هو محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن عبد الرحمن بن أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق التيمي القرشي البكري، الملقب بفخر الدين ويقال له ابن خطيب الري لأن والده الإمام ضياء الدين عمر كان خطيب مسجد الري كما لقب في هراة بشيخ الإسلام، يكنى بأبي عبد الله وأبي المعالي وأبي الفضل، الرازي نسبة إلي مدينة الري، الطبرستاني الأصل نسبة إلي طبرستان حيث كانت أسرته فيها ثم رحلت إلى الري، القرشي التيمي البكري نسبة إلي ابي بكر الصديق الشافعي مذهباً والاشعري عقيدة.
ولد الرازي في عام 544 هـ الموافق 1149م بمدينة الري وقيل بأنّه وُلد عام عام 543هـ، ونشأ في بيت علم، إذ كان والده الإمام ضياء الدين عمر بن الحسن فقيها أصوليا متكلما صوفيا، وكان خطيب الري وعالمها وله تصانيف كثيرة في الأصول والوعظ وغيرهما من أهمها غاية المرام في علم الكلام، حيث اعتبره إبن السبكي من أنفس كتب أهم السنة وأشدها تحقيقاً.
وعلى يدي والده ابتدأ فخر الدين طلبه للعلم في صباه، فتعلم العلوم الأولية فأغناه عن طلب العلم على يد سواه حتى وفاته عام 559هــ، وقد كان الرازي شديد الإعجاب بوالده فيذكر اسمه بإجلال واحترام ويدعوه "بالإمام السعيد"، ويجعله شيخه وأستاذه ويذكر السلسلة العلمية التي تلقاها عنه بكل اعتزاز، يقول ابن خلكان متحدثاً عن السلسلة العلمية للرازي:
«...وذكر فخر الدين في كتابه الذي سماه تحصيل الحق أنه اشتغل في علم الأصول على والده ضياء الدين عمر، ووالده على أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، وهو على إمام الحرمين أبي المعالي، وهو على الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، وهو على الشيخ أبي الحسين الباهلي، وهو على شيخ السنة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهو على أبي علي الجبائي أولا ثم رجع عن مذهبه ونصر مذهب أهل السنة والجماعة. وأما اشتغاله في المذهب -يعني الفقه- فإنه اشتغل على والده، ووالده على أبي محمد الحسين ابن مسعود الفراءالبغوي، وهو على القاضي حسين المروزي، وهو على القفال المروزي، وهو على أبي زيد المروزي، وهو على أبي إسحاق المروزي، وهو على أبي العباس بن سريج، وهو على أبي القاسم الأنماطي، وهو على أبي إبراهيم المزني، وهو على الإمام الشافعي رضي الله عنه »
وبعد أن توفي والده، رحل الرازي إلى سمنان ليشتغل على كمال الدين أحمد بن زيد (الكمال السمناني) واشتغل عليه مدة ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي ولما طلب المجد مراغة للتدريس بها صحبه الرازي وقرأ عليه مدة طويلة الكلام والفلسفة.
وهكذا وجد الرازي نفسه منذ نعومة أظافره في بيت علم، وبين يدي عالم من أعلام العلماء قضى الفترة الأولى من حياته ينهل من معين علومه، ولذلك شغف بالعلم وأكب على الدرس والتحصيل، وحرص على أن لا يضيع من حياته وقتاً إلا في تعلم أو تعليم حتى أنه ليتمنى لو اسْتَطاعَ أن يستغني عن كثير من الحاجات الطبيعية ليجعل وقته المصروف فيها في طلب العلم فيقول «والله إنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل فإن الوقت والزمان عزيز »، ونتيجة لحبه للعلم واستعداده له مع ذكاءه وذاكرته القوية اسْتَطاعَ في فترة وجيزة اسْتيعَاب الكثير من كتب المتقدمين كالشامل في علم الكلام لإمام الحرمين والمستصفي للغزالي والمعتمد لأبي الحسين البصري وأمثالها ولذلك قال «ما أذن لي في تدريس علم الكلام حتى حفظت اثني عشر ألف ورقة »
كان الرازي يرى أن تعلم العلوم جميعا فرض من الفرائض الشرعية ولذلك أحب العلوم كلها وأقبل عليها بدون تفريق إلا ما يكون من فرق بين الفاضل والمفضول، والعلوم كلها في نظره لا تخرج عن كونها واجباً أو مما لا يتم الواجب إلا به أو مما لابد منه لتحقيق مصلحة من المصالح الدنيوية أو مما لا بد من تعلمه لمعرفة أضراره وأخطاره والدعوة إلى اجتنابها.
