2- قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 7] .
القراءات الواردة في الآية:
القراءة الأولى: (عليهُم) بضم الهاء، قرأ بها حمزة، ويعقوب.
القراءة الثانية: (عَلَيْهِمْ) بكسر الهاء، قرأ بها بقية القراء العشرة.
القراءة الثالثة :(عليْهِمو) بصلة ميم الجمع، قرأ بها ابن كثير، وأبو جعفر، ووجه لقالون عن نافع.
القراءة الرابعة: (عَلَيْهِمْ) بإسكان ميم الجمع، قرأ بها بقية القراء العشرة.
اللغات الواردة في القراءة:
- (عليهُم): بضم الهاء لغة قريش، والحجازيين، وفصحاء اليمن. على الأصل.
- (عَلَيْهِمْ): بكسر الهاء لغة أهل نجد من( أسد، وقيس، وتميم) ، وكِنَانة، وبعض بني سَعْد.
- (عليْهِمو) بصلة ميم الجمع لغة بعض العرب.
قال الفَرَّاء [ت207هـ]: «وفي (عَليْهِم) لغتان: فأما قُريْشٌ وأهلُ الحجازِ ومَنْ حَوْلَهم من فصحاءِ اليمنِ فإنهم يقولون: عَلَيْهُم، برَفْعِ الهاءِ، وعَلَيْهُمَا، وعَلَيْهُنَّ…فيرفعون الهاءَ، وأهلُ نجدٍ من أَسَدٍ وقَيْسٍ وتَمِيمٍ يكْسِرُونَها، فيقولون: عَلَيْهِ، وعَلَيْهِمَا، وعَلَيْهِم، وأما كِنَانةُ وبعضُ بني سَعْدِ بنِ بَكْرٍ – وهم أَرِبَّاءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فإنهم أيضًا يكسرونها».
و في شأن صلة ميم الجمع، قال الأخفش[…- 215هــ]: «فإن كانت ياء ساكنة أو حرفاً مكسوراً نحو: (عليْهِم)، و(بِهِمْ)، و(مِن بعدِهِمْ)، فمن العرب من يقول: (عليهِمِي)، فيلحق الياء ويكسر الميم والهاء، ومنهم من يقول: (عليْهُمُو) فيلحق الواو ويضم الميم والهاء، ومنهم من يقول: (عليْهِم)، و(عليهُم)، فيرفعون الهاء ويكسرونها… ومنهم من يقول: (عليهِمُو) فيكسرون الهاء ويضمون الميم ويُلحِقُون الواو…».
القراءة وبيئة القراء:
قراءة (عَلَيْهِمْ) بكسر الهاء، قرأ بها كُلّ من أبي عمرو، وعاصم، والكسائي، وخلف العاشر، وهي موافقة للغة تميم وأسد، بيئتهم، فأبو عمرو البصري تميمي، وعاصم، والكسائي، وخلف العاشر أسديون ، ولم توافق قراءة كسر الهاء بيئة نافع الحجازية .
التوجيه الصوتي للقراءات:
أولاً: عليهُم – بضم الهاء:
الضم هو الأصل؛ بدلالة ضم هاء(عليهُم) حال انفرادها من حروف تتصل بها مثل: (هُمْ فعلوا)، قال أبو علي الفارسي [ت370هـ]: «وحجة من قرأ (عليهُمْ)أنّهم قالوا: ضمّ الهاء هو الأصل، وذلك أنّها إذا انفردت من حروف تتّصل بها قيل: هُمْ فعلوا، والواو هي القراءة القديمة، ولغة قريش، وأهل الحجاز، ومن حولهم من فصحاء اليمن».
ثانياً: عليْهم – بكسر الهاء:
الكسر فيها لوجوه ذكرها العلماء:
الأول: أن الهاء خفيفة و ضعيفة، وليست بحاجزِ حصين؛ ويدل على خفة و ضعف الهاء أنهم يبيّنونها بزيادة الواو عليها في نحو(ضربهو، وأكرمهو) وهي لغة أهل الحجاز، يقولون:(مررت بهو، ولديهو مال) لتخرجها هذه الواو من الخفاء إلى الإبانة.
قال المهدوي[ت440هـ]: «فإذا ضُمَّت فكأن ضَمَّتَها قد وليت الكسرة، أو الياء الساكنة التي قبلها لضعف الهاء عن الحجز، وذلك ثقيل، فلما كانت الهاء ليست بحاجز حصين كسروا الهاء تبعاً لما قبلها».
ووجه ثان: أن الهاء من جنس الياء- والدليل على أنها من جنس الياء إبدالهم إياها من الياء، فقالوا:(هذه) والأصل (هذي)- فأتبعوها ما هو من جنسها فكسروها.
ووجه ثالث: أنها تشبه الألف في الضعف، والخفاء، والمخرج- والدليل على أنها تشبه الألف أنهم بيَّنوا بها الحركة في الوقف فقالوا (اقتدهْ) فالهاء لبيان الحركة- فكما أمالوا الألف لمجاورة الياء، فكذلك كسروا الهاء لمجاورتها.
ثالثاً: عليْهِمو بصلة ميم الجمع:
وَجْهُ صلة ميم الجمع وضمها أنها أتت على الأصل. يقول المهدوي [ت440هـ]: «فمن ضم ميم الجمع ووصلها بواو فعلى الأصل»، والدليل على ذلك أنها عند اتصالها بواو في نحو(أنلزمكموها، اقترفتموها)، والضمائر تَرُدُّ الأشياء إلى أصولها، وحجة الوصل بواو أن حرفي الميم والواو هما علامة جمع المذكر، كما أن الميم والألف علامة المثنى في مثل: (عليهما)، والنون المشددة هي علامة جمع المؤنث في مثل: (عليهنّ ).
الظاهرة اللهجية التي تنتمي إليها قراءة (عليْهِم، إليْهِم، لديْهِم) وما شابهه :
أطلق العلماء مصطلح الوَهْم على كسر الهاء من ضمير الغائبين المتصل (هُمْ) متى وليتها ميم الجمع مطلقًا، فيقال: منْهِم، وعليْهِم، ونبئْهِم، وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة، وسمي بالوهم؛ لأنه يقع في الهاء،وغيره يقع في الكاف وهو (الوكم) وهو كسر كاف الخطاب(عليْكِم)، وعامة العرب تضم هاء الضمير ما لم تقع بعد كسرة أو ياء، فمثال ما وقع بعد كسرة:(بهم) ، و(بصاحبهم9 ، ومثال ما وقع بعد ياء: (قاضيهم)، فإذا لم يقع هذا الضمير بعد كسرة أو ياء؛ بقي على أصله، وهو ضم الهاء، وهي لغة لبني كلب، فإنهم يكسرون الهاء مطلقًا، وهو ما عُرف بالوَهْم، والفصيح أنها لا تكسر إلا إذا كان قبلها ياء أو كسرة.
د. فيصل الجودة