هدايات سورة البقرة (7)

الهداية السابعة: العلم والمعرفة من صور تكريم الله تعالى للإنسان.

قال تعالى:(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا …) [البقرة: 31].

الأساسي المعرفي للعلوم: هو تعلم الأسماء، ومعرفة الفروق اللغوية، وضبط المصطلحات والمسميات، هذه هي مفاتيح العلم والمعرفة، وتشير الآية أيضاً إلى لطيفتين:

الأولى: أن مصدر التلقي هو ما جاء من عند الله تعالى، فالله تعالى هو الذي علم آدم عليه السلام جميع الأسماء والمصطلحات، وميزه عن غيره من المخلوقات.

الثانية: أن الإنسان هو من لديه الاستعداد الذاتي والفطري للتعلم، وبالتالي هو المستحق للاستخلاف في الأرض.

ثم أجرى المولى عز وجل على ذلك التأكيد الملزم لذلك الاختيار، بأن اختبر الملائكة: (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 31].

هنا أدرك الملائكة عجزهم، وسر تكريم الله تعالى للبشر على من سواهم، حينها جهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم، والاعتراف بعجزهم، والإقرار بحدود علمهم، وهو ما علمهم : (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة: 32، 33].

فعلم الله تعالى أزلي سابق، علم الله تعالى لا يسبقه جهل، ولا يلحقه نسيان، فسبحانه، قد أحاط بكل شيء علما، ألا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير.

ماذا تعلم آدام عليه السلام من الأسماء، وكيف علمَّه الله؟

أجاب على هذا السؤال ابن عاشور في تفسيره المحرر الوجيز، فقال : تعليم الله تعالى آدمَ الأسماء إما بطريقة التلقين بعرض المسمى عليه فإذا أراه لُقن اسمه بصوت مخلوق يسمعه فيعلم أن ذلك اللفظ دال على تلك الذات بعلم ضروري ، أو يكون التعليم بإلقاء علم ضروري في نفس آدم بحيث يخطر في ذهنه اسم شيء عند ما يعرض عليه فيضع له اسماً بأنْ ألهمه وضع الأسماء للأشياء ليمكنه أن يفيدها غيره وذلك بأن خلق قوةَ النطق فيه وجعله قادراً على وضع اللغة كما قال تعالى : { خلق الإنسان علمه البيان } [ الرحمن : 2 ، 3 ] وجميع ذلك تعليم إذ التعليم مصدر علَّمه إذا جعله ذَا علم مثل أدَّبه فلا ينحصر في التلقين وإِنْ تبادَر فيه عرفاً . وأيَّاً ما كانت كيفية التعليم فقد كان سبباً لتفضيل الإنسان على بقية أنواع جنسه بقوة النطق وإحداث الموضوعات اللغوية للتعبير عما في الضمير . وكان ذلك أيضاً سبباً لتفاضل أفراد الإنسان بعضهم على بعض بما ينشأ عن النطق من استفادة المجهول من المعلوم وهو مبدأ العلوم ، فالإنسان لما خُلق ناطقاً معبراً عما في ضميره فقد خُلق مدركاً أي عالماً وقد خلق معلماً ، وهذا أصل نشأة العلوم والقوانين وتفاريعها لأنك إذا نظرت إلى المعارف كلها وجدتها وضع أسماء لمسميات وتعريفَ معاني تلك الأسماء وتحديدها لتسهيل إيصال ما يحصل في الذهن إلى ذهن الغير . وكلا الأمرين قد حُرِمه بقية أنواع الحيوان.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقا


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.