Main Menu

محمد بن المثنى التميمي البصري أبو عبيدة

  • Country العراق

سيرته
ذكر أبو بكر بن الخطيب أنه ولد سنة عشر ومائة، في الليلة التي مات فيها الحسن البصري.

قدم بغداد وقرئ عليه أشياء من كتبه. قال محمد بن يحيى الصولي: إسحاق بن إبراهيم الموصلي، هو الذي أقدم أبا عبيدة من البصرة، سأله الفضل بن الربيع أن يقدمه، فورد أبو عبيدة سنة ثمان وثمانين ومائة بغداد، فأخذ عنه وعن الأصمعي علماً كثيراً. وعن الكديمي قال: قال رجل لأبي عبيدة: يا أبا عبيدة، قد ذكرت الناس وطعنت في أنسابهم، فبالله تعالى إلاّ ما عرفتني من أبوك، وما أصله؟ فقال: حدثني أبي أن أباه كان يهودياً. وقال المبرد: قال التوزي: سألت أبا عبيدة عن قول الشاعر:

وأضحت رسوم الدار قفراً كأنها كتاب محاه الباهلي بن أصمعا
فقال: هذا يقوله في جد الأصمعي. قال التوزي: فسألت الأصمعي عن ذلك فتغير وجهه، وقال: هذا كتاب عثمان ورد على عبد الله بن عامر، فلم يجد من يقرؤه إلا جدي. وقال المبرد: قال أبو عبيدة: لما حملت أنا والأصمعي إلى الرشيد تغدينا عند الفضل بن يحيى، فجاءوا بأطعمة ما سمعت بها قط، وإذا بين يدي الأصمعي سمك كنعد وكامخ، فقال: كل من هذا يا أبا عبيدة، فإنه كامخ طيب، فقلت: والله ما فررت من البصرة إلاّ من الكامخ والكنعد. وقيل: إن الرشيد أقدم أبا عبيدة، وقرأ عليه بعض كتبه.

وقال أبو عثمان المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: دخلت على الرشيد، فقال لي: يا معمر، بلغني أن عندك كتاباً حسناً في صفة الخيل، أحب أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ يحضر فرس، ونضع أيدينا على عضو عضو، ونسميه، ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام، أحضر فرسي، فقام الأصمعي فوضع يده على عضو عضو، ويقول: هذا كذا، قال الشاعر فيه كذا، حتى انقضى قوله. فقال الرشيد: ما تقول فيما قال؟ قال: قلت: قد أصاب في بعض وأخطأ في بعض، والذي أصاب فيه شيء نعلمه، والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به! وقال عبد الله بن عمرو بن لقيط: لما خبر أبو نواس بأن الخليفة يجمع بين الأصمعي وأبي عبيدة، قال: أما أبو عبيدة فعالم؛ ما يزال مع أسفاره يقرؤها، والأصمعي بمنزلة بلبل في قفص، يسمع من نغمه لحوناً، ويرى كل وقت من ملحه فنوناً.

وزعم الباهلي صاحب المعاني أن طلبة العلم كانوا إذا أتوا مجلس الأصمعي اشتروا البعر في سوق الدر، وإذا أتوا أبا عبيدة اشتروا الدر في سوق البعر -يعني أن الأصمعي كان صاحب عبارة حسنة، وأن أبا عبيدة كان صاحب عبارة سيئة. وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: حضرت أبا عبيدة في بعض الأيام فأخطأ في موضعين، قال: "شِلت الحجر"، وإنما هو "شُلت" بضم الشين، ثم أنشد:

شلت بدا فارية فرتها
فضم الشين وإنما هو فتحها.
وكان أبو عبيدة ينشد قول حاجب بن زرارة يوم جبلة:

شتان هذا العناق والنوم ... والمشرب البارد في ظل الدوم
وكان الأصمعي ينكر عليه، ويقول: ما ابن الصباغ وهذا! وأنى لأهل نجد دوم، والدوم شجر المقل، وهو يكون بالحجاز، وحاجب نجدي، فأنى له دوم! وكان الأصمعي ينشده "في الظل الدوم"، أي الدائم، كما يقال: رجل زور، أي زائر.

