سيرته
الولادة
ابن السِكّيت، ولد في دورق، بلدة من كور الأهواز في خوزستان، وانتقل مع أسرته إلى بغداد، ويرى آخرون بشيء من الشك أنه ولد ببغداد.
قيل إنّه ولد في سنة 186 هـ.
أبوه
كان أبوه عالما بالنحو واللغة والشعر أيضا، ويعدّ من أصحاب الكسائي. وكان توّاقا إلى تعلم ولده. وربما كان ذلك بعد هجرته إلى بغداد.
أساتذته
درس ابن السكيت على يد أساتذة منهم أبي عمرو الشيباني والفراء وابن الأعرابي والأثرم ونصران الخراساني وهم من مشاهير العلم والأدب آنذاك. وأمضى فترة مع البدو لتعليم اللغة العربية الفصيحة و"الأصلية"، كما كان سائدا آنذاك.
في بغداد
وعندما عاد إلى بغداد أخذ يختلف إلى العلماء، كما تولى مع أبيه تأديب صبيان العامة في درب القنطرة ببغداد، ثم انبرى لتعليم أولاد الوجهاء منهم أبناء المتوكل العباسي. ورغم اشتغاله بتدريس مختلف فروع الأدب كالنحو واللغة والشعر والرواية وعلوم القرآن، إلا أنّه لم ينصرف عن كسب العلم. ولم يلبث طويلا حتى التحق بركب علماء عصره كابن الأعرابي وأبي العباس ثعلب وأضحى من أبرز أهل اللغة والمنطق.
اللغة
و يرى ياقوت الحموي أنّه "لم يكن بعد ابن الأعرابي مثله بين اللغويين"، في حين يرى أبو الطيب اللغوي أن علم الكوفيين قد انتهى إليه، وأنّه أحسنُ تأليفا من ثعلب. أما ابن تغري بردي فقد نعته بالعلامة. ورغم الإطراء على علمه في اللغة، لكنّه اعتبر نفسه أعلم في النحو منه في اللغة. و لهذا يجب التريّث عند بعض التقارير التي أشارت إلى ضعفه، ومنها مناظرته أبا عثمان المازني بحضرة عبد الملك بن الزيات أو على قول بحضرة المتوكل ـ وتعرضه للتقريع بسبب إفحام المازني له، فمن الممكن أن تكون مختلقة وناجمة عن الصراعات المحتدمة آنذاك بين المدراس النحوية والطوائف الدينية.
فضله على الشعر
وفضلا عن نشاطاته الواسعة في النحو واللغة، فإنّه لعب دورا مهما في حركة جمع الشعر العربي وتدوينه، والتي بدأت قوية في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، واستمر نشاطه في البصرة والكوفة و بغداد حتى أواخر القرن الثالث الهجري. و كان تلميذا للأصمعي و أبي عبيدة معمر بن المثنى ـ اللذين كانا من روّأد هذه النهضة ـ وكان يروي عنهما، فبادر بعدهما إلى جمع الدواوين والآثار المبعثرة لكثير من الشعراء القدامى، لا سيما امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني والأعشى و عنترة بن شدّاد ورفة بن العبد وعمرو بن كلثوم وعدد كبير من شعراء العهد الأموي، و التي تعدّ من الذخائر النفيسة في الأدب العربي، وانتشلها من بحر النسيان والضياع. و فضلا عن جمعه لتلك الآثار، فقد اهتم أيضا بشرح وتفسير بعضها. وقلّما نجد ديوانا لم يروه (شفهيا أو تحريريا) أو يشرحه ويفسره. ويمكن القول وفقا لبعض الآراء إنّ له الحظ الوافر في هذا المضمار قياسا بأقرانه. وكان ينشد الشعر أيضا، وهو ما أثنى عليه الذهبي، وتضم آثار أبي حيان التوحيدي، والخطيب البغدادي، والشمشاطي، وابن خلكان، وابن شاكر، وأبي حيان الغرناطي عشرين بيتا له.
الحديث
كان ملتزما بالسنة النبوية والعقائد الدينية، لذلك ـ فضلا عن قيامه بجمع الشعر وتدوينه ـ انكب أيضا على نقل الروايات الدينية. و وصفه الذهبي بأنّه ديّن خيّر، و أشارت بعض المصادر أيضا إلى أنّه ضحّى بنفسه حبا لأهل البيت. وعدّه النجاشي من المتقدمين عند الإمامين محمد التقي وعلي النقي وكانا يختصانه، وأشار إلى روايته عن الإمام محمد التقي. وهناك روايات تتحدث عن لقائه بالإمام علي بن موسى الرضا. و كان راوية ثقة يعتمد عليه علماء الرجال.
