قال تعالي في سورة الأنعام : ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ﴾ [ الأنعام : 157 ] . وقال في سورة الكهف : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [ الكهف : 57 ] . سؤال : ما الفرق بين قوله : ﴿ وصدف عنها ﴾ وقوله : ﴿ فأعرض عنها ﴾ ؟ الجواب : الصدف كل شئ مرتفع عظيم , كالحائط والجبل . والصدف الجبل المرتفع , والصدف جانب الجبل , وفي التنزيل في قصة ذي القرنين : ﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ﴾ [ الكهف : 96 ] . وصدف عنها معناه : أعرض إعراضا شديدا , وهو في الصلابة كصدف الجبل , أي : جانبه . والسياق في آية الأنعام يوضح هذا الإعراض الشديد , فقد قال في آية الأنعام : ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾ . فذكر التكذيب والإعراض الشديد , فقد قال في الكهف : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ﴾ فذكر التذكير والإعراض , ولم يذكر التكذيب . ونحو ذلك قال في سورة السجدة , فقد قال : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ [ السجدة : 22 ] . فذكر التذكير ثم الاعراض , في حين ذكر التكذيب والاعراض في الانعام فكان ذلك اشد . ثم إن الجزاء أشد في الأنعام , فقد قال : ﴿ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ﴾ ولم يقل مثل ذلك في آيتي الكهف والسجدة . ومما يبين ذلك أيضا قوله بعد آية الأنعام : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [ الأنعام : 158 ] مما يبين شدة الإعراض في حين لم يذكر مثل ذلك في الموضعين الآخرين , فقد قال بعد آية الكهف : ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾ [ الكهف : 58 ] . وقال بعد آية السجدة : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ﴾ [ السجدة : 23 ] مما يبين شدة الاعراض في الانعام , فناسب كل تعبير موضعه . ﴿أسئلة بيانية في القرآن الكريم الجزء الثاني ص : 51﴾