يروى أنه قيل لأبي عبيدة: أن الأصمعي يقول: بينا أبى يساير سلم بن قتيبة على فرس له. فقال أبو عبيدة: سبحان الله والحمد لله والله أكبر المتشبع بما لم يؤت كلابس ثوبي زور والله ما ملك أبو الأصمعي قط دابة إلا في ثوبه. وحمل أبو عبيدة والأصمعي إلى الرشيد فاختار الأصمعي لمجالسته لأنه كان أحسن منشأ منه وأصلح لمجالسة الملوك. والتوزي عن أبي عبيدة قال سمعت ابن دأب يقول: فخرج حمزة كأنه جملٌ محجوم. فصاح به صائح، يا أبا الوليد ما المحجوم؟ قال الذي به عضاض. قال: فرفعت رأسي فقلت له: للمحجوم ثلاثة مواضع اخترت لحمزة شرها. قال أبو العباس: الحجم حجم الشيء الذي له لَمْس يقال رأيتُ حجم صرته فعلمت ما فيها أي لمستها. قال أبو العباس وثلاثة المواضع التي يحتمل المحجوم أحدها هو الذي له جسم ولحم يقال جمل محجوم إذا كان جسيماً والمحجوم الذي كان المحجم على فيه يمنعه من الكلام، والمحجوم من العضاض

وقال بعضهم: كان الطلبة إذا أتوا مجلس الأصمعي اشتروا البعر في سوق الدر، وإذا أتوا مجلس أبي عبيدة اشتروا الدرّ في سوق البعر، لأن الأصمعي كان حسن الانشاء والزخرفة قليل الفائدة، وأبو عبيدة بضدّ ذلك.

وقال يزيد بن مرة: كان أبو عبيدة ما يفتّش عن علم من العلوم إلا كان من يفتشه عنه يظنّ أنه لا يحسن غيره ولا يقوم بشيء أجود من قيامه به، قال أبو حاتم: وكان مع علمه إذا قرأ البيت لم يقم إعرابه وينشده مختلف العروض.

وقال ابن قتيبة: كان الغريب أغلب عليه وأيام العرب وأخبارها.

وحدث الصولي عن محمد بن سعيد عن عيسى بن إسماعيل قال: جلس أبان بن عبد الحميد اللاحقي ليلة في قوم فثلب أبا عبيدة فقال: يقدح في الأنساب ولا نسب له، فبلغ ذلك أبا عبيدة فقال في مجلسه: لقد أغفل السلطان كلّ شيء حين أغفل أخذ الجزية من أبان اللاحقي، وهو وأهله يهود، وهذه منازلهم فيها أسفار التوراة وليس فيها مصحف، وأوضح دلالة على يهوديتهم أن أكثرهم يدّعي حفظ التوراة ولا يحفظ من القرآن ما يصلي به، فبلغ ذلك أبان فقال: لا تنمّنّ عن صديق حديثا ... واستعذ من تسرّر النّمام

واخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام وحكى أبو الحسن الأسدي قال: حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه قال: أنشدت الفضل بن الربيع أبياتا كان الأصمعي أنشدنيها في صفة فرس وهي:

كأنه في الجلّ وهو سام ... مشتمل جاء من الحمّام
يسور بين السرج واللجام ... سور القطا خفّ الى اليمام
قال: ودخل الأصمعي فسمعني أنشدها فقال: هات بقيتها، فقلت: ألم تقل إنه لم يبق منها شيء؟ فقال: ما بقي منها إلا عيونها، ثم أنشد بعدها ثلاثين بيتا فغاظني فعله، فلما خرج عرّفت الفضل بن الربيع قلة شكره لعارفة وبخله بما عنده، ووصفت له فضل أبي عبيدة معمر بن المثنى وعلمه ونزاهته وبذله ما عنده واشتماله على جميع علوم العرب، ورغّبته فيه حتى أنفذ إليه مالا جليلا واستقدمه، فكنت سبب مجيئه من البصرة.

