتَشاجِرُ
فَما غَمَرَتهُ الحَربُ إذ شَمَّرَت لَهُ وَلا خارَ إِذ جُرَّت عَلَيهِ الجَرائِرُ
وَقَومي إِذا كَحلٌ عَلى الناسِ صَرَّحَت وَلاذَ بِأَذراءِ البُيوتِ الأَباعِرُ
وَكانَ اِتِّياماً كُلُّ حَرفٍ غَزيرَةٍ أَهانوا لَها الأَموالَ وَالعِرضُ وافِرُ
هُمُ صَبَّحوا أَهلَ الطِفافِ وَسِربَةٍ بِشُعثٍ عَلَيها المُصلِتونَ المَغاوِرُ
كَأَنَّ الجِيادَ الشُعثَ تَحتَ رِحالِهِ مسَمامٌ دَعاها لِلمَزاحِفِ ناجِرُ

رئاسته

اليمن وممالك حمير.

في زمن الملك معديكرب ينعم ابن شرحبيل انعقدت رئاسة وقيادة قبائل مذحج للأفوه الأودي، وقد جاء في كتاب الأغاني عن ابن الكلبي«كان الأفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية ، وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدرون عن رأيه».[4] وقد ورث الرئاسة الأفوه عن أجداده وأبيه فارس الشوهاء. وجاء في إحدى الروايات: «كان التبع بن ذي الأذعار أمره على أود وجميع مذحج»،[17] وبالرغم من أن زمن تبع بن ذي الأذعار أقدم من الأفوه بعدة قرون إلا أن ذلك يدل على أن رئاسة وتأمير الأفوه كانت من أحد الملوك التبابعة - ربما من سلالة ذي الأذعار - في زمن حملات الأفوه ما بين العقد الثامن والتاسع من القرن الخامس الميلادي.[10] ولم يكن الأفوه رئيسا قائد لبني أود فقط وإنما جميع مذحج، ومما يشير إلى ذلك قول الأفوه:

وَسَعدٌ لَو دَعَوتَهُمُ لَثابوا إِلَيَّ حَفيفَ غابِ نَوىً بِأُسدِ

وسعد: هم قبائل سعد العشيرة بن مذحج، وهم: أود، وزبيد، وأوس الله، وجعفى بن سعد بن مذحج، وحكم بن سعد بن مذحج، خمس قبائل أو بطون مذحجية كبيرة. وكذلك كانت رئاسته أو قيادته الحربية بالذات تشمل بقية قبائل مذحج وهي قبائل ويطون عنس بن مذحج، وعلة بن جلد بن مذحج، ومراد بن مذحج. وفي ذلك قال الأفوه:

إِنّي ذُؤابَةُ مَذحَجٍ وَسَنامُها وَأَنا الكَريمُ ذُرى القَديمَةِ كُرِّرا

حملات الأفوه العسكرية[عدل]

لقد كان الأفوه الأودي قائد فرسان رجالات مذحج في الحملات الحربية التي توجهها الدولة لترسيخ سيادتها أو نفوذها أو لتأمين المراكز والطرق التجارية في مناطق وقبائل العروض ونجد وبعض جهات اليمامة والحجاز إذا استلزم الأمر ذلك، حيث قاد الأفوه الأودي زهاء عشرين حملة حربية خلال فترة رئاسته وقيادته التي ربما دامت زهاء أربعين سنة، وقد ذكر الأفوه تلك الحملات في أشعاره. وفي ذلك قال ابن إسحاق:«وكان الأفوه يروم الرئاسة والغزو بقومه لقبائل نزار».[18] وقال ابن الكلبي«كان الأفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية ، وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدرون عن رأيه».[4]وقال أبو محمد الهمداني:«وكان - الأفوه - أحد فحول الشعراء في الجاهلية، وكان رئيسًا شهد خزاز والسلان والسد».[7]

يوم روضة السلان

روضة السلان بإزاء جبل خزاز حيث كانت الوقعة.

