لماذا قال الله سبحانه : ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ [ البقرة : 240 ] . وقال : ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [ البقرة : 233 ] . فاستعمل الحول , ولم يستعمل العام أو السنة , كما قال الله سبحانه : ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [ لقمان : 14 ] . الجواب : أما السنة والعام والحجة فقد ذكرناها في كتابنا ﴿ من أسرار البيان القرآني – باب المفردات ﴾ . واما استعمال الحول ههنا , فله مناسبته , ذلك أن معني ﴿ الحول ﴾ السنة " اعتبارا بانقلابها , ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها " . ومن معاني ﴿ الحول ﴾ في اللغة التحول والتغير , يقال : ﴿ حال ﴾ أي " تحول من موضع إلي موضع , وحال فلان عن العهد ؛ أي : زال " . ومن معاني ﴿ الحول ﴾ الحجز والمنع , يقال : " حال الشئ بين الشيئين يحول حولا وتحويلا ؛ أي : حجز " . قال تعالي : ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [ هود : 43 ] . وقال : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [ الانفال : 24 ] . ولم يستعمل القرآن ﴿ الحول ﴾ إلا في حالتي الوفاة أو الطلاق , وكلاهما تحول وحاجز . قال تعالي : ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ﴿238﴾﴾ [ البقرة : 240 ] . وقال : ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [ البقرة : 233 ] . فقد ذكر بعضهم أن هذه الآية خاصة بالمطلقات , يدل علي ذلك أمران : الأمر الأول : أن الآية ذكرت عقيب آيات الطلاق , فكانت من تتمتها . والأمر الآخر : أن إيجاب الرزق والكسوة فيما بعد للمرضعات يقتضي التخصيص ؛ إذ لو كانت الزوجة باقية لوجب علي الزوج ذلك بسبب الزوجية , لا الإرضاع . والوفاة تحول وتغير , والوفاة حاجز بين الزوجين , فناسب استعمال الحول , والطلاق تحول وتغير وهو حاجز بين الزوجين , فناسب استعمال الحول أيضا . وذلك من لطيف التناسب ودقته . ﴿أسئلة بيانية في القرآن الكريم الجزء الثاني ص : 21﴾