وقال أبو عثمان المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: أدخلت على الرشيد فقال لي: يا معمر بلغني أن عندك كتابا حسنا في صفة الخيل أحبّ أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ يحضر فرس ونضع أيدينا على عضو عضو ونسميه ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام أحضر فرسي، فقام الأصمعي فوضع يده على عضو عضو وجعل يقول هذا كذا، قال الشاعر فيه كذا، حتى انقضى قوله، فقال لي الرشيد: ما تقول فيما قال؟ فقلت: قد أصاب في بعض وأخطأ في بعض، والذي أصاب فيه شيء نعلمه والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به. وكان الأصمعي: إذا أراد الدخول إلى المسجد قال: انظروا لا يكون فيه ذاك- يعني أبا عبيدة- خوفا من لسانه . (7)

شيوخه
روى عن: هشام بن عروة، وأبي عمرو بن العلاء المقرئ، ورؤبة بن العجاج الراجز، وأعين بن لبطه بن همام بن غالب المجاشعي، وغيلان بن محمد اليافعي، ويونس بن حبيب النحوي وجماعة.

تلاميذه
روى عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عثمان بكر بن محمد المازني، وأبو حاتم سهل بن محمد السجستاني، وأبو الحسن علي بن المغيرة الأثرم، وأبو زيد عمر بن شبة النميري، وقيس بن حفص الدارمي، وغيرهم.

تصانيفه
كانت تصانيفه تقارب مائتي مصنف منها: كتاب مجاز القرآن. كتاب غريب القرآن. كتاب معاني القرآن. كتاب غريب الحديث. كتاب مقتل عثمان. كتاب أخبار الحَجّاج. كتاب فضائل الفرس. كتاب الحدود. كتاب التاج. كتاب الديباج. كتاب الانسان. كتاب الزرع. كتاب الجمع والتثنية. كتاب الفرس. كتاب اللجام. كتاب السرج. كتاب الإبل. كتاب الرحل. كتاب البازي. كتاب الحمام. كتاب الحيات. كتاب العقارب. كتاب الخيل. كتاب السيف. كتاب حضر الخيل. كتاب الخف. كتاب اللغات. كتاب الأضداد. كتاب الفرق. كتاب ما تلحن فيه العامة. كتاب الابدال. كتاب القرائن. كتاب أشعار القبائل. كتاب أسماء الخيل. كتاب الأمثال السائرة. كتاب الدلو. كتاب البكرة. كتاب نقائض جرير والفرزدق. كتاب المعاتبات. كتاب الملاومات. كتاب من شكر من العمال وحمد. كتاب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب. كتاب العفة. كتاب فعل وأفعل. كتاب الشوارد. كتاب أدعية العرب. كتاب بيوتات العرب. كتاب أيام بني مازن وأخبارهم. كتاب القبائل. كتاب إياد الأزد. كتاب الضيفان. كتاب مقاتل الفرسان. كتاب مقاتل الأشراف. طبقات الفرسان. كتاب الغارات. كتاب المنافرات. كتاب بيان باهلة. كتاب مآثر العرب. كتاب مثالب العرب. كتاب مآثر غطفان. كتاب النواكح. كتاب النواشز. كتاب لصوص العرب. كتاب الأيام الكبير. كتاب الأيام الصغير. كتاب الحمس من قريش. كتاب خبر البرّاض. كتاب قصة الكعبة. كتاب الأوس والخزرج. كتاب الموالي. كتاب الاحتلام. كتاب خلق الانسان. كتاب البله. فتوح الأهواز. كتاب خوارج البحرين واليمامة. كتاب السواد وفتحه. كتاب خراسان. كتاب مقتل عثمان. أخبار الحجاج. كتاب مرج راهط. كتاب الأعيان. كتاب الجمل وصفين. كتاب مكة والحرم. كتاب فضائل الفرس. كتاب قضاة البصرة، وغير ذلك في اللُّغات والأخبار والأيّام . (8)

