من لطائف القراءات القرانية (1)

قول المولى سبحانه : ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّين﴾ [الفاتحة: 3]

هذه الآية تُقْرَأْ: مَلِكِ يومِ الدين( قراءة: نافع، وأبو جعفر، وابن كثير ، وأبو عمرو البصري، وابن عامر، وحمزة)  من المُلك: وهو التصرف المطلق، والسيطرة، والقيادة، والحكم.

وتُقْرَأْ: مَالِكِ يوم الدين(قراءة: عاصم، والكسائي، ويعقوب، وخلف العاشر) على وزن (فاعل) من تَمَلُكِ الشيءِ، وحيازته، واقتنائه.

و من ضمن ما يفسر به معاني القراءات: اختلاف لغة الطبقات الاجتماعية، ولا بد من فقه القراءات في ضوء هذا المعنى عند كل قراءة، فعند الجمع بين معاني القراءات يتضح المعنى الكلي لسياق الآية، وتظهر الصورة الكاملة التي تخاطب جميع الناس على اختلاف مستويات فهمهم و‘دراكهم، كما أن كل قراءة لها معنى مُكَمِّلٌ للآخرى.

وفي نظم الجمانة في توجيه القراءات ذكر الدكتور أحمد البيلي الغاية من نزول القراءات على أكثر من حرف، حيث قال:

والخُلْفُ بالأَلفاظِ تنزيلاً وَرَدْ          بِهِ حَدِيثُ المصطفى صَحَّ السَّنَدْ

للهِ في ذا الأمرِ حــكمتــــــــــــــــــــــــــــانِ          اليُـــــــسْرُ والإكثــــــــــــــــارُ في المعـــــــــــــاني

 وقراءة (مالك يوم الدين): تناسب الفقير الذي يتطلع إلى الاقتناء وحيازة الأشياء وتملكها، فقراءة (مالك يوم الدين) لها وقعها في سمعه؛ فهي تناسب حاله وآماله، بأنه يعبد رباً مالك لكل شيء، يطلب من الغني سبحانه حاجته.

والغني يناسب حاله: قراءة (مَلِكِ يوم الدين)؛ لأنه يرى بها ما يفتقده من السيطرة، والتصرف، والقيادة، والحكم، ولا يلفت انتباهه التَّملك والاقتناء؛ لأنه قد اعتادها.

وهذا ما قرَّرَهُ ابن قتيبة(ت276هـ) في كتابه تأويل مشكل القرآن، حيث قال: «ولو أن كل فريق من هؤلاء، أمر أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا- لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للّسان، وقطع للعادة. فأراد الله، برحمته ولطفه، أن يجعل لهم متّسعا في اللغات، ومتصرّفا في الحركات، كتيسيره عليهم في الدّين حين أجاز لهم على لسان رسوله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته في فرائضهم وأحكامهم، وصلاتهم وصيامهم، وزكاتهم وحجّهم، وطلاقهم وعتقهم، وسائر أمور ديننهم».

ففي القراءتين تجلت الصورة الكاملة للذات العلية في التصرف المطلق، والغنى المطلق.

ولذلك إذا قالها العبد، قال الله تعالى: مجدني عبدي وفي رواية فوضني عبدي، ولا يكون التفويض المطلق إلا لصاحب صفات الكمال في الملك والتملك.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.