هدايات سورة البقرة (5)

الهداية الخامسة: يحل الفساد عندما تحيد البشرية عن منهج الله.

{… وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [البقرة: 26، 27].

معنى الفسق:

الفاسق: لفظ من منقولات الشريعة، أصله اسم فاعل من الفسق بكسر الفاء، وحقيقة الفسق خروج الثمرة من قشرها، وهو عاهة أو رداءة في الثمر فهو خروج مذموم يعد من الأدواء مثل ما قال النابغة:

صغار النوى مكنوزة ليس قشرها … إذا طار قشر التمر عنها بطائر

ونقله القرآن للخروج عن أمر الله تعالى الجازم بارتكاب المعاصي الكبائر، فوقع بعد ذلك في كلام المسلمين، قال رؤية يصف إبلا:

فواسقا عن قصدها جوائرا … يهوين في نجد وغور غائرا

مراتب الفسق:

والفسق مراتب كثيرة، تبلغ بعضها إلى الكفر. وقد أطلق الفسق في الكتاب والسنة على جميعها لكن الذي يستخلص من الجمع بين الأدلة هو ما اصطلح عليه أهل السنة: وهو أن الفسق غير الكفر، وأن المعاصي وإن كثرت لا تزيل الإيمان وهو الحق، وقد لقب الله اليهود في مواضع كثيرة من القرآن بالفاسقين، و هو المراد هنا ةالله أعلم، وعزاه ابن كثير لجمهور من المفسرين.

صفات الفاسقين:

1️⃣ نقض عهود الله تعالى: عهود الله للناس في الرسالات كثيرة، وهي: أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكموا في حياتهم منهجه وشريعته، وهذه العهود ينقضها الفاسقون، وإذا نقض عهد الله من بعد ميثاقه فكل عهد دون الله منقوض، والعهد في الآية الذي أخذه الله على بني آدم أن لا يعبدوا غيره: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان [يس: 60]، فنقضه يشمل الشرك وقد وصف الله المشركين بنقض العهد في قوله: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه الآية في سورة الرعد. [25] وفسر بالعهد الذي أخذه الله على الأمم على ألسنة رسلهم أنهم إذا بعث بعدهم رسول مصدق لما معهم ليؤمنن به: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه [آل عمران: 81] الآيات لأن المقصود من ذلك أخذ العهد على أممهم. والصحيح والله أعلم أن المراد بالعهد: هو العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل غير مرة من إقامة الدين، وتأييد الرسل، وأن لا يسفك بعضهم دماء بعض، وأن يؤمنوا بالدين كله.
2️⃣ قطع كل ما أمر الله أن يوصل: يقطعون ما أمر الله به أن يوصل: فالله أمر بصلات كثيرة، أمر بصلة الرحم والقربى، وأمر بصلة الإنسانية الكبرى، وأمر قبل هذا كله بصلة العقيدة والأخوة الإيمانية، التي لا تقوم صلة ولا وشيجة إلا معها، وإذا قطع ما أمر الله به أن يوصل فقد تفككت العرى، وانحلت الروابط، ووقع الفساد في الأرض، وعمت الفوضي. والإعراض عن قطع ما أمر الله به أن يوصل هو موالاة المؤمنين. وقيل اقتران القول بالعمل، ومراد الله تعالى مما شرع للناس منذ النشأة إلى ختم الرسالة واحد وهو إبلاغ البشر إلى الغاية التي خلقوا لها وحفظ نظام عالمهم وضبط تصرفاتهم فيه على وجه لا يعتوره خلل.
3️⃣ ممارسة الفساد في الأرض: والفساد في الأرض ألوان شتى، تنبع كلها من الفسوق عن كلمة الله، ونقض عهد الله، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، كل هذا من الفساد، ورأس الفساد في الأرض: هو الحيدة عن منهج الله الذي اختاره ليحكم حياة البشر ويصرفها، وإذا انقطعت العروة بين الناس وربهم على هذا النحو فهو الفساد الشامل للنفوس والأحوال وللحياة والمعاش، بل وللأرض كلها، ومنه ما قال ابن عاشور: أن من الفساد في الأرض عكوف قوم على دين قد اضمحل وقت العمل به، وأصبح غير صالح لما أراد الله من البشر، فإن الله ما جعل شريعة من الشرائع خاصة وقابلة للنسخ إلا وقد أراد منها إصلاح طائفة من البشر معينة في مدة معينة في علمه، وما نسخ دينا إلا لتمام وقت صلوحيته للعمل به فالتصميم على عدم تلقي الناسخ وعلى ملازمة المنسوخ هو عمل بما لم يبق فيه صلاح للبشر فيصير ذلك فسادا في الأرض لأنه كمداواة المريض بدواء كان وصف له في حالة تبدلت من أحوال مرضه حتى أتى دين الإسلام عاما دائما.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.