ولم يزل يصنف حتى مات؛ وتصانيفه تقارب مائتي تصنيف، فمنها: كتاب "مجاز القرآن الكريم"

كتاب غريب القرآن
كتاب معاني القرآن
كتاب غريب الحديث
كتاب الديباج
كتاب التاج
كتاب الحدود وكتاب خراسان
كتاب خوارج البحرين واليمامة
كتاب الموالي
كتاب البله وكتاب الضيفان
كتاب مرج راهط
كتاب المنافرات
كتاب القبائل
كتاب خبر البراض
كتاب القرائن
كتاب البيازي
كتاب الحمام
كتاب الحيات
كتاب العقارب
كتاب النواكح
كتاب النواشز
كتاب حضر الخيل
كتاب الأعيان
كتاب بيان بالهلة،
كتاب أيادي الأزد
وكتاب الخيل
كتاب الإبل
كتاب الإنسان
كتاب الزرع
كتاب الرحل، وكتاب الدلو، وكتاب البكرة، وكتاب السرج، وكتاب اللجام، وكتاب الفرس، وكتاب السيف، وكتاب الشوارد، وكتاب الاحتلام وكتاب مقاتل الفرسان، وكتاب مقاتل الأشراف، وكتاب الشعر والشعراء ، وكتاب فعل وأفعل، وكتاب المثالب، وكتاب خلق الإنسان، وكتاب الفرق، وكتاب الخف، وكتاب مكة والحرم، وكتاب الجمل، وصفين، وكتاب بيوتات العرب، وكتاب اللغات، وكتاب الغازات، وكتاب المعاتبات، وكتاب الملاومات، وكتاب الأضداد، وكتاب مآثر العرب
كتاب مآثر غطفان
كتاب أدعية العرب، وكتاب مقتل عثمان رضي الله عنه، وكتاب أسماء الخيل
كتاب العققة
كتاب قضاة البصرة
كتاب فتوح الأهواز
كتاب فتوح أرمينية
كتاب لصوص العرب
كتاب أخبار الحجاج ،
كتاب قصة الكعبة،
كتاب الحمس من قريش،
كتاب فضائل الفُرس ،
كتاب ما تلحن فيه العامة،
كتاب السواد وفتحه
كتاب من شكر العمال وحمد
كتاب الجمع والتثنية
كتاب المجلة الأولى والثانية،
كتاب البيضة،
كتاب الأوس والخزرج
كتاب محمد وإبراهيم ابني عبد الله ابن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
كتاب الأيام الصغير، خمسة وسبعون يوماً
كتاب الأيام الكبير، ألف ومائتا يوم
كتاب أيام بني مازن وأخبارهم
وغير ذلك من الكتب النافعة.

ولما جمع كتاب المثالب، قال له رجل مطعون النسب: بلغني أنك عبت العرب جميعها، فقال: وما يضرك أنت من ذلك برئ، يعني أنه ليس منهم

وقال أبو عبيدة: لما قدمت على الفضل بن الربيع قال لي: من أشعر الناس فقلت: الراعي، قال: وكيف فضلته على غيره فقلت: لأنه ورد على سعيد ابن عبد الرحمن الأموي فوصله في يومه الذي لقيه فيه وصرفه، فقال يصف حاله معه:

وأنضاء تحن إلى سعيد طروقاً ثم عجلن ابتكارا
حمدن مناخه وأصبن منه عطاء لم يكن عدة ضمارا
فقال الفضل: ما أحسن ما اقتضيتنا يا أبا عبيدة، ثم غدا إلى هارون الرشيد فأخرج لي صلة، وأمر لي بشيء من ماله وصرفني.

