اللهجات في متواتر القراءات – سورة البقرة (2)

2- قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ …} [البقرة: 3].

القراءات الواردة في الآية:

القراءة الأولى: (يومنون) بإبدال الهمزة الساكنة حرف مد(واواً)، قرأ بها  أبو عمرو بخلف عنه، وأبو جعفر ، وهي رواية ورش عن نافع، وحمزة حال الوقف.

القراءة الثانية:(يؤمنون)بتحقيق الهمزة على الواو، قرأ بها بقية القراء العشرة.

اللغات الواردة في القراءة:

  • (يومنون) بإبدال الهمز الساكنة حرف مد(واواً) لغة قريش وأكثر الحجازيين.
  • (يؤمنون)بتحقيق الهمز لغة تميم وقيس.

جاء في شرح الشافية «وتخفيفها – أي الهمزة- لغة قريش وأكثر الحجازيين، وهو استحسان، وتحقيقها كسائر الحروف لغة تميم وقيس، وهو الأصل».

القراءة وبيئة القراء:

قراءة (يومنون) بترك الهمز الساكن التي قرأ بها كلٌّ من: ورش عن نافع، وأبي جعفر،  لغةٌ حجازية ينتميان إليها، وخالف ابن كثير ونافع من رواية قالون بيئاتهم في هذه القراءة، بينما وافق أبو عمرو لغة أهل تميم بالقراءة بوجه التحقيق.

التوجيه الصوتي لترك الهمز الساكن (الإبدال) :

وَجْهُ الإبدال هو التخفيف، فتبدل الهمزة من جنس حركة ما قبلها؛ لأن الهمزة حرف صعب ثقيل بعيد المخرج، ولهذا تصرفوا فيه بالتخفيف بالإبدال، وحَسُنَ الإبدال هنا؛ لأَمْن اللبس وعدم الإخلال بالمعنى، فالواو نابت عن الهمزة في المبنى والمعنى.

قال ابن الوجيه الواسطي المقرئ[671-740هـ]:«لمّا كان الهمز يخرج من أقصى الحلق وما يليه من أعلى الصدر مُشْبِهَا للتَّهوع والسَّعْلة، أوجب على أكثر الناطقين به كلفة ومشقَّة، فتصرَّفت فيه العرب واستعملته على ضربين: مُحَقَّقَاً ومُخَفَّفَاً، وممّن عدل عن تحقيقه إلى تخفيفه في الأكثر أهل الحجاز».

وقال مكي بن أبي طالب [ت437هـ]: «وحجة من خفف الهمزة أنه استثقلها محققة فخففها، وأيضاً فإن التخفيف لغة أهل الحجاز، وأيضاً فإن التخفيف أخفُّ على القارئ، مع موافقته لغة العرب والرواية».  

الظاهرة اللهجية التي تنتمي إليها القراءة:

ظاهرة الإبدال:

الإبدال في اللغة: مصدر أبدل، يقول ابن فارس [ت 395هـ]: «الباء والدال واللام: أصل واحد، وهو قيام الشيء مقام الشيء الذاهب…» .

وفي الاصطلاح عرَّفَه ابن الوجيه […- 741هـ] :«بأن يبدل (الهمز) حرفاً من جنس الحركة قبله، فيصير بعد الفتحة ألفاً، وبعد الضمة واواً، وبعد الكسر ياءً…».

وتكاد تُجْمِعُ الروايات القديمة أن البيئة الحجازية، المتمثلة في قريش وما جاورها من القبائل العربية، تنفر من الهمز فتتخلص منه بالحذف، أو بتقريبه من أصوات اللين، قال أبو زيد: «أهل الحجاز، وهذيل، وأهل مكة، والمدينة، لا ينبرون».

وقد اختصت الهمزة بالتخفيف من بين سائر الحروف لثلاثة أشياء:

  • ثِقَلُ الهمزة، قال ابن أبي مريم[…- بعد 565هـ]: «اعلم أن الهمزة لما كانت خارجة من أقصى الحلق، استحبت العرب تخفيفها استثقالاً لإخراج ما هو كالتهوُّع».
  • كثرتها في الكلام، قال المهدوي [ت440هـ]:«والشيء إذا كثر استعماله كان بالتخفيف أولى من غيره».
  • أن تخفيفها لا يخل باللفظ؛ وذلك لأنه يكون في غالب الأمر بإقامة ما يدل عليها، من حرف مد أو نقل حركة، والأصل في ذلك كله التَّلقي والرواية.

 

د. فيصل الجوده

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.