الخنساء تماضر بنت عمرو السلمي

الخنساء تماضر بنت عمرو السلمي

نسبها:

هي: أم عمرو تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد وهو عمرو بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. من آل الشريد من سادات وأشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية.
كما اعتز النبي محمد ﷺ بالانتساب إلى بني سليم، فكان يقول: " أنا ابن الفواطم من قريش، والعواتك من سليم، وفي سليم شرف كثير "، وآل الشريد كانوا سادة بني سليم. وعمرو بن الحارث -أبو تماضر- كان من وفود العرب على كسرى، وكان يأخذ بيدي ابنيه معاوية وصخر في الموسم حتى إذا توسط الجمع قال بأعلی صوته: أنا أبو خيري مضر، فمن أنكر فليغير. فلا يغير عليه أحد. وكان يقول: من أتى بمثلهما أخوين من قبل فله حكمه. فتقر له العرب بذلك.

اللقب:

لُقّبَتْ بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه. قال الحُصري في كتاب زهر الأدب: «لقبت بالخنساء كناية عن الظبية وكذلك الذلفاء والذلف قصر في الأنف ويريدون به أيضًا أنه من صفات الظباء».

بيئتها:

البيئة زمان ومكان وطبيعة وأشخاص، يتفاعل معها تكون الشخص، ويتأثر بها أبناؤه. إنما تتضح شخصية إنسان بوضوح بيئته، وخصوصاَ أولئك الذين طواهم التاريخ، ولم نستطع أن نعرف إلا مظاهر بدأت في سلوكهم أو أقوالهم. والخنساء واحدة من هؤلاء، فقد تبين كيف أنها ولدت قبيل الإسلام وعاشت بعده، ولا أحد يعرف عنها، ولا يذكر من أوصافها شيئاً، الا حين تعرض لها " دريد بن الصمة" طالباً الزواج منها، وعندها فقط التفتنا إلى أنها جميلة، أسر جمالها فارس طالما أسر الفرسان.

إن أهم ما اتسم به مجتمعهم ويساعد في توضيح شخص الخنساء، هو تألف القبيلة من ثلاث طبقات:

أبناؤها الذين يربط بينهم الدم والنسب، وعليه ينهض القبيلة وترتفع.
العبيد المجلوبون من البلاد الأجنبية المجاورة وخصوصا الحبشة.
الموالي، وهم عتقاء القبيلة.
وتخضع القبيلة بطبقاتها الثلاثة لقانون اجتماعي عام، فرضته عليهم ظروف الحياة وألزمهم إياه شعورهم بالحاجة إلى التضامن. ويتلخص هذا القانون في كلمة واحدة هي (المروءة) وعنها تتوالد كل أخلاقهم الاجتماعية. والخنساء البدوية كانت تقطن مكاناً له خصائص ومميزات، نضحت على إهله، وظهرت على سكانه، فقد اشتهر أهل نجد بالبلاغة وقد ذهبوا في الشعر كل مذهب.

إسلامها:

حين انتشر الإسلام، صحبت بنيها وبني عمها من بني سليم وافدة إلى رسول الله ليعلنوا دخولهم في الدين الجديد.
أسلمت في عام 8 هـ - 630 م وهي في طلائع شيخوختها لم تقل عن الخمسين، ولن تزيد على الستين، عندما قدمت على النبي مع قومها بني سليم وأعلنت إسلامها وإيمانها.
ذكر الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن المخزومي وهو المعروف بابن زبالة أحد المتروكين عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة عن أبيه قال حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية سنة 16 هـ، - 638 م ومعها بنوها أربعة رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار، فقد حرّضت أبناءها الأربعة على الجهاد ورافقتهم مع الجيش زمن عمر بن الخطاب، وقد اوصتهم: "يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب غير المؤمنين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”. فلما بلغ إليها خبر وفاة أستشهادهم جميعاً، لم تجزع ولم تبك، ولم تحزن، قالت قولتها المشهورة: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته" وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة حتى قبض. أخرجها أبو عمر.