نال الرازي كمفسر شهرة واسعة وحظي تفسيره الكبير "مفاتيح الغيب" منذ تأليفه له حتى اليوم باهتمام بالغ، وتناوله الكثيرون بالدرس والتعليق والنقد حتى جاء وقت لم يكن يطالع فيه أكثر المتعلمين سواه، وقد جمع الرازي في تفسيره كل غريب وغريبة، فهو كان يرى أن القرآن الكريم أصل العلوم كلها فيقول «أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن، وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن، وكذا علم أصول الفقه. وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق، ومن تأمل كتابنا في دلائل الإعجاز علم أن القرآن قد بلغ في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى » كما يرى أَيْضًا في إيراد مباحث العلوم المختلفة وغيره في التفسير ما يثبت الإيمان في القلب فيقول «وربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال إنك أكثرت في تفسير كتاب الله من عليم الهيئة والنجوم، وذلك على خلاف المعتاد! فيقال لهذا المسكين: إنك لو تأملت في كتاب الله حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته وتقريره من وجوه....»
وتسيطر عليه هذه الإفكار في تفسيره كله، ولذلك نراه يذكر الآية ثم يبين مناسبتها لما قبلها وما بعدها ويستطرد بعد ذلك في بيان ما يمكن أن تدل عليه، أو يدل عليها من المسائل الرياضية والطبيعية والفلكية مسانداً أو معارضاً مذاهب علماء تلك العلوم باستدلال عقلي قائم على الآية الكريمة، ثم يعالج المسائل الكلامية، أو الأصولية، أو الفقهية المتعلقة بالآية مرجحاً في الكلام مذهب أصحابه الأشاعرة غالباً وفي الأصول والفقه مذهب الشافعي إلا ما ندر.
ولا ينسى وهو يتناول كل هذه الأمور المسائل اللغوية فيعطيها من بحثه قسطاً كبيراً، فيغوص وراء دقائق نحوية وبلاغية وغيرها قل ما تنبه إليها سواه وإذا ما أحس أنه ابتعد من جو الآية التي يفسرها فإنه سرعان ما يستدرك عائداً لربط ما استنبطه وما أورده من مسائل بالآية الكريمة، وهو لا يتوقف عن الاستنباط والاستطراد ما دام يستطيع إيجاد صلة ولو كانت يسيرة ما بين المستنبط أو المستطرد إليه واللفظ القرآني.
والرازي يعارض حشو التفسير بالقصص والأخبار التي ينقلها بعض المفسرين عن أصحاب السير والتاريخ عند ذكر الأنبياء أو الملوك أو الأمم السابقة إلا إذا وردت عن طريق القرآن أو السنة الثابتة، ولذلك نراه كثيراً ما يورد الأحاديث النبوية المفسرة للآية أو ذات العلاقة بها وكذلك أقول الصحابة أو التابعين قبل أن يبدأ هو في استطراداته.
ويرى الرازي كذلك أن على المفسر أن لا يكتفي بإيراد الأقوال الواردة في الآية وردها إلى أصحابها فحسب مع قطع النظر عن كونها متعارضة أو متوافقة، بل عليه أن يرجح ويختار ويبين ما هو الخطأ أو الصواب بالدليل الذي يمكنه الاستدلال به من الشريعة أو اللغة.
وجماع القول أن الرازي المفسر ربط على وجه التقريب كل علومه بالقرآن الكريم، وحاول في تفسيره أن يعيدها إليه. وتفسيره أشبه ما يكون بموسوعة جامعة في سائر العلوم حوت كل غريب وغريبة كما قال ابن خلكان.