وفي سنة 488م، شهد الأفوه الحملة التأديبية لعرب ربيعة لعدم دفعهم الإتاوة للسلطة الجنوبية، وقد امتنعت ربيعة في موضع يقال له سلان بإزاء خزاز، وهو اليوم في نطاق محافظة الرس.[19] وحصل أن امتنعت القبائل من دفع الإتاوة المفروضة عليهم بسبب ضيق اصابهم من جراء جدب.

واجتمعت قبائل معد وقلدت أمرها لربيعة بن الحارث، فجمع الأخير الناس وتهيا للقتال في موضع السلان، فأقبلت كندة ومذحج لبلاد ربيعة، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا انهزمت فيه معد، وقتل فيه ربيعة أبو كليب بن ربيعة، وأرسل الأسرى إلى اليمن.[7] وقد قال الأفوه فاخرًا يستعرض انتصارته في ذاك اليوم:[20]

وَبِرَوضَةِ السُلّانِ مِنّا مَشهَدٌ وَالخَيلُ شاحِيَةٌ وَقد عَظُمَ الثُبى
تَحمي الجَماجِمَ وَالأَكُفَّ سُيوفُنا وَرِماحُنا بِالطَعنِ تَنتَظِمُ الكُلى
في مَوقِفٍ ذَرِبِ الشَبا وَكَأَنَّما فيهِ الرِجالُ عَلى الأَطائِمِ وَاللَظى
وَكَأَنَّما أَسَلاتُهُم مَهنوأَةٌ بِالمُهلِ مِن نَدَبِ الكَلومِ إِذا جَرى
عافوا الإِتاوَةَ وَاِستَقَت أَسلافُهُم حَتّى اِرتَوَوا عَلَلاً بِأَذنِبَةِ الرَدى

يوم خزاز

جبل خزاز حيث وقعة المعركة

سمي هذا اليوم بهذا الاسم نسبة إلى جبل خزاز الواقع في نجد، وهو اليوم في نطاق محافظة الرس. وكان يسكن السلان وخزاز قبائل بكر بن وائل وتغلب الربيعية النزارية، وسبب هذا اليوم أن ملك اليمن كان عنده أسرى من مضر وربيعة، أسروا يوم السلان. فوفد عليه وفد من وجوه بني معد يطلبون العفو وإطلاق الأسرى، فاحتبس الملك عنده بعض الوفد كرهائن، وقال للباقين ائتوني برؤساء قومكم لآخذ عليهم المواثيق بالطاعة لي وإلا قتلت أصحابكم، فرجهوا إلى قومهم وأخبروهم بالأمر، وهنا ابدت معد رغبتها بالاجتماع على كليب بن ربيعة والتخلص من تسلط اليمن عليها.[10] فسار الحارث بن عمرو الكندي ملك مملكة كندة في جيش عظيم إلى نجد، ومعه الأفوه الأودي على مذحج مُؤمّرًا من ملك اليمن.[11] والتقى الطرفان في خزاز، فاقتتلوا قتالا شديدًا ضاريا على مدى أيام كانت الدائرة فيها على اليمن.[21] وعاد الأفوة إلى بلده جريحا، وفي ذلك قال ابن إسحاق«ولما رجع الأفوه ابن صلاءة الأودي إلى ابنته، فقالت: أين إخواني؟ قال: قتلوا جميعا. قالت: فأين الملوك؟ قال: قتلوا. قالت: فأين الأقيال من حمير؟ قال: أسارى في كليب. قالت: فأين حقك؟ قال: هذه الجراحات»،[18] وأنشد يقول:

لَمّا رَأَت بُشرى تَغَيَّر لَونُها مِن بَعدِ بَهجَتِهِ فَأَقبَلَ أَحمَرا
أَلوَت بِإِصبَعِها وَقالَت إِنَّما يَكفيكَ مِمّا قَد أَرى ما قُدِّرا
إِنّي ذُؤابَةُ مَذحَجٍ وَسَنامُها وَأَنا الكَريمُ ذُرى القَديمَةِ كُرِّرا
قولي لِمَذحِجَ عاوِدوا لِذُحولِكُم لَولا يُجيبوا دَعوَتي حَلبُ الصَرى
كانَ الفَخارُ يَمانِيّاً مُتَقَحطِناً وَأَراهُ أَصبَح شامِيّاً مُتَنَزِّرا
ما خَيرُ حِميَرَ أَن تُسَلِّمَ مَذحِجاً أَو خَيرُ مِذحَجَ أَن تُسَلِّمَ حِميَرا

