سيرته وحياته
لم تذكر كتب التراجم شيئًا عن مكان أسرته، أو مستواها الثقافي أو الاجتماعي، فكل ما وصل إلينا يومئ إلى أنه كان من أسرة فارسية. وقد أغفلت كتب التراجم السنة التي ولد فيها سيبويه، غير أن بعض الباحثين ذهبوا إلى أنه ولد في سنة 148هـ، وقيل غير ذلك. وُلد سيبويه في قرية البيضاء في بلاد فارس. نشأ سيبويه بالبصرة بعد أن رحلت أسرته من بلاد فارس إليها، وهو مولى بني الحارث بن كعب، وقيل مولى آل الربيع بن زياد، سميّ سيبويه لان أمه كانت ترقصه وتقول له ذلك، ومعنى سيبويه رائحة التفاح، وقيل بل لأنه كان شابًا نظيفًا جميلًا أبيضًا مشربًا بحمرة كأن خدوده لون التفاح وذلك يقال له سيبويه لأن التفاح سيب أو لأنه كان يعتاد شم التفاح أو كان يشم منه رائحته. اتجه إلى دراسة الفقه والحديث حتى خطّأه حَمَّادُ بن سَلَمة البصري، فاتجه إلى تعلم النحو. فقد روي أن سيبويه قصد مجلس حَمَّاد بن سلمة الذي كان يستملي عليه سيبوبه حديثًا جاء فيه قال: «قال صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدَّرداء»، فقال سيبويه: «ليس أبو الدَّرداء» ـ ظنّه اسم ليس، فصاح به حمَّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما هو استثناء، فقال سيبويه: لا جَرَم والله لأطلبن علمًا لا تُلَحِّنَنِّي فيه أبدًا.
شيوخ سيبويه
من أشهر شيوخه حماد بن سلمة، وبعد قراره الأخير هذا عمد سيبويه إلى إمام العربية وشيخها الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ لينهل ويتعلم منه عن حبٍّ وعزيمة وقوة إرادة، فصار يلازمه كالظلِّ حتى بدا تأثره الكبير بشيخه هذا على طول صفحات كتابه الوحيد وعرضه في روايته عنه، واستشهاداته به. ولم يكتف سيبويه بشيخه الخليل بن أحمد في علوم النحو والعربية، فأخذ العلم عن يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر وغيرهم. فتنوعت ثقافته، وتوسعت معرفته بعلم النحو والصرف، وتبوأ مكانة علمية متميزة، ثم رحل إلى بغداد، والتقى بالكسائي شيخ الكوفيين، ووقعت بينهما مناظرة في النحو (المسألة الزُّنبورية) وقد تغلب فيها الكسائي على سيبويه، غير أن سيبويه لم يبق في بغداد بعد هذه المناظرة عاد إلى فارس، ولم يعد إلى البصرة.
تلامذة سيبويه
لأن القدر لم يمهله طويلًا حيث تُوُفِّي في ريعان شبابه، فلم يكن لسيبويه تلاميذ كثيرون، وكان من أبرز من تتلمذوا على يديه ونَجَم عنه من أصحابه: أبو الحسن الأخفش، وقُطْرب ويقال: إنه إنما سمِّي قطربًا لأن سيبويه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه، فيقول له: إنما أنت قطرب ليل. والقُطْرب: دويبة لا تزال تدبُّ، ولا تفتر.
آراء العلماء فيه
قال عنه ابن عائشة: "كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًا جميلاً نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسببٍ، وضرب في كل أدب بسهمٍ، مع حداثة سنِّه وبراعته في النحو.
قال معاوية بن بكر العليمي: "عمرو بن عثمان قد رأيته وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبْسة، ونظرتُ في كتابه فرأيت علمه أبلغَ من لسانه".
قال الأزهري: كان سيبويه علامة حسن التصنيف جالس الخليل وأخذ عنه، وما علمت أحدا سمع منه كتابه لأنه احتضر شابا، ونظرت في كتابه فرأيت فيه علما جما.
قال الذهبي: إمام النحو، حجة العرب، الفارسي، ثم البصري. قد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه. قيل فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه.
قال المبرد: "لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره".
قال محمد بن سلام : "كان سيبويه النحوي غاية الخلق في النحو وكتابه هو الإمام فيه".
قال ابن النطاح: "كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه فقال : مرحبا بزائر لا يمل، فقال أبو عمر المخزومي وكان كثير المجالسة للخليل : ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه".
قال ابن كثير: "وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه وشرحه أئمة النحاة بعده فانغمروا في لجج بحره، واستخرجوا من درره، ولم يبلغوا إلى قعره".
قال أبو إسحاق الزجاج: "إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة".
قال الجاحظ في كتاب سيبويه: "لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله وجميع كتب الناس عليه عيال".
قال صاعد الأندلسي: "لا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي؛ فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له".
عُمرُه
قيل إن سيبويه مات وعمره 32 سنة، وقيل فوق الأربعين، وهذا هو رأي ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء، قال المرزباني: مات بشيراز سنة ثمانين ومائة. وذكر الخطيب أن عمره كان اثنتين وثلاثين سنة ويقال: إنه نيف على الأربعين سنة وهو الصحيح، لأنه قد روى عن عيسى بن عمر، وعيسى بن عمر مات سنة تسع وأربعين ومائة، فمن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه إحدى وثلاثين سنة، وما يكون قد أخذ عنه إلا وهو يعقل، ولا يعقل حتى يكون بالغًا والله أعلم، وقال أحمد بن يحيى ثعلب في أماليه: قدم سيبويه العراق في أيام الرشيد وهو ابن نيف وثلاثين سنة، وتوفي وعمره نيف وأربعون سنة بفارس.
الوفاة
قبر سيبويه في شيراز.
توفي في قرية البيضاء بشيراز، وقد اختلف المؤرخون في السنة التي توفي فيها وأرجح الأقوال أنه توفي سنة 180هـ. ثمة خلاف في سبب وفاته، فقيل: إنه مات غماً بالذَّرَب، وهو الدّاء الذي يَعرِضُ للمعدة، فلا تهضم الطعام، ويَفسُدُ فيها ولا تُمْسِكه، يُروى أنه ذَرِبتْ معدته فمات. قيل إنه تمثَّل عند الموت بهذين البيتين:
يُؤَمِّل دنيا لتبقي لـه فمات المؤمِّـلُ قبل الأمـلْ
حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ
يقال: إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه، فدمعت عين أخيه، فاستفاق فرآه يبكي فقال:
وكنّا جميعا فرّق الدهر بيننا إلى الأمدِ الأقصى ومن يأمنُ الدهرا
وقد رثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب، ورثاه الزمخشري بقوله:
ألا صلى الإله صلاة صدق على عمرو بن عثمان بن قنبر
فإن كتابه لم يغن عنه بنو قلم ولا أبناء منبر
قال الأصمعي: قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:
ذهب الأحبة بعد طول تـزاورٍ ونأى المزار فأسلمـوك وأقشعـوا
تركوك أوحش ما تكونُ بقفـرة لم يؤنسوك وكـربة لم يدفعـوا
قَضَى القضاءُ وصرتَ صاحبَ حفرةٍ عنك الأحبة أعرضوا وتصدَّعوا
الكتاب لسيبويه- ابي بشر عمرو الملقب سيبوية ...
النحو, أصول النحو, اللغة العربية
507
1316
---
---