من تعلم منه
قرأ عليه كثيرون أشهرهم أبو البشر البندنيجي، والحراني الذي قال إنه كتب عن ابن السكيت منذ سنة 225 هـ إلى أن قتل، وأبو سعيد السكري، وأبو عكرمة الضبي، وأبو حنيفة الدينوري. كما روى عنه جم غفير كأبي العباس ثعلب النحوي الشهير، وأحمد بن فرج المقريء، ومحمد بن عجلان الأخباري، وميمون بن هارون الكاتب.
في سامراء
عندما قدم سامراء حظي باهتمام عبد الله بن يحيى بن خاقان الذي سرعان ما أطلع المتوكل على مكانته العلمية، فضمّ إليه ولديه المؤيد والمعتز لتعليمها (الخطيب، ن.ص). رغم تحذير بعضهم له من الدخول إلى بلاط المتوكل، و ما ينسبه آخرون إليه من تعصب شيعي شديد، إلا أنّه أمضى فترة من حياته في ذلك البلاط، وذكر الذهبي أنّه كان يتقاضى ألفي درهم شهريا، فضلا عن الهدايا الثمينة التي كانت تمنح له بين فترة وأخرى، حتى إن المتوكل أمر له يوما بخمسين ألف درهم. و أخذ يزداد قربا من الخليفة حتى أصبح من ندمائه.
مقتله
أجمعت أكثر المصادر على أنّه قتل بسبب ما أعلنه من ولاء لآل علي أمام المتوكل حينما سأله: " من أحب إليك ابناي هذان (المعتز والمؤيد)، أم الحسن والحسين"، و رغم عمله بالتقية ، إلا أّنه فقد الإختيار فأجاب: "إن قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك"، فغضب المتوكل وأمر في الحال بسل لسانه من قفا. ولكن بعض المصادر تعزي قتله إلى عصيان الخليفة الذي أرغمه على شتم رجل من قريش.
و لا يستبعد أن تكون رواية قتله امتزجت بشيء من الأسطورة، والسبب الحقيقي لا يعدو أن يكون الصراعات الدينية ـ السياسية السائدة آنذاك وبشكل خاص الحرب التي أعلنها المتوكل ضد الشيعة. و من المحتمل أن تكون حادثة قتله قضية أعدّ لها من قبل، لا سيما وقد قيل أنّ المتوكل وجّه من الغد إلى ابنه عشرة آلاف درهم ديته. و ما أشير إليه أيضا من وجود جماعة تؤلّب المتوكل عليه. و هناك اختلاف في تاريخ وفاته بين 243 و244 و246 هـ.
وكان مقتله في الخامس من شهر رجب سنة 244 للهجرة.
مؤلفاته
مصنفاته المطبوعة
إصلاح المنطق، كتاب في اللغة ومن أشهر آثاره، وقد أثار من بعده اهتمام علماء اللغة وإطراءهم لفترة طويلة، وكان مرجعا لهم.
ضبط المؤلف في هذا الكتاب كثيرا من الكلمات العربية، وتناولها من حيث الصرف والفصاحة وعدم الفصاحة والندرة والشذوذ وغيرها. و يعدّ هذا الأثر من أكثر كتب اللغة اعتبارا، ويؤيد ذلك الشروح والتلخيصات الكثيرة التي كتبت عليه، تناول سزكين شروحه وتلخيصاته و الردود عليه بإسهاب طبع لأول مرة بالقاهرة (1368 هـ/ 1949 م) بتحقيق عبد السلام محمد هارون وأحمد محمد شاكر، ثم أعيد طبعه فيها أيضا عام 1956 م.
الأضداد، ويتناول شرح معاني الكلمات المتضادة، طبع ببيروت في 1912م مع أثرين آخرين للأصمعي والسجستاني بعنوان ثلاثة كتب في الأضداد بتحقيق أوغست هفنر، وأعيد طبعه فيها عام 1980 م.
الألفاظ، كتاب في الكلمات المتشابهة في 148 فصلا، وهو مبوّب موضوعيا كالغنى والخصب، الفقر والجدب، والجماعة، والكتائب و غيرها.
وأورد ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب أغلب فصوله دون الإشارة إلى الأثر واسم ابن السكيت. طبع ببيروت باسم تهذيب الألفاظ مع إضافات من نسخ مختلفة (1896ـ1898م). و للكتاب اسم آخر هو كنز الحفاظ، ويبدو أنه غير الكتاب الذي أورده الأزهري وبنفس الاسم وقال إنه يتألف من 30 مجلدا. وطبع شيخو مختصر تهذيب الألفاظ مع تعليقات ببيروت في 1897 م.
القلب والإبدال، طبع ببيروت في 1903م، عني بنشره أوغست هفنر، ثم طبع في لايبزيك عام 1905م ضمن مجموعة الكنز اللغوي في اللسن العربي، وفي القاهرة عام 1978 م باسم الإبدال بتحقيق محمد شرف.