إن شهرة الرازي بعلم الكلام لا تقل عن شهرته في التفسير، فهو سلطان المتكلمين الذي الذي فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات، كما يعتبره البعض رائداً لطريقة المتكلمين المتأخرين عن طريقتهم في إدخال الفلسفة ومباحثها في علم الكلام يقول ابن خلدون في تاريخه «ثمّ خلط المتأخّرون من المتكلّمين مسائل علم الكلام بمسائل الفلسفة لاشتراكهما في المباحث، وتشابه موضوع علم الكلام بموضوع الإلهيّات ومسائله بمسائلها فصارت كأنّها فنّ واحد ثمّ غيّروا ترتيب الحكماء في مسائل الطّبيعيّات والإلهيّات وخلطوهما فنّا واحدا قدّموا الكلام في الأمور العامّة ثمّ أتبعوه بالجسمانيّات وتوابعها ثمّ بالرّوحانيّات وتوابعها إلى آخر العلم كما فعله الإمام ابن الخطيب في المباحث المشرقيّة وجميع من بعده من علماء الكلام. »
ولم يقصر الفخر نشاطه في هذا العلم على التأليف والتدريس، بل سافر إلى البلدان التي توجد فيها فرق مخالفة لمنهج أهل السنة الأشاعرة كالمعتزلة والكرامية وغيرهم وعقد مع علمائهم مناظرات كثيرة في خوارزم وبخارى وسمرقند وخجند وبناكت وغزنة وبلاد الهند، وقد كان يفلح فيها بإعادة الكثيرين من أصحاب تلك المذاهب إلى مذهب أهل السنة الأشاعرة، وقد كتب ذلك في كتاب "المناظرات" لتكون بمثابة سجل وتاريخ لنشاطه العلمي ورحلاته فهي مذكراته الشخصية عن هذه الفترة من حياته.
الرازي أصولي وفقيه شافعي، وأصحابه الشافعية يعرفون له قدره وطول باعه في الأصول خاصة ويضعونه في مقدمة أهل التحقيق من الأصوليين وخصوه بالقب الإمام فإذا أطلق لقب الإمام في كتبهم فالمراد به الرازي، ولقد استوعب وهو ما يزال في مقتبل العمر أهم الكتب الأصولية لسابقيه فدرس "البرهان" لإمام الحرمين و "العهد" للقاضي عبد الجبار وحفظ "المستصفى" للغزالي و"المعتمد" لأبي الحسين البصري، ولذلك استطاع أن يؤلف في الأصول، هذا ولم يسر وراءهم سير مقلد يجمع ما قالوه ثم يلخصه ويقرره كما قد يتصور البعض ولكنه نظر في كل ذلك نظرة الفاحص المدقق لذلك نجد له مؤخذات على سابقيه وخاصة الغزالي وأبي الحسين البصري وملاحظات تدل على تبحره في هذا العلم.
أما الفقه فقد ذكر المؤرخون أن الرازي قد ألف شرحاً "لوجيز" الغزالي ولكن لم يتمه، كما بث في كتبه المختلفة وخاصة التفسير الكثير من الآراء الفقهية التي تدل على طول باعه في هذا الباب، كما ألف في الفقه كتاب "البراهين البهائية" بالفارسية وذكر فيه سبعين ومائة مسألة فيها آراء الشافعية والحنفية مرجحاً في كل تلك المسائل رأي إمامه الشافعي والترجيح -في الفقه- من أعلى مراتب الفقهاء.
الفخر ممن جمعوا بين أدب القول وأدب الكتابة فهو خطيب الري وواعظها وصاحب التصانيف التي أوتي فيها من التوفيق ما لم يؤته عالم وله في هذين الفنين من فنون القول اليد الطولي يقصد مجالس وعظه وخطابته السلاطين والأدباء والفقهاء، ولاشك أن تمكنه في هذين الفنين دليل على تبحره في علوم العربية وإحاطته بدقائقها.