وكان أبو عبيدة من موالي بنيعبيد الله بن معمر التيمي، وقال له بعض الأجلاء: تقع في الناس فمن أبوك فقال: أخبرني أبي عن أبيه أنه كان يهودياً من أهل باجروان، فمضى الرجل وتركه. وكان أبو عبيدة جباهاً، لم يكن بالبصرة أحد إلا وهو يداجيه ويتقيه على عرضه؛ وخرج إلى بلاد فارس قاصداً موسى بن عبد الرحمن الهلالي، فلما قدم عليه قال لغلمانه: احترزوا من أبي عبيدة، فإن كلامه كله دق، ثم حضر الطعام فصب بعض الغلمان على ذيله مرقة، فقال له موسى: قد أصاب ثوبك مرق، وأنا أعطيك عوضه عشر ثياب، فقال أبو عبيدة: لا عليك، فإن مرقكم لا يؤذي، أي ما فيه دهن، ففطن لها موسى وسكت.

وكان الأصمعي إذا أراد دخول المسجد قال: انظروا لا يكون فيه ذاك، يعني أبا عبيدة، خوفاً من لسانه، فلما مات لم يحضر جنازته أحد، لأنه لم يكن يسلم من لسانه شريف ولا غيره. وكان وسخاً ألثغ مدخول النسب مدخول الدين يميل إلى مذهب الخوارج، قال أبو حاتم السجستاني: كان أبو عبيدة يكرمني على أنني من خوارج سجستان. وقال الثوري: دخلت المسجد على أبي عبيدة، وهو ينكت الأرض جالساً وحده فقال لي: من القائل:

أقول لها وقد جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
فقلت له: قطري بن الفجاءة، فقال: فض الله فاك! هلا قلت: هو لأمير المؤمنين أبي نعامة، ثم قال لي: اجلس، واكتم على ما سمعت مني، قال: فما ذكرته حتى مات. قلت أنا: وهذه الحكاية فيها نظر، لأن البيت من جملة أبيات لعمرو ابن الإطنابة الخزرجي الأنصاري، والإطنابة أمه، وسام أبيه زيد مناة، لا يكاد يخالف فيه أحد من أهل الأدب، فإنها أبيات مشهورة للشاعر المذكور.

وذكر المبرد في كتاب الكامل أن معاوية بن أبي سفيان الأموي قال: اجعلوا الشعر أكبر همكم وأكثر آدابكم، فإن فيه مآثر أسلافكم، ومواضع إرشادكم، فلقد رأيتني يوم الهرير وقد عزمت على الفرار فما ردني، إلا قول ابن الإطنابة الأنصاري:

أبت لي عفتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإجشامي على المكروه نفسي وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صريح رجعنا إلى حديث أبي عبيدة:

وكان لا يقبل شهادته أحد من الحكام أنه كان يتهم بالميل إلى الغلمان؛ قال الأصمعي: دخلت أنا وأبو عبيدة يوماً المسجد، فإذا على الأسطوانة التي يجلس إليها أبو عبيدة مكتوب على نحو من سبعة أذرع:

صلى الإله على لوط وشيعته ... أبا عبيدة قل بالله أمينا

فقال لي: يا أصمعي، امح هذا، فركبت على ظهره ومحوته بعد أن أثقلته إلى أن قال: أثقلتني وقطعت ظهري، فقلت له: قد بقيت الطاء، فقال: هي شر حروف هذا البيت؛ وقيل إنه لما ركب ظهره وأثقله قال له: عجل، فقال: قد بقي لوط، فقال: من هذا نفر. وكان الذي كتب البيت أبو نواس الحسن بن هانئ المقدم ذكره.

وقيل إنه وجدت رقاع في مجلس أبي عبيدة هذا البيت فيها، وبعده:

فأنت عندي بلا شك بقيتهم ... منذ احتملت وقد جاوزت سبعينا

وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار في باب الأسماء والكنى والأقاب: سأل رجل أباعبيدة عن اسم رجل، فما عرفه، فقال كيسان: أنا أعرف الناس به، هو: خداش، أو خراش أو رياش أو شيء آخر، فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته! فقال: إي والله، وهو قرشي أيضاً، قال: فما يدريك قال: أما ترى كيف احتوشته الشينات من كل جانب.

