دوقلة المنبجي
واسمه يحيى بن نزار بن سعيد المنبجي ابو الفضل شاعر من أهل منبج.. ولد بها سنة 486هـ وانتقل الى دمشق فاتصل بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكيومدحه بقصائد أجاد فيها ثم رحل الى بغداد فتوطنها (توفي بها سنة 554هـ )
منبج …….:
أول من بناها كسرى لما غلب على الشام وسماها (من به) فعربت فقيل: منبج.وهي مدينة صغيرة بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ (عن معجم البلدان لياقوت الحموى).
وقصة القصيدة غاية في التراجيديا، وهي أنه كان هناك أميرة في نجد تدعى دعد وقد قطعت عهداً على نفسها أن لاتتزوج إلا لمن يكتب بها ولها أجمل قصيدة، وقد شاع صيتها بين الشعراء في بلاد العرب، وتوافدت الشعراء من كل حدب وصوب على أن تفوز ب"دعد" لكن لم يفلح أحدٌ في ذلك، وكتب دوقلة القصيدة وانطلق قاصدا دعد في بطحاء الجزيرة العربية، وفي طريقه لنجد وربى نجد ومن أجل دعد، قطع دوقلة المسافات، طلباً للود وبحثاً عن الجمال، وفي طريقه، قابل أعرابياً وتعارفا على بعضهما البعض
فسأله الأعرابي إلى أين ياأخى العرب؟
فقال دوقلة إلى حمى دعد .
قال الأعرابي: هذا يعني أنك كتبت ملحمتك وأعددت نفسك للقاء الأميرة؟
قال دوقلة : نعم يا أخى العرب.
قال الإعرابي: اسمعني إياها با أخى العرب.
فروى دوقلة القصيدة، وكان من عادة العرب حفظ الشعر من الرواية الأولى عند كثير من رواة العرب، ولما فرغ منها، أعجبت القصيدة الإعرابي، ولكنه لم يحفظها من الرواية الأولى، فطلب من دوقلة أن يعيدها عليه، فكررها حتى حفظ الإعرابي القصيدة. عندئذ قام الإعرابي وقتل دوقلة وحمل القصيدة في قلبه لدعد، وعندما وصل لبلاط الأميرة أخبروها بقدوم شاعر من بلاد بعيدة.وطلبت دعد من الشاعر أن يسمعها القصيدة، فبدأ يرتل ويصدح، إلى أن وصل لبيت في القصيدة، حفظته "دعد" (وقد كانت على قدر من الثقافة والمعرفة وحب الشعر) وبعد أن فرغ الإعرابي من تلاوة القصيدة قالت دعد: اقتلوه فإنه قاتل زوجي .. فتعجب من في البلاط لفكرة الأميرة وسألوها كيف عرفت أنه قتل زوجها فقالت الأميرة، يقول هذا الشاعر في قصيدته
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
فالإعرابي ليس من تهامة ولا في لكنته شيء من هوى نجد. فأجبروه على الاعتراف فأعترف بقصتها . وتقول القصيدة
هـــل بالـطـلـول لـسـائــل ٍ ردّ
أم هـــل لـهــا بتـكـلّـم ٍ عـهــدُ
دَرَس الجديدُ ، جديـدُ معهدهـا
فكـأنـمـا هـــي ريـطــة جـــردُ
من طول ما تبكي الغيوم على
عَرَصاتِـهـا ويقـهـقـه الـرعــدُ
وتــلُــثُّ ســاريـــةٌ وغــاديـــةٌ
ويـكــرُّ نـحــسٌ خـلـفـه سـعــدُ
تـلــقــاءَ شــامــيــةٍ يـمـانــيــة
لـهــا بـمــورِ تُـرابـهـا سَـــردُ
فكـسـت بواطـنـهـا ظـواهـرهـا
نـــوراً كـــأن زهــــاءه بــــرد
فوقفـت أسألهـا ، وليـس بهـا
إلا الـمـهــا ونـقــانــق رُبـــــد
فتبـادرت درر الشـؤون علـى
خـــدّي كـمــا يتـنـاثـر الـعـقــد
لهفي على( دعد ) وما خلقت
إلا لــفـــرط تـلـهـفــي دعـــــدُ
بيضـاء قـد لبـس الأديــم بـهـاء
الحسُن ، فهو لجِلدهـا جِلـد
ويـزيـنُ فوديـهـا إذا حـسـرت
ضـافـي الغـدائـر فـاحـمٌ جَـعـد
