الإعدادات
برنامج لمسات بيانية ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾﴾ تطيرنا بكم أي تشاءمنا بكم فلم نر على وجوهكم خيراً في عيشنا. وقد تقول لقد قال في سورة النمل في قوم صالح ﴿قالوا اطيرنا بك وبمن معك ﴿47﴾ النمل﴾ فأبدل وأدغم فلم لم يقل ههنا كما قال ثمَّ؟ والجواب أنا ذكرنا في كتابنا بلاغة الكلمة في التعبير القرآني أن ﴿اطّير﴾ ونحوه كادّبّر واطّهّر أبلغ من ﴿تطير﴾ ونحوه لمكان التضعيف في الفاء زيادة على تضعيف العين فدل على أن التطير في سورة النمل أشد منه مما في هذه الآية، يدل على ذلك أنهم في هذه الآية هددوهم بالرجم والتعذيب إن لم ينتهوا. وأما في سورة النمل فقد تعاهدوا وتقاسموا بالله على قتله مع أهله ﴿قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ﴿49﴾ النمل﴾ فدل على أن تطيرهم في سورة النمل أقوى وأشد. * ما العلاقة بين التطير والتشاؤم؟ كانوا في الجاهلية إذا أرادوا سفراً ورأوا طيراً زجروه فإن طار على ميامنهم يتفاءلون يسموه السامح وإذا طار على يسارهم يتشاءمون ويسموه البارح. من هنا دخل معنى التشاؤم من الطير. يبقى اختيار الصيغة. إطّير أصلها تطيّر صار فيها تضعيفان، فيها تضعيف آخر إبدال وإدغام، إبدال التاء طاء. *إدغامهما في بعضهما بالتشديد وتشديد الياء؟ وتشديد الياء وفيه همزة وصل إذن هذا صار فيه من الإبدالات الجائزة والكثيرة فصار اطّيّر مثل تطهّر واطّهّر، تدبّر وادّبّر، تذكر واذكر، يدبرون يتدبرون، يطهرون يتطهرون، إطير يتطير، هذا إبدال جائز. لكن اطّيّر كما ذكرت فيها تضعيفان، الأصل تطيّر فيها تضعيف واحد، والتضعيف يفيد المبالغة والتكثير إذن صار التطيّر في النمل أشد من التطيّر في يس. كيف نعلم هذا؟ لو قرأنا ما في النمل ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ﴿47﴾﴾. هنا هددوهم بالرجم والعذاب في يس ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾﴾ نلاحظ في النمل قالوا ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿49﴾﴾ يقتلوه هو وأهله، أيّ الأشد؟ القتل أشدّ، أي التطير أكثر؟ * الخاص بالقتل فلهذا قال ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ﴾؟ ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ﴾ لأن ما أضمروا له كان أشد ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ يقتلونهم كلهم ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾.النية المبيتة للقتل أقوى فكان التطير أقوى. وقد تقول إذا كان الأمر كذلك فلم إذن أكّد التطير بـ ﴿إنّ﴾ في سورة يس فقال ﴿إنا تطيرنا بكم﴾ ولو يؤكده في سورة النمل فإنه قال ﴿قالوا اطيرنا﴾؟ والجواب أنه لا يلزم في الكلام توكيد كل فعل فيه مبالغة وشدة دوما فإنه إذا ذكر المتكلم فعلاً أقوى وأبلغ من فعل أو وصفاً أقوى من وصف لا يلزمه أن يؤكد الفعل أو الوصف الأقوى منهما وإنما يكون ذلك بحسب الغرض فله أن يؤكد أي واحد منهما بحسب ما يقتضيه الكلام فله أن يقول مثلاً ﴿اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان﴾ فيذكر الإصطبار من دون توكيد ويؤكد الصبر مع أن الاصطبار أبلغ وأقوى من الصبر لأن الغرض من العبارة أن يخبر باصطباره عليه ويؤكد صبره على الآخر. ولك