والرازي يرى أن تعلم علوم العربية واجب شرعي، لا يختلف عن وجوب تعلم القرآن والسنة بل هو يرى أن تعلم العربية مقدم على تعلمهما من حيث كونها وعاء للكتاب والسنة لا يمكن فهمهما قبل الإلمام بالعربية، كما يبدي الرازي استغرابه وعجبه من الأصوليين كيف لم يعنوا بضبط اللغة وإخضاع رجالها وطرق نقلها إلى نفس القواعد التي أخضعت لها السنة، فيقول «والعجب من الأصوليين: أنهم أقاموا الدلالة على خبر الواحد أنه حجة في الشرع ولم يقيموا الدلالة على ذلك في اللغة وكان هذا أولى»، وقد قدم لتفسيره ببحث قيم في اللغة تناول فيه الدقائق، كما كتب في المحصول بحثاً في الأحكام الكلية للغات، وله مؤلفات خاصة بفروع لغوية تدل على إلمامه التام بعلوم اللغة.
أما البلاغة فقد اعتبره بعض الكاتبين أول من قعد علوم البلاغة، وأنه هو الذي أوصل ما بين البلاغة الأدبية والبلاغة ذات القواعد والقوانين، وكتابه "نهاية الإيجار في دراية الإعجاز" يعتبر من المراجع البلاغية المهمة.
أما النحو فله مؤخذات جيدة على النحاة منها عدم تجويز جمهورهم دخول رب على المستقبل ويرى هو تجويز ذلك لوروده في قوله تعالى ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ٢﴾ [الحجر:2] وينعى على من جوز ذلك استدلالاً بقول الشاعر "ربما تكره النفوس من الأمر" وليس لوروده في القرآن الكريم فيقول «ولو أنهم وجدوا بيتا مشتملا على هذا الاستعمال لقالوا إنه جائز صحيح وكلام الله أقوى وأجل وأشرف، فلم لم يتمسكوا بوروده في هذه الآية على جوازه وصحته »، وقد بث هذه المؤخذات في كتبه وفي مقدماتها "التفسير" و "المحصول" كما أحال على كتاب له في دقائق النحو سماه "المحرر" وهو من كتبه المفقودة.
كان الفخر طبيباً من أحذق أطباء زمان وأشهرهم، قوي النظر في هذه الصناعة ومباحثها، شرح وهو في مقتبل العمر "قانون ابن سينا" وحظيت تآليفه في التشريح باهتمام أهل هذه الصناعة، قال طاش كبرى زاده «وكتب التشريح أكثر من أن تحصى ولا أنفع من تصنيف ابن سينا، والإمام الرازي »، كما تتلمذ على يديه تلاميذ اشتهروا بالمهارة في الطب مثل قطب الدين المصري.
والرازي يجعل الطب والفراسة فرعاً للعلم الطبيعي، فيقول «أن من أصول هذا العلم -يعني الفراسة- مستندة إلى العلم الطبيعي وتفاريعه مقررة بالتجارب وكان مثل الطب سواء بسواء »، فهو يجعل الفراسة طباً نفسانياً بالفهوم الحديث، ويرى أنه كما تعالج أمراض الجسد بالأدوية والعقاقير فإن الفراسة علم تعالج به أمراض النفس ويضع لـ أطباء النفس شروطاً يرى أنه لابد منها لمن يريد المهارة في هذا المجال كالعناية بجميع الظواهر النفسية لدى المريض وقوة الملاحظة والمواظبة على العمل وإجراء التجارب الكثيرة.
وقد كان علم الفراسة قبل الفخر علماً ملتصقاً بالدجل يصعب فصله عنه حتى جاء وميزه وأخرجه من هذه الدائرة ليدخله في دائرة العلوم كفرع من الطب واعتبره علماً يقيني الأصول ظني الفروع، وقد ألَّف كتابه "الفراسة" بناءً على رسالة صغيرة لـ أرسطو لم يقف عند ما جاء فيها بل وسعها وزارد عليها مما جعل البعض يعتبرونه المعلم الأول في هذا الباب.