وأخبار أبي عبيدة كثيرة؛ وكانت ولادته في رجب سنة عشر ومائة، في الليلة التي توفي فيها الحسن البصري، رضي الله عنه، وقد تقدم ذكره، وقيل في سنة إحدى عشرة ومائة، وقيل أربع عشرة، وقيل ثمان، وقيل تسع، والأول أصح؛ والذي يدل عليه أن الأمير جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه سأله عن مولده فقال: قد سبقني إلى الجواب عن مثل هذا عمر بن أبي ربيعة المخزومي وقد قيل له: متى ولدت فقال: في الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأي خير رفع وأي شر وضع وإني ولدت في الليلة التي مات فيها الحسن البصري وجوابي جواب عمر بن أبي ربعة. وقد تقدم في ترجمة ابن أبي ربيعة هذا الجواب منسوباً إلى الحسن البصري رضي الله عنه، فلينظر هناك؛

مجاز القرآن
سبب تأليف "مجاز القرآن": قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه فقدمت عليه فدخلت وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية، لا يرتقي إليها إلا على كرسي- وهو جالس عليها- فسلمت بالوزارة، فرد وضحك إلي واستدناني، حتى جلست وسألني وبسطني وألطفني، وقَالَ: أنشدني، فأنشدته من عيون أشعار أحفظها جاهلية فَقَالَ: قد عرفت أكثر هذه، وأريد من صلح الشعر. فأنشدته، فطرب وضحك، وزاد نشاطه، ثم دخل رجل في زي الكتاب له هيئة فأجلسه إلى جانبي، وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا. قَالَ: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا. وقال لي: إني كنت إليك لمشتاق، وقد كنت سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟ قلت: هات. قال: قوله تعالى: (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّياطِينِ) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف. فَقَالَ: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس: أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما كَانَ أمر الغول يهولهم أوعدوا به، فاستحسن الفضل ذَلِكَ. واستحسنه السائل أيضا واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا وأشباهه، فلما رجعت عملت كتابي الذي سميته «المجاز» . • موقف بعض اللغويين من كتاب المجاز: قال سلمة : سمعت الفراء يقول لرجل: لو حمل إليّ أبو عبيدة لضربته عشرين في «كتاب المجاز». بلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب عليه تأليفه كتاب «المجاز» في القرآن وأنه قَالَ: يفسر كتاب الله برأيه. قال: فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هُوَ؟ فركب حماره في ذلك اليوم ومر بحلقة الأصمعي فنزل عَن حماره، وسلم عليه، وجلس عنده وحادثه، ثم قال لَهُ: يا أبا سعيد، ما تقول في الخبز، أي شيء هُوَ؟ قال: هو هذا الذي نأكله ونخبزه، فقال له أبو عبيدة: قد فسرت كتاب الله برأيك، فإن الله تعالى يَقُولُ: (أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً) فقال الأصمعي: هذا شيء بان لي فقلته، لم أفسره برأيي. فقال أبو عبيدة: والذي تعيب علينا كله شيء بان لنا فقلناه ولم نفسره برأينا. ثم قام فركب حماره وانصرف.

نماذج من تفسيره
قال –رحمه الله- في تفسير سورة المسد: («سورة تبّت» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» (1) أبو لهب.. «ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ سَيَصْلى» (2- 3) سيصلى «ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ» (3- 4) أيضا ستصلى. «حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» (4) وكان عيسى بن عمر يقول: حمّالة الحطب نصب، يقول: هو ذم لها. «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» (6) من النار والمسد عند العرب حبال يكون من ضروب. ومسد أمر عن أيانق ... صهب عناق ذات منح زاهق) .

