9 – أَبُو الْدَرْدَاء عُوَيْمِرُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسِ الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه.
عُوَيْمِرُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ مَالِكِ بِنِ عَامِرِ بنِ كَعْبِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَج الأَنْصَارِيّ الخَزْرَجِيُّ، أبُو الْدَرْدَاء.
تلقيه للقرآن :
جمع القرآن الكريم في عهد النبي ﷺ ، في البخاري عن أنس قال: « مَاتَ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْد بن ثَابِت وَأَبُو زَيْدٍ، قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ».
تلامذته في القراءة :
عرض عليه القرآن: عَبْد اللهِ بن عَامرِ اليحصبي ت(118هـ) ، و أم الدرداء الصغرى ، وخُلَيْد بن سعد ، وراشد بن سعد ت(108هـ) ، وخَالِد بن مَعْدَان ت(104هـ).
جهوده في علم القراءات :
1️⃣ روى الكثير من القراءات المتواترة وكذلك الشاذة، الكثير منها في كتب القراءات والتفاسير.
2️⃣ يُعَدُّ أحد الذين جمعوا القرآن حفظاً على عهد النبي ﷺ بلا خلاف.
قال الشعبي: « جمع القرآن على عهد رسول الله ﷺ ستة، وهم من الأنصار: معاذ، وأبو الدرداء، وزيد، وأبو زيد، وأُبَيّ، وسعد بن عُبَيْد ».
إذن هو معدود فيمن تلا على النبي ﷺ، ولم يبلغ أبداً أنه قرأ على غيره، وقد جمع القرآن في حياة رسول الله ﷺ ، وتصدَّر للإقراء بدمشق في خلافة عُثْمَان.
3️⃣ جاء أبو الدر داء في رأس إسناد الإمام عَبْد اللهِ بن عَامر من القراء السبعة.
4️⃣ كانت له طريقته الخاصة في إقراء الأعاجم الذين لا يحسنون النطق بالعربية، فكان يقرئهم بتقريب المعنى، قرأ الأعجمي:( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم)، قال: طعام اليتيم، فرد عليه فلمَّا أكثر عليه أبو الدرداء فرآه لا يفهم قال: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر ».
فهنالك احتمالان لإقراء أبي الدرداء لذلك الرجل؛ إما أن يكون قرَّب إليه اللفظ، وإما أنه أقرأه بما رُخص به من الأحرف السبعة ( المشترك اللفظي )، والله أعلم .
5️⃣ يُعَدُّ أبو الدرداء t أول من سَنَّ حِلَقَ القراءة بمسجد دمشق، عن يزيد بن مالك عن أبيه قال: « وهو الذي سَنَّ هذه الحِلَق للقراءة » – أي أبي الدر داء -.
6️⃣ كان رضي الله عنه شاهداً على قراءة ابن مسعود مُقراً لها، روى البخاري عن عَلْقَمَةَ قال: « دَخَلْتُ في نَفَرٍ من أَصْحَابِ عبد اللَّهِ الشام فَسَمِعَ بِنَا أبو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا، فقال: أَفِيكُمْ من يَقْرَأُ، فَقُلْنَا: نعم قال: فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ فَأَشَارُوا إِليَّ فقال: اقْرَأْ فَقَرَأْتُ وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إذا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، قال: أنت سَمِعْتَهَا من فِيِّ صَاحِبِكَ، قلت: نعم، قال: وأنا سَمِعْتُهَا من فِيِّ النبي ﷺ، وَهَؤُلَاءِ يَأْبَوْنَ عَلَيْنَا ».
7️⃣ كانت لأبي الدرداء طريقته الخاصة في تعليم القرآن، حيث كان يؤهِّل عرفاء من الحفاظ المتقنين، ثم يكلف كل واحد منهم بأن يُقرئ في حلقة، وبعد ذلك يمر على جميع الحلقات فينظر أفضل مَنْ في تلك الحلقات من الطلاب المتقنين فيعرض على أبي الدر داء القرآن، فيأخذ الطالب من أبي الدرداء الإتقان والإسناد العالي معاً، عن أبي عُبَيْد الله مسلم بن مشكم قال: « كان أبو الدرداء قائماً يستفتونه في حروف القرآن – يعني المقرئين – فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحوَّل إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة فيقرأ جزءاً من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه، فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه وكان ابن عامر مقدماً فيهم ».