شرح ديوان حطيئة، نشر لأول مرة بالقاهرة عام 1958م، وأعيد طبعه عام 1987م بتحقيق نعمان محمد أمين طه.
شرح ديوان الخنساء، طبع ببيروت عام 1986م بتحقيق لويس شيخو.
ديوان طرفة بن العبد برواية ابن السكيت، طبع بقازان عام 1909م، تحقيق أحمد بن الأمين الشنقيطي.
شرح ديوان عروة بن الورد، طبع لأول مرة بالقاهرة في 1923م ضمن مجموعة مشتملة على 5 دواوين، وأعيد طبعه بدمشق بتحقيق عبد المعمين الملوحي.
شرح ديوان قيس بن الخطيم، طبع في لاينزيك (1914م) تحقيق كوفالسكي.
شرح ديوان المزرد، طبع ونشر في بغداد (1962م) بتحقيق خليل إبراهيم عطية.
شرح ديوان النابغة الذبياني، طبع لأول مرة في بيروت (1968م) بتحقيق شكري فيصل، ثم في تونس (1976م) بتحقيق محمد طاهر بن عاشور.
كما طبع جزء من كتاب المثنى والمكنى باسم كتاب الحروف التي يتكلم بها في غير موضعها بتحقيق عبد التواب بالقاهرة عام 1969م.
مصنفاته المخطوطة
البحث، توجد 4 نسخه منه في دار الكتب بالقاهرة
المقصور والممدود، توجد نسخة منه بمكتبة عارف حكمت بالمدينة بكتابة أبي يوسف، ولم تتضح صحة انتسابه لابن السكيت
منطق الطير ومنطق الرياحين، توجد نسخة منه بمكتبة الروضة الرضوية.
بعض ما نسب إليه من الكتب
الإبل؛
الأجناس الكبير
كتاب الأرضين والجبال و الأودية
الأصوات
الأمثال
الأنساب
الأنواع
الأيام والليالي
البيان
التصغير
التوسعة في كلام العرب
خلق الإنسان
الدعاء
بعض ما قيل عنه
روى أبو عمر عن ثعلب، قال : «ما عرفنا لابن السكيت خربة قط» .
وقيل : إنه أدب مع أبيه الصبيان . وروى عن الأصمعي , و أبي عبيدة , و الفراء , وكتبه صحيحة نافعة .
قال ثعلب: «لم يكن له نفاذ في النحو، وكان يتشيع» . وقال أحمد بن عبيد : «شاورني يعقوب في منادمة المتوكل، فنهيته، فحمل قولي على الحسد، ولم ينته» .
وقيل : كان إليه المنتهى في اللغة، وأما التصريف فقد سأله المازني عن وزن " نكتل " , فقال : " نفعل " , فرده . فقال : " نفتعل " , فقال : أتكون أربعة أحرف وزنها خمسة أحرف ؟ فوقف يعقوب . فبين المازني أيين وزنه " نفتل " . فقال الوزير ابن الزيات: تأخذ كل شهر ألفين ولا تدري ما وزن " نكتل" ؟ فلما خرجا قال ابن السكيت للمازني : هل تدري ما صنعت بي ؟ فاعتذر .
ولابن السكيت شعر جيد .
قال ابن السكيت : «كتب رجل إلى صديق له : قد عَرَضْتُ حاجة إليك، فإن نجحتْ فالفاني منها حظي، والباقي حظك . وإن تعذرت فالخير مظنون بك، والعذر مقدم لك، والسلام» .
قال ثعلب : «أجمعوا أنه لم يكن أحد بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت . وكان المتوكل قد ألزمه تأديب ولده المعتز , فلما حضر، قال له ابن السكيت : بم تحب أن تبدأ ؟ قال : بالانصراف» .
قال : فأقوم . قال المعتز : فأنا أخف منك، وبادر، فعثر، فسقط وخجل، فقال يعقوب :
يمــوت الفتــى مـن عـثرةٍ بلسـانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجْلِ
فـعثرتُــه بــالقول تُــذهب رأســه وعثرته بالرِّجـْلِ تبرا علـى مَهـْلِ
قيل : كتاب " إصلاح المنطق " كتاب بلا خُطبة، وكتاب " أدب الكاتب " خُطبة بلا كتاب .
قال أبو سهل بن زياد :«سمعت ثعلبا يقول : عدي بن زيد العبادي أمير المؤمنين في اللغة . وكان يقول : قريبا من ذلك في ابن السكيت . قلت : " إصلاح المنطق " كتاب نفيس مشكور في اللغة» .
ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت - ت أمين طه ...
447
1407هـ - 1987م
نعمان محمد امير طه
---