وفاته
وتوفي سنة تسع ومائتين بالبصرة وقيل سنة إحدى عشرة، وقيل سنة عشر، وقيل ثلاث عشرة ومائتين رحمه الله تعالى. وكان سبب موته أن محمد بن القاسم بن سهل النوشجاني أطعمه موزاً فمات منه، ثم أتاه أبو العتاهية فقدم إليه موزاً، فقال له: ما هذا يا أبا جعفر قتلت أبا عبيدة بالموز، وتريد أن تقتلني به لقد استحليت قتل العلماء!

وأبو عبيدة: بضم العين المهملة وإثبات الهاء في آخره، بخلاف القاسم بن سلام المقدم ذكره فإنه أبو عبيدة، بغير هاء. ومعمر: بفتح الميمين بينهما عين مهملة وفي آخره الراء. والمثنى: بضم الميم وفتح الثاء المثلثة وتشديد النون المفتوحة وفي آخره ياء مثناة من تحتها. وباجروان التي والده منها: بفتح الباء الموحدة وبعد الألف جيم مفتوحة ثم راء ساكنة وبعدها واو مفتوحة وبعد الألف نون، وهو اسم لقرية من بلاد البليخ من أعمال الرقة، واسم المدينة بنواحي أرمينية من أعمالشروان عندها - فيما قيل - عين الحياة التي وجدها الخضر عليه السلام، وغالب ظني أن أبا عبيدة من هذه المدينة. وقيل إن باجروان اسم للقرية التي استطعم أهلهاموسى والخضر عليهما السلام. والنوشجاني: بضم النون وسكون الواو والشين المعجمة وفتح الجيم وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى نوشجان، وهي بلدة من بلاد فارس ، والله تعالى أعلم بالصواب.

أقوال النحاة فيه
قال الجاحظ في حقه: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه.
وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف (4) : كان الغريب أغلب عليه وأخبار العرب وأيامها، وكان مع معرفته ربما لم يقم البيت إذا أنشده حتى يكسره، وكان يخطئ إذا قرأ القرآن الكريم نظراً، وكان يبغض العرب، وألف في مثالبها كتباً، وكان يرى رأي الخوارج.
وقال غيره: إن هارون الرشيد أقدمه من البصرة إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائة، وقرأ عليه بها أشياء من كتبه، وأسند الحديث إلى هشام بن عروة وغيره، وروى عنه علي بن المغيرة الأثرم و أبو عبد القاسم بن سلام، وأبو عثمان المازني أبو حاتم السجستاني وعمر بن شبة النميري، وغيرهم.

وقال أبو عبيدة: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه، فقدمت عليه، وكنت أخبر عن تجبره، فأذن لي، فدخلت عليه وهو في مجلس طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عاليةلايرتقى عليها إلابكرسي وهو جالس على الفرش، فسلمت عليه بالوزارة، فرد وضحك إلي واستد ناني حتى جلست معه على فرشه، ثم سألني وبسطني وتلطف بي وقال: أنشدني، فأنشدته من عيون أشعار أحفظها جاهلية، فقال لي: قد عرفت أكثر هذه وأريد من ملح الشعر، فأنشدته، فطرب وضحك وزاد نشاطاً، ثم دخل رجل في زي الكتاب وله هيئة حسنة، فأجلسه إلى جانبي، وقال له: أتعرف هذا قال: لا، فقال: هذاأبو عبيدة علامة أهل البصرة أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا الرجل وقرظه لفعله هذا، ثم التفت إلي وقال لي: كنت إليك مشتاقاً، وقد سئلت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفك إياها قلت: هات، فقال: قال الله تعالى " طلعها كأنه رءوس الشياطين " الصافات: - 65 - ، وإنما يقع الوعد والايعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف، قال: فقلت: إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة رزق كأنياب أغوال

وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به، فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل، وأزمعت منذ ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن لمثل هذا وأشباهه، ولما يحتاج إليه من علمه، ولما رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سميته المجاز وسألت عن الرجل فقيل لي: هو من كتاب الوزير وجلسائه.