لقد أشتغل الرازي بالفلسفة، تعلماً وتعليماً وتأليفاً: أما التعلم فإن اهتمامه بالفلسفة كان كبيرا، لهذا فإنه لما طلب شيخه مجد الدين الجيلي إلى المراغة سافر معه حرصا على استكمال تعلم العلوم الحكمية، وبالفعل فلقد قرأ عليه الحكمة لمدة طويلة. وأما التعليم فإنه كان يباحث في مجالسه في المسائل الفلسفية وباصطلاحاتها. وأما التأليف فقد شرح كتبا فلسفية لابن سينا كالإشارات والتنبيهات، وعيون الحكمة. وله مبتكرات كالمحصل والمباحث المشرقية والمطالب العالية والملخص في المنطق والحكمة وغيرها. وهذا المؤلفات تدل على اهتمامه بالعلوم الحكمية ومدى عنايته بها.
لم يكن الرازي مجرد شارح للفلاسفة اليونانيين، ولا مكررا لما قالوه بألفاظ عربية، بل كان شديد النقد لهم، وهو ما كان ليستطيع الرد عليهم لو لم يدرس فلسفتهم جيدا، حتى تكونت لديه ثقافة فلسفية عالية، وعقلانية جبارة فذة. لقد اعتبره البعض من المفكرين الأوائل الذين أسسوا حركة فلسفية معتبرة في الفكر الإسلامي، إذ تصرف في الأفكار اليونانية ووظف تلك الأفكار في بحوثه الصوفية بعد تطويرها، وكان يهاجم في الوقت نفسه مختلف النظريات الأرسطية بعنف. 117 وفي ذلك يقول الذهبي (ت 748 هـ): «وقد خالف الفلاسفة الذين أخذ عنهم هذا الفن.» وأما الصفدي (ت 764 هـ) فقد رد على من حاول التشكيك في فكر الرازي وعقيدته بسبب إيراده لشبه الفلاسفة في كتبه، لأنه زلزل قواعدهم ولأنه كلما ذكر لهم شبهة إلا وأردفها بنقد شديد، إما ليهدمها ويمحقها، وإما ليزلزل أركانها، كمسألة وجود الله تعالى أنه عين ذاته، وقد رد عليهم بأن الإنسان يعلم قطعا أنه تعالى موجود ولكنه لا يعلم ما هي ذاته، فلو كان وجوده عين ذاته لاستحال وقوع الشك في ذاته، ولاستحال القطع قي وجوده لأن الشيء لا يكون معلوما ومجهولا في نفس الوقت.
فهذا المثال يوضح أن الرازي من العلماء الذين قاوموا الفلسفة اليونانية من أجل حماية العقيدة الإسلامية من التشكيك والتشويه، مما جعله علما شامخا، لذلك لقي معارضة عنيفة من أنصار الفلسفة اليونانية كالطوسي (ت 672 هـ) بسبب حملته على الفلاسفة وبسبب بعض أفكاره التي يعارضهم بها جملة وتفصيلا، كمبدأ الضرورة وتفسيره للقرآن بطريقة علمية غير معهودة. والطوسي قد أشار في شرح المحصل إلى مخالفة الرازي لما هو مشهور عند الفلاسفة، زيادة على ما هم فيه يختلفون كاختلافه معهم في اصطلاح الرسم التام والناقص، وفي مسألة التصديق فإن مذهبه يقوم على أنه عبارة عن مجموع التصورات مع الحكم.
ويقول ابن خلدون (ت 808 هـ) في هذا الشأن: «ومن أراد الرد على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزالي والإمام ابن الخطيب.» وأما صدر الدين الشيرازي (1059 هـ) فقد أولى اهتماما كبيرا للمسائل التي رد فيها الرازي على الفلاسفة، كقولهم أن للطبائع العالية والسافلة غايات طبيعية ونهايات ذاتية، وهو قول يعارضهم فيه بالوجود الذهني لأن الآثار المخصوصة المطلوبة لا تحصل بفعل من الغاية، ولأن الداوفع الوهمية قد تكون سببا للتحريكات والتأثيرات الخارجية. و اعترض عليهم أَيْضًا في مسألة صدور الكثرة عن الواحد من حيث هو واحد، لأنه يستحيل أن يصدر أثران عن الواحد وهو ما لا يراه هو، لأنه لم يمنع أن يصدر أثران الواحد، واعترض عليهم أَيْضًا في قولهم بأن كل متحرك له محرك. هذا ويتعجب الشيرازي من إيراد الرازي للتشكيك في مسألة خروج الشيء من القوة إلى الفعل على التدريج لأن الحكماء متفقون على ذلك، ولأن العبرة بالاتفاق ليس حجة لأن الجماعات البشرية قد تتفق على أرذل الأشياء، ونظرا إلى ذلك فالتشكيك فيه قد يكون في محله طالما أن قولهم يحتمل الإشارة إلى عدم وجود الفاعل الحقيقي أو الانتقاص منه باعتبار أن الأشياء لما تخرج على التدريج تعني ذلك.