فالوجـه مثـل الصبـح مُبـيـضٌّ
والشـعـر مـثـل اللـيـل مـسـودُّ
ضـدّانِ لـمـا استجمـعـا حسُـنـا
والضـدُّ يظهـر حُسـنـه الـضـدُ
فكأنـهـا وسـنَــانُ إذا نـظــرَتْ
أو مـدنــف لـمَّــا يُـفِــق بــعــد
بفتـور عـيـن ٍ مــا بـهـا رمَــدٌ
وبهـا تُـداوى الأعـيـن الـرمـدُ
والـصـدر مـنـهـا قـــد يـزيـنـه
نـهـدٌ كـحـق الـعــاج إذ يـبــدو
والمعصمان، فمـا يـرى لهمـا
مــن نعـمـة وبـضـاضـة زنـــد
ولـهـا بـنــان لـــو أردت لـــه
عـقــداً بـكـفـك أمـكــن الـعـقـد
وكـأنـمــا سـقـيــت تـرائـبـهــا
والنحـر مـاء الـورد إذا تبـدوا
وبصـدرهـا حـقــان خللتـهـمـا
كـافـورتـيـن عـلاهــمــا نـــــد
والبطـن مطـوي كـمـا طـويـت
بيض الرياط يصونها الملـد
وبـخـصـرهـا هــيــف يـزيـنــه
فــــإذا تــنــوء يــكــاد يـنــقــد
ولــهــا هــــن رابٍ مـجـسـتـه
وعـر المسالـك، حشـوه وقــد
فـإذا طعنـت، طعنـت فـي لـبـدٍ
وإذا نــزعــت يــكــاد يـنـســد
وألـتـف فـخـذاهـا، وفوقـهـمـا
كفـل يجـاذب خصـرهـا نـهـد
فقيـامـهـا مـثـنـىً إذا نـهـضـت
مــن ثقـلـه، وقعـودهـا فـــرد
والـكـعـب أدرم لا يـبـيـن لـــه
حـجـم، ولـيـس لـرأســه حـــد
مــا عابـهـا طــول ولا قِـصَـر
فـي خلقهـا ، فقوامـهـا قـصـد
إن لـم يكـن وصـل لـديـك لـنـا
يشفي الصبابة ، فليكـن وعْـدُ
قـد كـان أورق وصلكـم زمـنـا
فذوى الوصـال وأورق الصَّـدُ
لله أشـــواقـــي إذا نـــزحَــــتْ
دارٌ لـكـم ، ونــأى بـكـم بُـعــدُ
إن تُتْهـمـي فتـهـامـةٌ وطـنــي
أو تُنْجـدي ، إنَّ الهـوى نَـجْـدُ
وزعمـت أنــك تُضْمـريـن لـنـا
وُدّاً ، فـهــلاّ يـنـفــع الــــودُّ !
وإذا المحب شكا الصدودَ ولـم
يُعْـطَـف عـلـيـه فقـتـلُـه عَـمْــدُ
نختصُّهـا بالـود ، وهـي علـى
مــا لا نـحـب ، فهـكـذا الـوجـد
أو مـا تــرى طـمـريَّ بينهـمـا
رجـــل ألـــحّ بـهـزلــه الــجــد
فالسيف يقطع وهـو ذو صـدءٍ
والنصـل يعلـو الهـام لا الغمـد
هــل تنفـعـن الـسـيـف حلـيـتـه
يــوم الـجــلاد إذا نـبــا الـحــد
ولـقـد علـمـتُ بـأنـنـي رجـــلٌ
في الصالحاتِ أروحُ أو أغدو
سلـمٌ علـى الأدنــى ومرحـمـةٌ
وعلـى الحـوادث هــادن جَـلـدُ
متجلبـب ثــوب العـفـاف وقــد
غفـل الرقيـب وأمـكـن الــوِردُ
ومجانـبٌ فعـل القبـيـح ، وقــد
وصل الحبيب ، وساعد السعد
مـنــع المـطـامـع أن تثـلّـمـنـي
أنــيّ لمِعـولِـهـا صـفــاً صـلــدُ
فــأروحُ حُـــراً مـــن مذلّـتـهـا
والـحـرُّ حـيـن يطيعـهـا عَـبــدُ
آلـيــت أمـــدح مُـقـرِفـاً أبــــداً
يبـقـى المـديـح وينـفـد الـرفــدُ
هيهات ، يأبى ذاك لـي سلـفٌ
خمـدوا ولـم يخمـد لهـم مـجـد
فالـجَـدُّ كِـنـدة والبـنـون هـمـو
فـزكـى البـنـون وأنـجـب الـجـدُّ
فلئـن قـفـوت جمـيـل فعلهـمـو
بذمـيـم ِ فعـلـي ، إنـنـي وغــدُ
أجمـل إذا حاولـت فــي طـلـبٍ
فالـجِـدُ يغـنـي عـنـك لا الـجَـدُّ
وإذا صـبــرت لـجـهـد نـازلــةٍ
فـكـأنـه مـــا مــســك الـجـهــدُ
ليـكـن لـديـكِ لـسـائـل ٍ فـــرجٌ
أو لـم يكـن.. فليحـسـن الــردُّ
القصيدة اليتيمة برواية القاضي التنوخي_دوقلة المنبجي ...
48
ط1: 1970م /ط2: 1974م / ط3: 1983م
صلاح الدين المنجد
---