حملاته على بني عامر[عدل]

وذات مرة قتل بنو عامر رجلا أو جماعة - ربما كانوا قافلة تجارية - فشن الأفوه حملة على بني عامر، فأصاب منهم وزاد،[22] ثم أعطاهم دیات من قتل منهم. قال الشاعر محمد سعيد جرادة : «ومن شعر الأفوه الأودي الذي يمثل أخلاق الفروسية وأعرافها قوله حين دفع دیات قتلاه من بني عامر»:[23]

نُقاتِلُ أَقواماً فَنَسبي نِساءَهُم وَلَم يَرَ ذو عِزٍّ لِنِسوَتِنا حِجلا
نَقودُ وَنَأبى أَن نُقادَ وَلا نَرى لِقَومٍ عَلَينا في مَكارِمِهِم فَضلا
وَإِنّا بِطاءُ المَشيِ عِند نِسائِنا كَما قَيَّدتَ بِالصَيفِ نَجدِيَّةٌ بُزلا
نَظَلُّ غَيارى عِندَ كُلِّ سَتيرَةٍ نُقَلِّبُ جيداً واضِحاً وَشَوىً عَبلا
أَلا أَبلِغا عَنّي يَزيدَ بنَ عامِرِ بِأَنّا أُناسٌ لا نُضيعُ لنا ذَحلا
وَإِنّا لَنُعطي المالَ دونَ دِمائِنا وَنَأبى فَما نُستامُ دونَ دَمٍ عَقلا

وذات مرة قام الأفوه الأودي بتوجيه حملة على قبيلة عامر بن صعصعة في نجد، بسبب وقوع ما استوجب ذلك، وكان ينوي المسير بنفسه إلا أنه مرض مرضا شديدة،[24] فوجه الحملة بقيادة زيد بن الحارث الأودي، وأقام الأفوه حتى أفاق من وجعه بينما - كما جاء في الروايات - مضى زید بن الحارث الأودي حتى لقي بني عامر بن صعصعة في تضارع - وجاءت بنو كعب أو كلاب تضارع وعليهم عوف بن الأحوص بن جعفر بن کلاب.[25] فقال لهم بنو عامر: ساندونا فما أصبنا كان بيننا وبينكم، فقالت بنو أود: لا والله حتى نأخذ بطائلتنا - وكان قد أصيب رجل من أود - فقام أخو المقتول وهو رجل من أود فقال: يا بني أود والله لتأخذ بطائلتي أو لأنتحين على سيفي. فاقتتلت أود وبنو عامر فظفرت أود وأصابت مغنما كثيرًا،[26] فقال الأفوه الأودي في ذلك:

أَلا يا لَهفِ لَو شَدَّت قَناتي قَبائِلُ عامِرٍ يَومَ الصَبيبِ
غَداةَ تَجَمَّعَت كَعبٌ عَلَينا جَلائِبَ بَينَ أَبناءِ الحَريبِ
فَلَمّا أَن رَأَونا في وَغاها كَآسادِ العَرينَةِ وَالحَجيبِ
تَداعَوا ثُمَّ مالوا في ذُراها كَفِعلِ مُعانِتٍ أَمِنَ الرَجيبِ
وَطاروا كالنَعامِ بِبَطنِ قَوِّ مُواءَلَةً عَلى حَذَرِ الرَقيبِ
مَنَعنا الغَيلَ مِمَّن حَلَّ فيهِ إِلى بَطنِ الجَريبِ إِلى الكَثيبِ
وَخَيلٍ عالِكاتِ اللُجمِ فينا كَأَنَّ كُماتَها أُسدُ الضَريبِ
وَجُردٌ جَمعُها بيضٌ خِفافٌ عَلى جَنبَي تُضارِعَ فَاللَهيبِ
هُمُ سَدّوا عَلَيكُم بَطنَ نَجدٍ وَضَرّاتِ الجُبابَةِ وَالهَضيبِ
قَتَلنا مِنهُمُ أَسلافَ صِدقٍ وَأُبنا بِالأُسارى وَالقَعيبِ