وأما اتهامه للرازي بالمباهاة عندما يشعر بأنه قد زلزل قوانين الفلسفة وهدم أصولها، فلا عيب في ذلك ما دام هذا الشعور كان شعورا بشريا ينتاب كل منتصر، ولا يصح أن نقبله عند من نرضى به ونرفضه عند من نخاصمه، خاصة في الأمور الطبيعية. والذي يراه ابن تيمية (ت 728 هـ) أن ما ألزم به الرازي الفلاسفة لا محيد عنه. لكنه تراجع في موضح آخر، حيث صنفه ضمن مجموعة العلماء المسلمين الذين ردوا على الفلاسفة بردود ضعيفة، ولم يصنفه ضمن مجموعة العلماء التي تضم عددا كبيرا من الأسماء، حيث اعتبر ردودهم أصح من ردود مجموعة الرازي. وقد أكد على تفضيله لهم لأن مناظرتهم للمتفلسفة خير من مناظرة أولئك. كما صنف ضمن مجموعة الرازي بعض الأشاعرة الآخرين كالشهرستاني (ت 548 هـ) والآمدي (ت 631 هـ). وهذا فيه إجحاف في حقهما لأنهما ساهما كثيرا في الرد على الفلاسفة، وفي الحقيقة أن ردود هؤلاء الثلاثة لا تقل أهمية عن ردود الأعلام المذكورين في المجموعة الثانية، ويشهد على ذلك ما تركوه من آثار في هذا الموضوع. والواقع أن ابن تيمية نفسه قد ملأ كتبه بردود الرازي بدل ردود من فضلهم عليه، وهذا ما يدعو إلى التعجب من مواقفه المتناقضة.
هذا وليس من الحكمة المفاضلة بين هؤلاء العلماء جميعا لأن كل واحد منهم يرد بحسب عصره ومقدار فهمه ومنطلقات مذهبه، كما أننا لا نستطيع تفضيل ردود المتقدمين على ردود المتأخرين، طالما أن المتأخرين على دراية بردود المتقدمين، ونظرا إلى هذا فمن الممكن أن يكون المتأخرون أفضل من المتقدمين لتراكم الخبرة واتضاح المسائل، وإلا فهم مثلهم على الأقل.
الرازي أشعري العقيدة، وقد رد على من يطعن في عقيدته ويتهمه بمخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة في خاتمة كتابه "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" بعد سرده لأسماء بعض كتبه التي قضى عمره في تصنيفها، يقول: «وهذه الكتب بأسرها تتضمن شرح أصول الدين وإبطال شبهات الفلاسفة وسائر المخالفين، وقد اعترف الموافقون والمخالفون أنه لم يصنف أحد من المتقدمين والمتأخرين مثل هذه المصنفات، وأما المصنفات الأخر التي صنفناها في علم آخر فلم نذكرها هنا، ومع هذا فإن الأعداء والحساد لا يزالون يطعنون فينا وفي ديننا، مع ما بذلنا من الجد والإجتهاد في نصرة اعتقاد أهل السنة والجماعة، ويعتقدون أني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي ولا مذهب أسلافي إلا مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون الخلق إلى الدين الحق، والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع. وليس العجب من طعن هؤلاء الأضداد الحساد، بل العجب من الأصحاب والأحباب كيف قعدوا عن نصري والرد على أعدائي؟! ومن المعلوم أنه لا يتيسر شيء من الأمور إلا بالمعاونه والمساعدة ولو أمكن ذلك من غير مساعدة لما كان كليم الله موسى بن عمران مع حججه الباهرة وبراهينه القاهرة يقول مخاطبا للرب سبحانه وتعالى: ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ يسر الله لنا ولكم التوفيق إلى الخيرات وصاننا عما يكون في الدنيا والعقبى سببا لاستحقاق العقوبات بمنه ولطفه والسلام.»