8️⃣ بعثه عُمَر بن الخَطَّاب لتعليم القرآن في دمشق، فلما كان عمر كتب يزيد بن أبي سفيان: أن أهل الشام كثروا ورَبَوا، وملأوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم فقال عمر: أعينوني بثلاثة قالوا: هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وهذا سقيم لأُبَيّ فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال: ابدؤوا الحمص فإذا رضيتم منها فليخرج واحد إلى دمشق، وآخر إلى فلسطين فأقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى د مشق ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل معاذ بها حتى مات عام طاعون عمواس، وصار عبادة بعد إلى فلسطين فمات بها ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات.
9️⃣ أسَّس مدرسةً للإقراء بدمشق، وأصبحت من أزهى المدارس في عصره حيث بلغ عدد الخريجين أكثر من ألف وستمائة حافظ، عن مسلم بن مشكم قال لي أبو الدرداء: اُعْدُدْ مَنْ في مجلسنا ؟ قال: فجاءوا – ألفاً وستمائة ونيفاً – فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرةً عشرة فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزءاً فيحدقون به يسمعون ألفاظه، وكان ابن عامر مقدَّماً فيهم، وقال سويد بن عبد العزيز: « كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه فكان يجعلهم عشرةً عشرة وعلى كل عشرة عريفاً ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك وكان ابن عامر عريفاً على عشرة »، وعن مسلم ابن مشكم قال: قال لي أبو الدرداء اعدد من يقرأ عندي القرآن فعددتهم ألفاً وستمائة ونيفاً، وكان لكل عشرة منهم مقرىء، وكان أبو الدرداء يكون عليهم قائماً، وإذا أحكم الرجل منهم تحوَّل إلى أبي الدرداء .
🔟 كما كان يستخدم منهج المتابعة المستمرة لطلابه الذين أخذوا عنه، فيسأل عن حالهم مع القرآن وعن أثره فيهم ؟ عن عبادة بن نسي قال: « كان رجل بالشام يقال له معدان – كان أبو الدر داء يقرئه القرآن – ففقده أبو الدر داء فلقيه يوماً وهو بدابق، فقال له أبو الدرداء: يا معدان، ما فعل القرآن الذي كان معك؟ كيف أنت والقرآن اليوم؟ قال: قد علم الله منه فأحسن، قال: يا معدان أفي مدينة تسكن اليوم أو في قرية؟ قال: لا بل في قرية قريب من المدينة، قال: مهلاً ويحك يا معدان، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من خمسة أهل أبيات لا يؤذن فيهم بالصلاة وتقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، وإن الذئب يأخذ الشاذة فعليك بالمدائن ويحك يا معدان ».
1️⃣1️⃣ كان له الفضل في تصدَّر زوجته أم الدرداء للإقراء، فعلّم زوجته القرآن وأصبحت من الحافظات المشهورات، وحثَّها أن تجلس في حِلَق القراء تعلِّم القرآن.
2️⃣1️⃣ كان لأبي الدرداء سهمٌ في تعليم النساء القرآن الكريم، وذلك عن طريق زوجته أم الدرداء حيث وجهها أن تلتحق بصفوف النساء وتعلمهن كتاب الله، عن عُثْمَان بن أبي عاتكة قال: « كانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء تختلف مع أبي الدرداء في برنس تصلي في صفوف الرجال وتجلس في حلق القراء تعلم القرآن حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: « الحقي بصفوف النساء ».
3️⃣1️⃣ كما وردت عنه آثار كثيرة في فضائل القرآن و الحث على تعلمه، تحتاج إلى تمحيص.
وفاته :
توفي سنة اثنتين وثلاثين هجرية.
د. فيصل الجوده