شعره

للأفوه الأودي ثلاث قصائد تعد من أهم القصائد العربية، وهي قصيدة (إِنْ تَرَيْ رَأْسِيَ فِيهِ قَزَعٌ ..) والتي قال عنها ابن قتيبة«هذه القصيدة من جيد شعر العرب».[27]والقصيدة السينية (.. الشرُّ لا يُفْنيه ضَرْح الشَّموس) التي قال القاضي أحمد شاكر في هامش ابن قتيبة : «إنها قصيدة من عزيز الشعر ونادره» وهي أربعة وثلاثون بيتا.[28] وقصيدة (لا يَصلُحُ الناسُ فَوضَى لا سُراةَ لهُم..) وهي من أشهر القصائد التي تناقلتها الأجيال. وتلك القصائد الثلاث هي أعلى شعره.

الدالية (فينا معاشر.. )

الدالية هي قصيدته المشهورة، التي تعد من حكمة العرب، وآدابها، وفيها قواعد الحكم والسياسة. وقد وجهها الأفوه هجاءاً إلى معاشر من قومه لم يسهموا في بناء أمجاد قبيلتهم، بل قادهم الغي والجهل إلى إفساد سمعة عشيرتهم، وإلى إضعاف منزلتها، ورأى أنهم نذير شؤم بهلاك قومهم، وذلك في قوله:[29]

فينا مَعاشِرُ لَم يَبنوا لِقِومِهِمُ وَإِنَّ بَني قَومِهِم ما أَفسَدوا عادوا
لا يَرشُدون وَلَن يَرعوا لِمُرشِدِهم فَالغَيُّ مِنهُم مَعاً وَالجَهلُ ميعادُ
كَانوا كَمِثلِ لُقَيمٍ في عَشيرَتِهِ إذ أُهلِكَت بِالَّذي قَد قَدَّمَت عادُ
أَو بَعدَه كِقُدارٍ حينَ تابَعَهُ عَلى الغِوايَةِ أَقوامٌ فَقَد بادوا
وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ وَساكِنٌ بَلَغوا الأَمرَ الَّذي كادوا
وَإِن تَجَمَّعَ أَقوامٌ ذَوو حَسَبٍ اِصطادَ أَمرَهُمُ بِالرُشدِ مُصطادُ
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت فَإِن تَوَلَّوا فَبِالأَشرارِ تَنقادُ
إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَاِزدادوا
أَمارَةُ الغَيِّ أَن تَلقى الجَميعَ لَدى ال إِبرامِ لِلأَمرِ وَالأَذنابُ أَكتادُ
كَيفَ الرَشادُ إِذا ما كُنتَ في نَفَرٍ لَهُم عَنِ الرُشدِ أَغلالٌ وَأَقيادُ
أَعطَوا غُواتَهَمُ جَهلاً مَقادَتَهُم فَكُلُّهُم في حِبالِ الغَيِّ مُنقادُ
حانَ الرَحيلُ إِلى قَومٍ وَإِن بَعُدوا فيهِم صَلاحٌ لِمُرتادٍ وَإِرشادُ
فَسَوفَ أَجعَلُ بُعدَ الأَرضِ دونَكُمُ وَإِن دَنَت رَحِمٌ مِنكُم وَميلادُ
إِنَّ النَجاةَ إِذا ما كُنتَ ذا بَصَرٍ مِن أَجَّةِ الغَيِّ إِبعادٌ فَإِبعادُ
وَالخَيرُ تَزدادُ مِنهُ ما لَقيتَ بِهِ وَالشَرُّ يَكفيكَ مِنهُ قَلَّ ما زادُ

ومما يدل على علو مكانة تلك القصيدة ما جاء في كتاب الأغاني عن حماد الرواية قال: «استقدمني هشام بن عبد الملك في خلافته وأمر لي بصلة سنية وحملان فلما دخلت عليه استنشدني قصيدة الأفوه الأودي: لنا معاشِرُ لم يَبْنُوا لقومِهِمُ .. فأنشدته إياها».[30]

السينية (وَالشَرُّ لا يُفنيهِ ضَرحُ الشَموس ..)