تفسير مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، الذي انتقده ابن تيمية قائلاً: «فيه كل شيء عدا التفسير» فرد عليه تقي الدين السبكي بقوله: «فيه كل شيء مع التفسير.»
كتاب تأسيس التقديس أو أساس التقديس/ تأليف شيخ المعقول والمنقول الإمام فخر الدين الرازي الذي انتقده ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية؛ ومعه رسالة في نفي الجهة للإمام شهاب الدين بن جهبل (ت. 733هـ) في الرد على ابن تيمية.
له كتب ومؤلفات كثيرة جداً في جميع علوم عصره، شملت فنون التفسير، والفقه، وأصوله، وعلم الكلام والفلسفة، والبلاغة، وغيرها، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية انها تصل لحوالي مائتي كتاب، منها:
التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب.
التفسير الصغير، أسرار التنزيل وأنوار التأويل.
تأسيس التقديس (أساس التقديس في علم الكلام)، مجلد، ألفه للسلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فبعث له عنه ألف دينار.
المطالب العالية من العلم الإلهي، في ثلاثة مجلدات، ولم يتمه، وهو من آخر تصانيفه.
محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين.
اعتقادات فرق المسلمين والمشركين.
المحصول في علم أصول الفقه.
المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات.
لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات.
معالم أصول الدين.
الأربعين في أصول الدين.
المسائل الخمسون في أصول الدين.
البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان.
المباحث العمادية في المطالب المعادية.
إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار.
نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز.
نهاية العقول في دراية الأصول، مجلدان.
مناقب الإمام الشافعي.
ترجيح مذهب الشافعي وأخباره.
النفس والروح وشرح قواهما في علم الأخلاق.
الانارات في شرح الإشارات.
لباب الاشارات والتنبيهات (شرح الإشارات والتنبيهات لابن سينا).
شرح كتاب عيون الحكمة لابن سينا.
فضائل الصحابة.
القضاء والقدر.
ذم الدنيا.
نفثة المصدور.
الرياض المونقة.
تعجيز الفلاسفة، بالفارسية.
اللطائف الغياثية.
البراهين البهائية، بالفارسية.
الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية، بالفارسية لكمال الدين محمد بن ميكائيل، عربها تاج الدين الأرموي.
رسالة الجوهر الفرد.
شرح كتاب المفصل للزمخشري في النحو، لم يتمه.
شرح نهج البلاغة، لم يتمه.
شرح ديوان المتنبي.
المشيخة الفخرية.
الملل والنحل.
إبطال القياس.
الخلق والبعث.
سراج القلوب.
الجامع الكبير، لم يتم، ويعرف أَيْضًا بكتاب الطب الكبير.
التشريح من الرأس إلى الحلق، لم يتمه.
الآيات البينات، في المنطق.
الملخص، في الفلسفة.
الأخلاق.
الفراسة.
الأشربة.
الرعاية.
الزبدة.
كتاب في الهندسة.
كتاب في النبض، مجلد.
كتاب في الرمل.
مسائل في الطب.
رسالة في النفس.
رسالة في النبوات.
رسالة في التنبيه على بعض الأسرار المودعة في بعض سور القرآن العظيم.
قصة السحر والسحرة في القرآن الكريم.
خلق القرآن بين المعتزلة وأهل السنة.
الكاشف عن أصول الدلائل وفصول العلل.
عجائب القرآن.
المناظرات العقدية.
منتخب كتاب دنكاوشا.
شفاء العي والخلاف أو شفاء العي من الخلاف.
عمدة الأنظار وزينة الأفكار.
الرسالة المحمدية.
الرسالة المجدية.
الرسالة الصاحبية.
مباحث الوجود.
مباحث الجدل.
مباحث الحدود.
