5- أُبَيُّ بنُ كَعْب – رضي الله عنه- .
أُبَيُّ بنُ كَعْبِ بنِ قَيْسِ بنِ عُبَيْد بنِ زَيدِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّار، الأَنْصَارِيّ المَدَنِيُّ، أبو المنذر، وكان يلقب بـ سيد القراء.
تلقيه للقراءات :
تلقى أُبَيُّ بن كعب رضي الله عنه القراءات عن النبي ﷺ مباشرةً، وقد ورد في كتب السنة إحدى عشرة روايةً تبيِّن تلقي أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه للقراءات القرآنية.
تلامذته في القراءة:
قرأ عليه القرآن من الصحابة: عبد الله بن عَبَّاس، وأبو هريرة، وعبد الله بن الْسَّائِب رضي الله عنهم ومن التابعين: عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة ت(70هـ) ، وعبد الله بن حبيب أبو عَبْد الرَّحْمَن الْسُّلَمِي ت(73هـ) ، وأبو العالية الرِّياحي ت(96هـ).
جهوده في علوم القرآن والقراءات :
- وردت عنه الرواية في حروف القرآن، وله في السنة أكثر من إحدى عشرة روايةً تبيِّن ذلك.
- جمع القرآن الكريم كله على عهد النبي ﷺ ، والدليل على ذلك ما جاء في الصحيح، عن أَنَسٍ رضي الله عنه : « جَمَعَ الْقُرْآنَ على عَهْدِ النبي ﷺ أَرْبَعَةٌ كلهم من الْأَنْصَارِ أُبَيٌّ وَمُعَاذُ بن جَبَلٍ وأبو زَيْدٍ وَزَيْد بن ثَابِت ».
- تتلمذ على يديه في القراءات والحديث رواد علم القراءات من الجيل الثاني من الصحابة، أمثال: عبد الله ابن عَبَّاس، وأبي هريرة، وعبد الله بن الْسَّائِبرضي الله عنهم، وكذلك كبار التابعين، أمثال عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة، وعبد الله بن حبيب أبي عَبْد الرَّحْمَن الْسُّلَمِي، وأبي العالية الرِّياحي.
- حظي بشرف قراءة النبي ﷺ عليه، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال النبي ﷺ لأُبَيّ: « إن الله أمرني أن أقرأ عليك ( لم يكن الذين كفروا…)، ( البينة:١)، قال: وسماني ؟ قال : نعم . فبكى»؛ وذلك تعليماً وسَنَّاً لطرق التحمل والسماع وهذه الطريقة: أن يقرأ الشيخ والطالب يسمع، وتعتبر من أقوى طرق التحمل، وقد نقل ابن حجر في الفتح عن أبي عبيد: « أن المراد بالعرض على أُبَيٍّ ليتعلم أُبَيّ منه القراءة، ويتثبت فيها، وليكون عرض القرآن سنة، وللتنبيه على فضيلة أُبَيّ بن كعب وتقدمه في حفظ القرآن، وليس المراد أن يستذكر منه النبي ﷺ شيئاً بذلك العرض، ويؤخذ من هذا الحديث مشروعية التواضع في أخذ الإنسان العلم من أهله وإن كان دونه ».
- حث النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم أن يتعلموا القرآن ويأخذوه من أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه ، وقد ورد لفظ الحث بلفظ آخر غير السابق، وهو قوله r :« استقرئوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل ، وأُبَيّ بن كعب » ، واللفظ في ( استقرئوا ) يوحي بتحري الطلب والأخذ من هؤلاء الأربعة كونهم أهل التخصص ورواد فن التلقي.
- كما كانت لأُبَيّ رضي الله عنه مهمة عظيمة في الجمع البكري وهي الإملاء، فعن أبي العالية: « أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر الصِّدِيْق، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أُبَيّ ابن كعب ».
- كما كان له دور مميز في الجمع العُثْمَاني، حيث عينه عُثْمَان رضي الله عنه ليكون عضواً في اللجنة المكلفة بالجمع، وقال له:« إنك كنت أعلم الناس بما أنزل على النبي r ، وكنت تقرئ في زمانه ، وكان عُمَر بن الخَطَّاب يأمر الناس بك ، فَأَمْل على هؤلاء القرآن في المصاحف فإني أرى الناس قد اختلفوا » قال موسى بن جبير: « فكان أُبَيٌّ يملي عليهم القرآن وزَيْد بن ثَابِت وسعيد بن العاص ينسخان »، وكانت مهمته الإملاء ومراقبة أوجه القراءات المختلفة، وتصحيحها، وقد نقل أبو شامة ت(656هـ)، عن القاضي أبي بكر الباقلاني ت(403هـ)، ما يؤكد ذلك حيث قال: « ولا يمتنع أن يمليه سعيد ويمليه أُبَيُّ أيضاً فيُحتاج إلى أُبَيٍّ لحفظه وإحاطته علماً بوجوه القراءات المنزلة ….».
- يُعَدُّ أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه رأساً في إسناد أئمة القراءات: نافع ت(196هـ)، وابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، والكسائي من السبعة، وأبي جعفر ت(128هـ) ، ويعقوب، وخلف ت(229هـ) ، الثلاثة المكملين للعشرة، فقراءة هؤلاء القراء هي القراءة التي نقلها أُبَيّ ابن كعب رضي الله عنه .
- كان الصحابي الجليل أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه هو المرجع عند اختلاف الصحابة في أوجه القراءات ومسائل الإقراء.
- كما كان المراجع المدقِّق لما ثبتت قرآنيته لفضاً ورسماً، عن هانئ البربري مولى عُثْمَان قال: « كنت عند عُثْمَان t وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى أُبَيّ بن كعب فيها ) لم يتسن ( ، و) فأمهل الكافرين ( ، و) لا تبديل للخلق (، قال: فدعا بالدواة فمحا إحدى اللامين ،وكتب: ) لخلق الله ( ومحا ) فأمهل ( وكتب: ) فمهل(، وكتب : ) لم يتسنه( ألحق بها هاء».
- أُسند إليه مهمة عظيمة وهي مهمة تعليم الوفود القرآن الكريم، فبعد فتح مكة قدمت وفود العرب إلى المدينة معلنة إسلامها ومبايعة رسول الله ﷺ، فأسند إليه النبي r مهمة تعليمهم القرآن الكريم، ومن الذين ذكرت الروايات أنهم تعلموا القرآن من أُبَيٍّ وفد أهل البحرين، ووفد بني حنيفة، ووفد قبيلة غامد.
- كما كان على مراجعة دائمة لمحفوظ القرآن، ومن مظاهر ذلك أنه كان يستدرك على النبي ﷺ ما نسيه في صلاته، فعن عَبْد الرَّحْمَن بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ: « أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِي الْفَجْرِ فَتَرَكَ آيَةً فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ؟ قَالَ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسِخَتْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا أَوْ نُسِّيتَهَا قَالَ: نُسِّيتُهَا».
وفاته :
اختلف في تاريخ وفاته اختلافاً كثيراً، فقيل: توفي سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: سنة ثلاث وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقد رجح ابن الجزري أنه توفي سنة ثلاث وثلاثين هجرية.
د. فيصل الجودة