لها موقف يدل على وفائها ونبلها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخرًا ومعاوية حتى أدركت الإسلام فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب وهي عجوز كبيرة فقالوا: يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي.

فقال لها عمر: اتقي الله وأيقني بالموت فقالت: أنا أبكي أبي وخيري مضر: صخرًا ومعاوية، وإني لموقنة بالموت، فقال عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فكأن عمر رق لها فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي.

وتمضي الخنساء مع الإسلام فتنسى كثيراً من عادات الجاهلية، ولكنها لا تنسى السادات من مضر، ولا يفارقها الوجد عليهم، والبكاء من أجلهم.

ولقد كان الرسول ﷺ يستنشدها شعرها، ويستزيدها - وهو مصغ إليها- بقوله: "هيه يا خناس! ويومئ بيده. وقد أبى عليه قلبه الكبير أن يزجرها أو أن يلومها.

 

الخنساء الشاعرة:

الخنساء شاعرة مخضرمة ،أي أنها أدركت الجاهلية والإسلام.ثم إن لقب المخضرم صار مطلقا على طبقة الشعراء الذين أدركوا الجاهلية ،دونما إدراكهم الإسلام.
ولدت من آباء شعراء. ليسوا بني سليم، آباءها الأقربين فحسب، بل ذلك يرجع إلى ابعد الآباء في قييس كلها، وكان فيهم خمسا شعراء العرب، فقد نبغ منهم جماعة من فحول الشعراء، ومنهم النابغتان (الذيباني والجعدي) وزهير بن أبي سلمى، وكعب ابنه، ولبيد بن ربيعة، والحطيئة، والشماخ، وخداش بن زهير وغيرهم. قال ابن قتيبة وهي جاهلية، كانت تقول الشعر في زمن النابغة الذبياني، ويرى ابن سلام هذا الرأي نفسه.
ونقطة التحول في حياة الخنساء هي فجيعتها المزدوجة بفقد اخويها معاوية وصخر"

كانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة، حتى قُتل أخواها معاوية وصخر اللذين ما فتأت تبكيهما حتى خلافة عمر، وخصوصاً أخيها صخر. فقد كانت تحبه حباً لا يوصف، ورثته رثاء حزيناً وبالغت فيه حتى عدت أعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع والمدح والتكرار لأنها سارت على وتيرة واحدة تميزت بالحزن والأسى وذرف الدموع. ومما يذكر في ذلك ما كان بين الخنساء وهند بنت عتبة قبل إسلامها، نذكره لنعرف إلى أي درجة اشتهرت الخنساء بين العرب في الجاهلية بسبب رثائها أخويها.

توزع الرثاء أنواع ثلاثة، امتاز كل منها بعنوان، فأصبح تحت المرثية:

الندب: وهو ممنوع في المرثية، وذلك إذا كان الميت قتيل حرب. وكان من اخلاق العرب انهم لا يرثون قتلى الحرب. فاذا بكوهم كان ذلك هجاء، أو في حكم الهجاء.
التأبين.
والعزاء.
وقد اجتمعت للخنساء في مراثيها أنواع الرثاء الثلاثة تلك فآنا نسمعها نادية باكية، يرتفع نشيجها، فيثير الأشجان، ويجري الدموع من المآقي، وذلك إذ تقول:
أبنت صخر تلكم الباكية لا باكي الليلة إلا هيه
وتقول:
يا عينِ جودي بالدّموعِ الغِزَارْ وابكي على اروعَ حامِي الذمارْ
فرعٍ منَ القومِ الجدى أنْماهُ منهُمْ كلُّ محضِ النِّجارْ
أقولُ لمّا جاءَني هُلْكُهُ وصرَّحَ النَّاسُ بنجوى السّرارْ
أُخَيّ! إمّا تَكُ وَدّعْتَنَا فَرْعٍ منَ القَوْمِ كريمِ الجَدا
فرُبّ عُرْفٍ كنْتَ أسْدَيتَهُ إلى عيالٍ ويتامى صغارْ
وربَّ نعمى منكَ انعمتها على عُناة ٍ غُلَّقٍ في الإسارْ
أهْلي فِداءٌ للّذي غُودِرَتْ أعْظُمُهُ تَلْمَعُ بَينَ الخَبارْ
صَريعِ أرْماحٍ ومَشْحوذَة كالبرقِ يلمعنَ خلالَ الديارْ
مَنْ كانَ يَوْماً باكياً سَيّداً فليبكهِ بالعبراتِ الحرارْ
ولتبكهِ الخيلُ اذا غودرتْ بساحة ِ الموتِ غداة َالعثارْ
وليبكهِ كلُّ أخي كربة ضاقتْ عليهِ ساحة ُ المستجارْ
رَبيعُ هُلاّكٍ ومأوى نَدًى حينَ يخافُ النَّاسُ قحطَ القطارْ
أسْقَى بِلاداً ضُمّنَتْ قَبْرَهُ صَوْبُ مَرابيعِ الغُيوثِ السَّوارْ
وما سؤالي ذاكَ الاَّ لكي يسقاهُ هامٍ بالرَّوي في القفارْ
قُلْ للّذي أضْحَى بهِ شامِتاً إنّكَ والموْتَ، مَعاً، في شِعارْ
وتقول:
بَكَت عَيني وَعاوَدَها قَذاها بِعُوّارٍ فَما تَقضي كَراها
على صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ إِذا ما النابُ لَم تَرأَم طِلاها
فَتى الفِتيانِ ما بَلَغوا مَداهُ وَلا يَكدى إِذا بَلَغَت كُداها
حَلَفتُ بِرَبِّ صُهبٍ مُعمِلاتٍ إِلى البَيتِ المُحَرَّمِ مُنتَهاها
لَئِن جَزِعَت بَنو عَمروٍ عَلَيهِ لَقَد رُزِئَت بَنو عَمروٍ فَتاها
لَهُ كَفٌّ يُشَدُّ بِها وَكَفٌّ تَحَلَّبُ ما يَجِفُّ ثَرى نَداها
تَرى الشُمَّ الجَحاجِحَ مِن سُلَيمٍ يَبُلُّ نَدى مَدامِعِها لِحاها
عَلى رَجُلٍ كَريمِ الخيمِ أَضحى بِبَطنِ حَفيرَةٍ صَخِبٍ صَداها
لِيَبكِ الخَيرَ صَخراً مِن مَعَدٍّ ذَوُو أَحلامِها وَذَوُو نُهاها

 

وفاة الخنساء:

ماتت الخنساء - رضي الله عنها- سنة 24 هـ/645م. عمرت إلى أن أدركت نصر الإسلام المبين كان موتها في عامها الحادي والسبعين، وقد طبقت شهرتها الآفاق، إن لم يكن ببكائها على السادات من مضر فباستشهاد بنيها الأربعة. ماتت ومعها شاهد تضمن به تسجيل يوم موتها، ولا يعتمد فيه على الروايات، وإنما اعتمد فيه سجلات الدولة المدون فيها اسمها، لتستلم أرزاق بنيها الشهداء الأربعة من ديوان بيت المال، وكان عمر قد قدر لها عن كل واحد مائتي درهم إلى أن قبض

الخنساء تماضر بنت عمرو السلمي

الكتب 1

ديوان الخنساء دراسة و تحقيق

ديوان الخنساء دراسة و تحقيق

الأقسام: البلاغة, الأدب, الشعر والشعراء, اللغة العربية

الناشر: مطبعة السعادة

عدد الصفحات: 642

سنة النشر: 1985

المحقق: ابراهيم عوضين

المترجم: ---