إِمّا تَرى رَأسِيَ أَزرى بِهِ مَأسُ زَمانٍ ذي اِنتِكاسِ مَؤوس
حَتّى حَنى مِنّي قَناةَ المَطا وَعَمَّمَ الرَأسَ بِلَونِ خَليس
وَأَفرُجُ الأَمرَ إِذا أَحجَمَت أَقرانُهُ مُعتَصِماً بِالشُؤوس
وَأقطَعُ الهَوجَلَ مُستَأنِساً بِهَوجَلٍ عَيرانَةٍ عَنتَريس
وَاللَيلُ كَالدَأماءِ مُستَشعِرٌ مِن دونِهِ لَوناً كَلَونِ السُدوس
وَالدَهرُ لا تَبقى عَلى صَرفِهِ مُغفِرَةٌ في حالِقٍ مَرمَريس
إِنَّ بَني أَودٍ هُمُ ماهُمُ لِلحَربِ أَو لِلجَدبِ عامَ الشَموس
يَقونَ في الحَجرَةِ جيرانَهُم بِالمالِ وَالأَنفُسِ مِن كُلِّ بوس
نَفسي لَهُم عِندَ اِنكِسارِ القَنا وَقَد تَرَدّى كُلُّ قِرنٍ حَسيس
فَأَهلُ أَن تُفدَوا إِذا هَبوَةٌ جَرَّت عَلَينا الذَيلَ بِالدَردَبيس
قَد أَحسَنَت أَودٌ وَما نَأنَأَت مَذحِجُ في ضَربِ الكُلى وَالرُؤوس
إِذ عايَنوا بِالخَبثِ رَجراجَةً تَمشي اِزدِلافاً كَازدِلافِ العَروس
إِذ جَمَّعَت عَدوانُ فيها عَلى عِداتِها مِن سائِسٍ أَو مَسوس
في مُضَرَ الحَمراءِ لَم تَتَّرِك غُدارَةً غَيرَ النِساءِ الجُلوس
قَد غَرَّهُم ذو جَهلِهِم فَاِنثَنوا عَن رَأيِهِ حينَ اِنثَنوا بِالعُبوس
وَأَجفَلَ القَومُ نَعامِيَّةً عَنّا وَفِئنا بِالنِهابِ النَفيس
مِن كُلِّ بَيضاءَ كِنانِيَّةٍ أَو عاتِقٍ بَكرِيَّةٍ غَيطَموس
أَو حُرَّةٍ جَرداءَ مَلبونَةٍ أَو مُقرَمٍ في إِبلِهِ عَلطَميس
أَو موثَقٍ بِالقِدِّ مُستَسلِمٍ أَو أَشعَثٍ ذي حاجَةٍ مُستَئيس
يَمشي خِلالَ الإبِلِ مُستَسلِماً في قِدِّهِ مَشيَ البَعيرِ الرَعيس
كَأَنَّها عَدّاءَةٌ هَيضَلٌ حَولَ رَئيسٍ عاصِبٍ بِالرَئيس
وَالمَرءُ ما تُصلِح لَهُ لَيلَةٌ بِالسَعدِ تُفسِدُهُ ليالي النُحوس
وَالخَيرُ لا يَأتي اِبتِغاءٌ بِهِ وَالشَرُّ لا يُفنيهِ ضَرحُ الشَموس
بِمَهمَهٍ ما لِأَنيسٍ بِهِ حِسٌّ وَما فيهِ لَهُ مِن رَسيس
لا يُفزِعُ البَهمَةَ سِرحانُها وَلا رَواياها حِياضُ الأَنيس
مِن دونِها الطَيرُ وَمِن فَوقِها هَفاهِفُ الريحِ كَجُثِّ القَليس
أَبلِغ بَني أَودٍ فَقَد أَحسَنوا أَمسِ بِضَربِ الهامِ تَحتَ القُنوس
وَلا أَخو تَيهاءَ ذو أَربَعٍ مِثلَ الحَصى يَرعى خَليسَ الدَريس
يَغشى الجَلاميدَ بِأَمثالِها مُرَكَّباتٍ في وَظيفٍ نَهيس
تُغادِرُ الجُبَّةَ مُحمَّرَةً بِقانِئٍ مِن دَمِ جَوفٍ جَميس
كفَوْهُمُ الشّوكةَ و استرعَفوا أمامَهم يَمشونَ أُولَى الخَميسِ‌
وكَشَفوا الهبْوةَ عن مَذْجح بِكُل نجلاءَ فرىّ غَمُوس
أُدِّبْنَ بالصَّبْرِ إذا ضَرَّمَتْ نِيْرانَها الحَرْبُ اضْطِرامَ الوَطِيْسْ

