خطاب سورة الفاتحة:
نتعلم من فاتحة الكتاب: الحمد، والثناء، والتمجيد، والتفويض لله تعالى، وذلك عند خطابنا للمولى سبحانه بما علمنا به:
(الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين).
ثم أقررنا بالعبودية له سبحانه في: (إياك نعبد وإياك نستعين)، بالخطاب المباشر له سبحانة، و تخلصنا بها من شوائب الشرك، و الرياء،
كان كل ذلك توطئة وتمهيدا وديباجة لطرح حاجتنا بين يديه، وأسمى المطالب :(طلب الهداية) كما ذكر ابن القيم :(إهدنا الصراط المستقيم)، بعدها أمّنا على هذا الدعاء، يحصل ذلك كل يوم سبع عشرة مرة في الفرائض؛ لأن احتمال انحراف الإنسان وتقلبه كبيرة، فالزيع أقرب إليه من شراك نعله.
فالفاتحة خطاب من العباد لله تعالى، وهناك محذوف تقديره: (قولوا) كما قرر ذلك الطبري ،وبقية القرآن خطاب من الله تعالى لعبادة، فكأن الفاتحة في كفة، والقرآن كله في كفة آخرى، قال شيخنا المجيدي: أن الفاتحة أتت على لسان البشرية المؤمنة، بينما بقية القرآن جاءت بخطاب الإلهية المعظمة، و إلى هذا تشير الآية:(ولقد آتيناك سبع من المثاني والقرآن العظيم).
خطاب سورة البقرة:
جاء الجواب والخطاب في صدر سورة البقرة من ربنا العظيم سبحاته: بأن الهداية في القرآن (الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين)، ذلك الكتاب الذي لا شك فيه، فهو معجز في إخباره بالغيب، وفي نظمه وألفاضه، وفي حقائقه العلمية، القرآن كتاب هداية ودليل إرشاد إلى الصراط المستقيم، وبما أنه كذلك، فقد خصه الله تعالى بعانيات ربانية، فقد حفظه من التحريف، وجعل تلاوته عبادة، فهو الكلام الوحيد المتعبد بتلاوته.
هذا الكتاب: (هدى للمتقين) ، لا ينتفع بهدايات القرآن إلا المتقين، فهم أقرب الناس إلى فهمه، وسواهم غطت قلوبهم شهوات وشبهات.
ثم ذكر صفات المتقين المنتفعين بالهدي القرآني:
الصفة الأولى : الذين يؤمنون بالغيب، فالإيمان بالغيب مقياس يتمايز به الناس، أيهم أصدق أيمانا ومن هو الدعي، ولذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أصدق الناس إيمانا؛ لأنه تمثل هذه الآية، وقوله خير شاهد :(نحن نصدقه في خبر السماء، إن كان قال فقد صدق) بعد أن خاض الناس في أمر من أمور الغيب (الإسراء والمعراج).
والإيمان بالغيب أول مفاتيح هدايات القرآن فبه يؤمن الإنسان بوجود رب لهذا الكون مستحقا للعبادة متصفا بصفات الجلال والكمال.
و بالإيمان بالغيب يتأصل في الإنسان معنى وجوده وغاية خلقه وإلى أين يمضي في هذه الحياة، وماهو مشروعه في هذه الكون، ويكون الإيمان بالغيب رقابة ذاتية في جميع جوارحة.
والإنسان بفطرته يؤمن بالغيب حتى في ذاته غيبيات لا يستطيع أن يتجاوزها من بديع وتعقيدات خلقه إلى قوة إدراكه ومشاعره وتقلباته.
وتزعم أنك جرم صغير … وفيك انطوى العالم الأكبر