هدايات سورة البقرة (1)

الهداية الأولى: صفات المتقين وثمارها:

﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)﴾، القرآن الكريم الكتاب المعجز، المكون من هذه الحروف (الم)، معجزٌ في إخباره بالغيب، معجزٌ في ألفاظه وفصاحته، معجزٌ في موافقته للعلوم الحديثة، معجزٌ في تأثيره على النفس البشرية، هذا القرآن هدى ونورٌ للمتقين، فالمتقون أقرب الناس للاهتداء به، فلا يهتدي بأنواره غيرهم؛ لأن غير المتقين اطفأوا نور الطاعة في قلوبهم، وآثروا ظلمات المعاصي؛ وهذا سر عدم انتفاع أكثر الناس بالقرآن بأنه ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾.

صفات المتقين:

﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)﴾.

أول صفة من صفات المتقين في كتاب الله العزيز: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، بهذه الصفة يتمايز الخلق، فأشدهم إيماناً أعظمهم تصديقاً بالغيب؛ ولهذا سبقنا أبو بكر – رضي الله عنه -، فليكن شعارنا: إن كان قال فقد صدق.

الصفة الثانية: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾، في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «أَرْحَلُ إِلَى الرَّجُلِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ فَأَوَّلُ مَا أَتَفَقَّدُ مِنْ أَمَرِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُقِيمُهَا وَيُتِمُّهَا أَقَمْتُ وَسَمِعْتُ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدْتُهُ يُضَيِّعُهَا رَجَعْتُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَقُلْتُ: هُوَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَضْيَعُ»، ولفظ (يقيمون) يشعرك بالرعاية الخاصة بالصلاة، قال ابن عاشور: «(إقامة) الصلاة استعارة تبعية، شُبهت المواظبة على الصلوات والعناية بها بجعل الشيء قائما».

الصفة الثالثة: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وفي (مما رزقناهم) لطيفة: بأن المال مال الله، أي أن ما بين يديك من أرزاق ليست لك على الحقيقة، ومع ذلك فقد مدح الله المتقين بإنفاقه، فالإيمان قسمان: تعظيم لأمر الله بإقامة الصلاة، وشفقة على خلق الله بإعطائهم حقهم من مال الله الذي بين يديك.

الصفة الرابعة: ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ… (4)﴾، يؤمنون بعالمية الرسالة وشمولها، وعبر بالإيمان؛ لأنه تصديق جازم بأن رسالة التوحيد سلسلة ذهبية واحدة  مترابطة من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.

الصفة الخامسة: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ الغاية والهم واحد: الله والدار الآخرة، روى البيهقي من حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَعَلَ الْهَمَّ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللهُ هَمَّ دُنْيَاهُ , وَمَنْ تَشَعِّبَتْهُ الْهُمُومُ لَمْ يُبَالِ اللهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا هَلَكَ ».

من كانت تلك صفاته فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم، و فاز بصفة الفلاح المبين، اللهم لا تحرمنا: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.