الرائية (إِنْ تَرَيْ رَأْسِيَ ..)

من جيّد شعر العرب، ونهى النّبي صلى الله عليه وسلم عن إنشادها لما فيها من ذكر إسماعيل عليه السلام:[31]

إِن تَرى رَأسِيَ فيهِ قَزَعٌ وَشَواتي خَلَّةً فيها دُوارُ
أَصبَحَت مِن بَعدِ لَونٍ واحدٍ وَهيَ لَونانِ وَفي ذاكَ اِعتِبارُ
فَصُروفُ الدَهرِ في أَطباقِهِ خِلعَةٌ فيها اِرتِفاعٌ وَاِنحِدارُ
بَينَما الناسُ على عَليائِها إِذ هَوَوا في هُوَّةٍ مِنها فَغاروا
إِنَّما نِعمَةُ قَومٍ مُتعَةٌ وَحَياةُ المَرءِ ثَوبٌ مُستَعارُ
وَلَياليهِ إِلالٌ لِلقُوى مِن مُداهَ تَختَليها وَشِفارُ
تَقطَعُ اللَيلَةُ مِنهُ قُوَّةً وَكَما كَرَّت عَلَيهِ لا تُغارُ
حَتَمَ الدَهرُ عَلَينا أَنَّهُ ظَلَفٌ ما نالَ مِنّا وَجُبارُ
فَلَهُ في كُلِّ يَومٍ عَدوَةٌ لَيسَ عَنها لِاِمرِئٍ طارَ مَطارُ
رَيَّشَت جُرهُمُ نَبلاً فَرَمى جُرهُماً مِنهُنَّ فوقٌ وَغِرارُ
عَلَّموا الطَعنَ مَعَدّاً في الكُلى وَاِدِّراعَ اللَأَمِ فَالطَرفُ يَحارُ
وَرُكوبَ الخَيلِ تَعدوالمَرَطى قَد عَلاها نَجَدٌ فيهِ اِحمِرارُ
يا بَني هاجَرَ ساءَت خُطَّةً أَن تَروموا النِصفَ مِنّا وَنُجارُ
إِن يَجُل مُهرِيَ فيكُم جَولَةً فَعَلَيهِ الكَرُّ فيكُم وَالغِوارُ
كَشِهابِ القَذفِ يَرميكُم بِه فارِسٌ في كَفِّهِ لِلحَربِ نارُ
شَنَّ مِن أَودٍ عَلَيكُم شَنَّةً إِنَّهُ يَحمي حِماها وَيَغارُ
فارِسٌ صَعدَتُهُ مَسمومَةٌ تَخضِبُ الرُمحَ إِذا طارَ الغُبارُ
مُستَطيرٌ لَيس مِن جَهلٍ وَهَل لِأَخي الحِلمِ عَلى الحَربِ وَقارُ
يَحلُمُ الجاهِلُ لِلسِلمِ وَلا يَقِرُ الحِلمُ إِذا ما القَومُ غاروا
نَحنُ أَودٌ وَلِأَودٍ سُنَّةٌ شَرَفٌ لَيسَ لَنا عَنهُ قَصارُ
سُنَّةٌ أَورَثناها مَذحِجٌ قَبلَ أَن يُنسَبَ لِلناسِ نِزارُ
نَحنُ قُدنا الخَيلَ حَتّى اِنقَطَعَت شُدُنُ الأَفلاءِ عَنها وَالمِهارُ
كُلَّما سِرنا تَرَكنا مَنزِلاً فيهِ شَتّى مِن سِباعِ الأَرضِ غاروا
وَتَرى الطَيرَ عَلى آثارِنا رَأيَ عَينٍ ثِقَةً أَن سَتُمارُ
جَحفَلٌ أَورَقَ فيهِ هَبوَةٌ وَنُجومٌ تَتَلَظّى وَشَرارُ
تَرَكَ الناسُ لَنا أَكتافَهُم وَتَوَلَّوا لاتَ لَم يُغنِ الفِرارُ
مُلكُنا مُلكٌ لَقاحٌ أَوَّلٌ وَأَبونا مِن بَني أَودٍ خِيارُ
وَلَقَد كُنتُم حَديثاً زَمَعاً وَذُنابى حَيثُ يَحتَلُّ الصَغارُ
نَحنُ أَصحابُ شَباً يَومَ شَبا بِصِفاحِ البيضِ فيهِنَّ اِظِّفارُ
عَنكُمُ في الأَرضِ إِنّا مَذحِجٌ وَرُوَيداً يَفضَحُ اللَيلَ النَهارُ