الاختبارات السماوية.
الاختبارات العلائية.
الموسوم في السر المكتوم.
الطريقة العلائية في الخلاف، أربع مجلدات.
شرح مصادرات إقليدس.
شرح سقط الزند لأبي العلاء.
شرح الوجيز للغزالي، لم يتمه، حصل منه العبادات والنكاح في ثلاث مجلدات.
شرح كليات القانون، لم يتمه، وألفه للحكيم ثقة الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم السرخسي.
حدائق الأنوار في حقائق الأسرار: فيه موضوعات ستين علماً، ألفه للسلطان علاء الدين تكش الخوارزمي.
درة التنزيل وغرة التأويل (في الآيات المتشابهات). موجود منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية رقم 440. جاء في فهرس جوتا: درة التنزيل وغرة التأويل لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله الخطيب فخر الدين الرازي. وفي نسبة الكتاب إلى الفخر الرازي خطأ، إذ أن فخر الدين الرازي ليس هو محمد بن عبد الله الخطيب، وإنما هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الخطيب.
عصمة الأنبياء.
رسالة الحدوث.
الجمل في الكلام
تهذيب الدلائل وعيون المسائل.
المباحث المشرقية في العلم الإلهي.
المعالم، وهو آخر مصنفاته من الصغار.
وغيرها كثير في شتى العلوم والفنون. قال الداوودي في كتابه طبقات المفسرين: «ورزق سعادة في مصنفاته، وانتشرت في الآفاق، وأقبل الناس على الاشتغال بها.»
موقع هراة في أفغانستان حيث توفي الرازي
بعد أن لاقَى الفخر في حياته الحافلة ما لاقَى من أذى الخصوم من معتزلة وكرامية وشيعة وحشوية وسواهم، حط عصا الترحال في هراة وسكن الدار التي كان السلطان خوارزم شاه قد أهداه إياها وهناك لم يتركه خصوم يخلد إلى الراحة بعد ذلك الكدح الطويل وإنما استمروا يعملون للنيل منه ومن سمعته.
ومما يروى في هذا الباب إن الحشوية كانوا يرفعون له وهو في مجلس وعظه رقاعاً تتضمن شتمه ولعنه والطعن في عرضه حتى بلغ من فجورهم في الخصومة أن رفعوا إليه يوماً رقعة كتبوا فيها أن ابنه يفسق ويزني وإن امرأته كذلك فما كان منه إلا أن قال «إن هذه القصة تتضمن أن ابني يفسق ويزني وذلك مظنة الشباب فإنه شعبة من الجنون ونرجو من الله تعالى إصلاحه والتوبة وأما امرأتي فهذا شأن النساء إلا من عصمه الله وأنا شيخ ما في للنساء مستمتع هذا كله يمكن وقوعه وأما أنا فوالله لا قلت أن الباري -سبحانه وتعالى جسم ولا شبهته بخلقه ولا حيزته ولله الحمد أن ابني لا يقول إن الله جسم ولا يشبه به خلقه ولا زوجتي تعتقد في ذلك ولا غلامي فأي الفريقين أوضح سبيلاً ؟ »
واِشتدّ على الكرامية بخاصة ما كانوا يرونه من توقير السلاطين له وحضور بعضهم مجالس وعظه ومكانته لديهم خصوصاً بعد مجادلته مع شيخهم ابن القدوة، فلم يزل بينهم وبين الفخر من يومها السيف الأحمر فيعمدون للتخلص منه بكل وسيلة حتى قيل أنهم سموه أو دسوا له من سمه، وسواء كانوا أبرياء من هذه التهمة أم لا فإنهم فرحوا لدى وفاته فرحا شديداً، وكان ذلك في الأول من رمضان عام 606هــ الموافق عام 1209م في هراة ووذهب أكثر المؤرخين إلى أنه دفن في الجبل المجاور لقرية مزداخان القريبة من هراة وقيل بل دفن في بيته.
علوم القرآن هي العلوم المتعلقة بالقرآن من حيث نزوله وترتيبه، وجمعه وكتابته، وقراءاته وتجوي ...
148
---
عبدالقادر احمد عطا
---