1- انتظار ساعة الضرر على المؤمنين :
قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } [النساء: 141].
المعنى الإجمالي :
الذين ينتظرون ما يحصل لكم من خير أو شر، فإن كان لكم نصر من الله وغنمتم قالوا لكم: ألم نكن معكم، شهدنا ما شهدتم؟! لينالوا من الغنيمة، وإن كان للكافرين حظ قالوا لهم: ألم نتول شؤونكم ونُحِطْكم إحاطة العناية والنصرة ونحمكم من المؤمنين بإعانتكم وتخذيلهم؟!فالله يحكم بينكم جميعًا يوم القيامة، فيجازي المؤمنين بدخول الجنة، ويجازي المنافقين بدخول الدرك الأسفل من النار، ولن يجعل الله بفضله للكافرين تسلُّطًا على المؤمنين، بل سيجعل العاقبة للمؤمنين.
فوائد الآية :
١. بيان شدة عداوة المنافقين للمؤمنين؛ لكونهم يتربصون الدوائر، وينتظرون الساعة التي يكون فيها الضرر على المؤمنين، لكن قال الله تعالى: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [الفتح ٦].
٢. “فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ” وجُعِلَ ما يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ فَتْحًا لِأنَّهُ انْتِصارٌ دائِمٌ، ونُسِبَ إلى اللَّهِ لِأنَّهُ مُقَدِّرُهُ ومُرِيدُهُ بِأسْبابٍ خَفِيَّةٍ ومُعْجِزاتٍ بَيِّنَةٍ.”
٣. ﴿وإن كان للكافرين نصيب﴾: ولم يقل: «فتح» لأنه لا يحصل لهم فتح يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر. [السعدي: ٢١٠]
٤. يتَّخذ المنافقون في الأزَمات مواقفَ مُذبذبة، ويتلوَّنون بكلِّ لون حسَب المصلحة، ويركبون كلَّ موجةٍ للقاء المنفعة، فهم مع المسلمين عند المغانم، ومع أعدائهم عند المغارم.
٥. ينبغي أن نسمِّيَ الأشياء بأسمائها الصحيحة؛ فإن غلبة الكافرين نصيبٌ نالوه بأسبابه، وظفرَ المسلمين فتحٌ يفتح القلوبَ للحقِّ، والبلادَ لحكمها به، والطريقَ لمَن يريد سلوكَ الصِّراط المستقيم.
٦. المنافق والكافر صَفيَّان؛ ولذلك يقبض كلٌّ منهما يدَه عن إيذاء الآخر وإن كان عليه قادرًا، غير أنهما يبسُطانها بأذيَّة المؤمنين متى ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا.
٧. (ونَمْنَعْكم مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أيْ مِن أنْ يَنالَكم بِأْسُهم، فالمَنعُ هُنا إمّا مَنعٌ مَكْذُوبٌ يُخَيِّلُونَهُ الكُفّارَ واقِعًا وهو الظّاهِرُ، وإمّا مَنعٌ تَقْدِيرِيٌّ وهو كَفُّ النُّصْرَةِ عَنِ المُؤْمِنِينَ، والتَّجَسُّسُ عَلَيْهِمْ بِإبْلاغِ أخْبارِهِمْ لِلْكافِرِينَ، وإلْقاءُ الأراجِيفِ والفِتَنِ بَيْنَ جُيُوشِ المُؤْمِنِينَ، وكُلُّ ذَلِكَ مِمّا يُضْعِفُ بَأْسَ المُؤْمِنِينَ إنْ وقَعَ”
٨. معاملة المنافقين بظواهرهم التي تحقِن دماءهم، وتعصِمُ أموالهم، إنما هي في الدنيا، أمَّا في الآخرة فالحكمُ للظاهر والباطن، وهناك تُبلى السرائر، فينكشف للخَلق ما فيها.
٩. وقَوْلُهُ ﴿ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾
* فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ بِأنْ لا يَجْعَلَ لِلْكافِرِينَ، وإنْ تَألَّبَتْ عِصاباتُهم، واخْتَلَفَتْ مَناحِي كُفْرِهِمْ، سَبِيلًا عَلى الْمُؤْمِنِينَ.
* والمُرادُ بِالسَّبِيلِ طَرِيقُ الوُصُولِ إلى المُؤْمِنِينَ بِالهَزِيمَةِ والغَلَبَةِ، بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِعَلى، فَإذا عُدِّيَ بِعَلى صارَ نَصًّا في سَبِيلِ الشَّرِّ.
* لا سبيل للكافرين على المؤمنين وعد من الله تعالى ولن يخلف الله وعده.
، وأي تسلط من الكافرين على المؤمنين فإنما ذلك
– لعل المقصود بِالكافِرِينَ والمُؤْمِنِينَ الطّائِفَتانِ المَعْهُودَتانِ بِقَرِينَةِ السياق وقد انتصر المؤمنون ولم يعد للكافرين عليهم سبيلا .
– وإنْ أُرِيدَ العُمُومُ فالمَقْصُودُ مِنَ المُؤْمِنِينَ المُؤْمِنُونَ الخُلَّصُ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِالإيمانِ بِسائِرِ أحْوالِهِ وأُصُولِهِ وفُرُوعِهِ، ولَوِ اسْتَقامَ المُؤْمِنُونَ عَلى ذَلِكَ لَما نالَ الكافِرُونَ مِنهم مَنالًا، ولَدَفَعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ خَيْبَةً وخَبالًا.
– ووجه آخر :بِأَنْ يُسَلَّطُوا عَلَيْهِمُ اسْتِيلَاءَ اسْتِئْصَالٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ ظَفَرٌ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
– وجه ثالث : أن تسلط الكافرين على المؤمنين أنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَجْعَلُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَتَوَاصَوْا بِالْبَاطِلِ وَلَا يَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَتَقَاعَدُوا عَنِ التَّوْبَةِ فَيَكُونُ تَسْلِيطُ الْعَدُوِّ مِنْ قِبَلِهِمْ.
– وجه رابع : أن السبيل لن يكون للكافرين على المؤمنين في الآخرة.، فعن ابن عباس قَالَ: ذَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَكَذَا رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
– وجه خامس : أَيْ حُجَّةً عَقْلِيَّةً وَلَا شَرْعِيَّةً يستظهرون بها إلا أبطلها ودحضت.
د. مراد القدسي