وفاته

أجمع المؤرخون أن الأفوه توفي في الربع الثالث من القرن السادس الميلادي، فلويس شيخو يرى أنه توفى نحو سنة 570م،[32] وذهب الزركلي لقوله.[33] بينما رجح عمر فروخ أن تكون وفاته سنة 560م.[13] أما محمد صادق الكرباسي فقدر وفاته سنة 555.[1]ومما يدل على أن زمانه كان قبل المبعث بزمن قليل هو أن قريبه عبد الرّحمن بن النّعمان بن يزيد بن قيس بن سلمة بن الأفكل، ممن حضر الفتوح من مذحج في خلافة عمر ونزل الكوفة. وبين عبد الرحمن والأفوه جدين في سلسلة النسب، فالأفكل هو جد الأفوه الثاني أو الثالث، بينما الأفكل هو الجد الرابع لعبد الرحمن بن النعمان.[14] وقد أورد السجستاني في كتاب المعمرون والوصايا وصية للأفوه الأودي أوصى بها أولاده وعشيرته، وقال الأفوه في وصيته:«إن التجربة علم، والأدب عون، والكفّ عن ذلك مضرّة. وليكن جلساؤكم أهل المروءة والطلب لها، وإياكم ومجالسة الأشرار، فإنها تعقب الضغائن، والرفض لهم من أسباب الخير. والحلم محجزة عن الغيظ، والفحش من العيّ. والغيّ مهدمة للبناء. ومن خير ما ظفرت به الرجال اللسان الحسن. وفي ترك المراءِ راحة للبدن. فلينظر كل رجل منكم إلى جهته، فإن العجب كبر، والكبر قائد إلى البغض، واشنأوا البغي، فإنه المرعى الوخيم. واستصلحوا الخلل، وتحاموا الذُّلّ».

 

الأفوه الأودي

الكتب 1

ديوان الأفوه الأودي

ديوان الأفوه الأودي

البلاغة هي فن الخطاب. يقول ابن الأثير: «مدار البلاغة كلها على استدراج الخصم إلى الإذعان وا ...

الأقسام: البلاغة, الأدب, اللغة العربية

الناشر: دار صادر - بيروت

عدد الصفحات: 128

سنة النشر: 1998

المحقق: د. محمد التونجي

المترجم: ---