وقال أبو عثمان المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: أدخلت على هارون الرشيد قال لي: يا معمر، بلغني أن عندك كتاباً حسناً في صفة الخيل أحب أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتب يحضر فرس ونضع أيدينا على عضو عضو منه ونسميه ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام، فرس، فأحضر فرس فقام الاصمعي فجعل يضع يده على عضو عضو منه ويقول: هذا كذا، قال فيه الشاعر كذا، حتى انقضى قوله، فقال لي الرشيد: ما تقول فيما قال فقلت: أصاب في بعض وأخطأ في بعض، والذي أصاب فيه مني تعلمه، والذي أخطأ فيه ما أدري من أين أتى به.

وبلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب عليه كتاب المجاز، فقال: يتكلم في كتاب الله تعالى برأيه؛ فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو، فركب حماره في ذلك اليوم ومر بحلقته، فنزل عن حماره وسلم عليه، وجلس عنده وحادثه ثم قال له: أبا سعيد، ما تقول في الخبز، أي شيء هو فقال: هو الذي تخبزه وتأكله، فقال أبو عبيدة: فقد فسرت كتاب الله تعالى برأيك، فإن الله تعالى قال: وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً يوسف: - 26 - ،فقال الأصمعي: هذا شيء بان لي فقلته ولم أفسره برأيي، فقال أبو عبيدة: والذي تعيب علينا كله شيء بان لنا فقلناه ولم نفسره برأينا، وقام فركب حماره وانصرف.

وزعم الباهلي صاحب كتاب المعاني أن طلبة العلم كانوا إذا أتو مجلس الأصمعي اشتروا البعر في سوق الدر، وإذا أتوا مجلس أبي عبيدة اشتروا الدر في سوق البعر، لأن الأصمعي كان حسن الانشاد والزخرفة لردئ الأخبار والأشعار حتى يحسن عنده القبح، وإن الفائدة عنده مع ذلك قليلة، وإن أبا عبيدة كان معه سوء عبارة مع فوائد كثيرة وعلوم جمة، ولم يكن أبو عبيدة يفسر الشعر.

وقال المبرد: كان أبو زيد الأنصاري أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو، وكانا بعده يتقاربان، وكان أبو عبيدة أكمل القوم، وكان علي بن المديني يحسن ذكر أبي عبيدة ويصحح روايته، وقال: كان لا يحكي عن العرب إلا الشيءالصحيح. وحمل أو عبيدة والأصمعي إلى هارون الرشيد للمجالسة، فاختار الأصمعي لأنه كان أصلح للمنادمة.

وكان أبو نواس يتعلم من أبي عبيدة ويصفه ويشنأ الأصمعي ويهجره، فقيل له: ما تقول في الأصمعي فقال: بلبل في قفص، قيل له: فما تقول في خلف الأحمر فقال: جمع علوم الناس وفهمها، قيل: فما تقول في أبي عبيدة فقال: ذاك أديم طوي على علم.

وقال إسحاق بن إبراهيم النديم الموصلي يخاطب الفضل بن الربيع، يمدح أبا عبيدة ويذم الأصمعي:

عليك أبي عبيدة فاصطنعه ... فإن العلم عند أبي عبيده

وقدمه وآثر علي ... ودع عنه القريد بن القريده وكان أبو عبيدة إذا أنشد بيتاً لا يقيم وزنه، وإذا تحدث أو قرأ لحن عتماداً منه لذلك، ويقول: النحو محدود.

 

محمد بن المثنى التميمي البصري أبو عبيدة

Books 1

نقائض جرير والفرزدق

نقائض جرير والفرزدق

نقائض جرير والفرزدق ...

Categories: البلاغة, الأدب, اللغة العربية

Publisher: دار الكتب العلمية

Number of Pages: 3 ملفات

Year of Publication: 1419 - 1998

Book Checker: خليل عمران المنصور

Book Translator: ---