أن تقول ﴿إنه كاذب﴾ فتؤكد إسم الفاعل وتقول ﴿هو كذاب﴾ فلا تؤكد صيغة المبالغة مع أن المبالغة أقوى من إسم الفاعل ولا يلزم من مبالغة الوصف التوكيد وإنما يكون ذلك بحسب الغرض. قال تعالى ﴿وإنهم لكاذبون﴾ في أكثر من موطن فأكّد بـ﴿إنّ﴾ واللام. وقال ﴿هذا ساحر كذاب ﴿4﴾ ص﴾ و﴿بل هو كذاب أشر ﴿25﴾ القمر﴾ ولم يؤكد مع أن ﴿كذاب﴾ صيغة مبالغة فأكد إسم الفاعل ولم يؤكد المبالغة. والذي أريد أن أخلص إليه أن المبالغة في الفعل والوصف لا تقتضي التوكيد دائماً وإنما ذلك بحسب الغرض والمقام فلك أن تؤكد أيّ فعل أو وصف أو لا تؤكده ولك أن تؤكد ما هو أقل مبالغة ولا تؤكد الأقوى وبالعكس فكل ذلك إنما يكون بحسب ما يقتضيه الكلام. وإيضاح ذلك أنك قد تذكر شخصاً هو موضع ثقة كبيرة عند من تخاطبه فتقول له ﴿هو كاذب﴾ فينكر ذلك عليك فتؤكد ذلك بقولك ﴿إنه كاذب﴾ ثم ينكر عليك قولك إنكاراً أشد ن الأول فتقول له ﴿إنه لكاذب﴾. وتقول عن شخص آخر معروف بكثرة الكذب ﴿هو كذاب﴾ فلا تحتاج إلى توكيد لأن مخاطبك لا ينكر ذلك عليك. فأنت احتجت إلى أن تؤكد إسم الفاعل دون المبالغة. ونعود إلأى الآيتين فنقول إن قوم صالح أخبروه بتطيرهم الشديد وأما أصحاب القرية فإنهم أكدوا تطيرهم وهو نظير قولنا ﴿اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان﴾ أو ﴿هو مكتسب وإن زيداً كاسب﴾ فيؤكد الأقل دون الأقوى. إنه في آية يس قوله ﴿قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم﴾ أكد التطير بـ ﴿إنّ﴾ وفي آية النمل وهي قوله ﴿قالوا اطيرنا بك وبمن معك﴾ لم يؤكده ذلك أن كل موطن يقتضي ما ذكر فيه. فإن أصحاب القرية أطالوا في كلامهم ولم يكتفوا بذكر التطير وإنما هددوهمبالرجم والتعذيب فقالوا ﴿لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم﴾ في حين كان الكلام موجزاً في سورة النمل فقد ذكروا التطير ولم يهددوهم بشيء فناسب الإيجاز الإيجاز وناسب التفصيل التفصيل. ولا شك أن القول ﴿تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم﴾ أطول من ﴿اطيرنا بك وبمن معك﴾. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن أصحاب القرية هددوهم بالرجم والتعذيب مؤكدين ذلك بالقسم ونون التوكيد ﴿لئن لم تنتهوا لنرجمنكم﴾ فناسب ذلك توكيد التطير في حين أن قوم صالح لم يهددوهم بشيء فناسب التوكيد في آية يس دون آية النمل. وهناك أمر آخر وهو أن رهطاً من قوم صالح كانوا يدبرون له ولأهله أمراً خفياً لا يريدون إشاعته ولا أن يعلم به غيرهم وهو أن يبيتوه وأهله بليل أي أن يغيروا عليهم ليلاً ويقتلوهم من دون أن يعلم أحد ثم إنهم إن سئلوا عن ذلك أجابوا أنهم لا يعلمون ذاك وقد تعاهدوا على ذلك وأقسموا عليه ﴿قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله﴾ وهذا يقتضي عدم التهديد والتوعد المعلن لأنه سيفتضح أمرهم بل يقتضي عدم التوكيد في الكلام ولذا ذكروا أنهم متطيرون بهم ليس غير. فاقتضى كل موطن التعبير الذي ورد فيه. هذا علاوة على تردد التوكيد بـ﴿إنّ﴾ في قصة أصحاب القرية أكثر من مرة ﴿إنا إليكم مرسلون، إنا إليكم لمرسلون، إنا تطيرنا بكم، إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون﴾. في حين لم يرد ذلم في قصة صالح إلا قوله ﴿وإنا لصادقون﴾ فناسب كل تعبير موطنه وأما قوله ﴿فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴿51﴾﴾ وقوله ﴿إن في ذلك لآية ﴿52﴾﴾ فهذا من التعقيب على القصة وليس فيما دار فيها من كلام. جاء في التفسير الكبير: "لما ظهر من الرسل المبالغة في البلاغ ظهر منهم الغلو في التكذيب فلما قال المرسلون ﴿إنا إليكم مرسلون﴾ قالوا ﴿إن أنتم إلا تكذبون﴾ ولما أكد الرسل قولهم باليمين حيث قالوا ﴿ربنا يعلم﴾ أكدوا قولهم بالتطير بهم". ﴿لئن لم تنتهوا لنرجمنكم﴾ : بعد أن ذكروا تطيرهم بهم هددوهم بالرجم إن لم يكفوا عن دعوتهم وقد أكدوا ذلك بالقسم وبنون التوكيد ويدل على القسم اللام الداخلة على ﴿إنْ﴾ وهي اللام المطئة للقسم أي الدالة عليه وأكدوا تهديدهم بنون التوكيد الثقيلة الداخلة على الفعل ﴿لنرجمنكم﴾ فكما أكدوا تطيرهم بـ ﴿إنْ﴾ أكدوا تهديدهم بالقسم ونون التوكيد. وقد تقول لقد قال في مكان آخر ﴿لتكونن من المرجومين ﴿116﴾ الشعراء﴾ وقال في سورة مريم ﴿لئن لم تنته لأرجمنك ﴿46﴾﴾ فلم لم يجعل التعبيرات على نمط واحد؟ والجواب أنه لا يصح جعلها على نمط واحد لأن المعنى مختلف والمقام مختلف ذلك أن قولك ﴿لأرجمنك﴾ يعني لأوقعن عليك الرجم ولا يعني أن هناك مرجومين معه أو نالهم الرجم. وقولك ﴿هو من المرجومين﴾ يعني أنه واحد ممن نالهم الرجم. فلا يصح في سورة يس أن يقال ﴿لئن لم تنتهوا لتكونن من المرجومين﴾ لأنه ليس هناك أشخاص آخرون غير هؤلاء نالهم الرجم فيكونون منهم. وكذلك في آية مريم فإنه قال ﴿لئن لم تنته لأرجمنك﴾ ولم يقل ﴿لتكونن من المرجومين﴾ لأنه ليس هنام آخرون معه نالهم الرجم أو سينالهم فإن هذا الكلام موجه من أبي إبراهيم لولده إبراهيم عليه السلام وحده. أما في سورة الشعراء فإنه تهديد لنوح ولمن معه ﴿قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين﴾ أي لئن لم تنته لتكونن من الذين ينالهم الرجم. ولو قال ﴿لنرجمنك﴾ لكان الرجم مختصاً بنوح دون من آمن معه. فإن قيل ولم لم يقل ﴿لئن لم تنتهوا لنرجمنكم﴾ كما قال في سورة يس؟ والجواب أن الرسل في سورة يس ثلاثة كلهم بمنزلة واحدة داعون إلى الله مبلغون لرسالته ولذلك جاء الكلام على أنفسهم بصيغة الجمع ﴿قالوا إنا إليكم مرسلون، قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون، وما علينا إلا البلاغ المبين﴾ وكان التطير بهم جميعاً ﴿قالوا إنا تطيرنا بكم﴾ فكان الخطاب لهم جميعاً. وأما نوح فهو رسول واحد يبلغ عن ربه أما البقية فهم أتباع وهو صاحب الدعوة والمبلغ فخوطب وطلب منه الكف فقالوا ﴿لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين﴾ أي لنرجمنك ومن معك فهذا تهديد له ولأتباعه. وهذا القول نظير ما قاله قوم لوط للوط ﴿لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ﴿167﴾ الشعراء﴾ أي لنخرجنك ومن معك بدليل قوله تعالى على لسان قومه ﴿أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ﴿82﴾ الأعراف﴾ وقوله ﴿اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ﴿56﴾ النمل﴾ فلما واجهوا لوطاً قالوا له لتكونن من المخرجين أي لتكونن واحداً منهم وهو تهديد له ولأتباعه أيضاً. فكان كل تعبير هو المناسب في مكانه. ﴿وليمسنكم منا عذاب أليم﴾ : هددوهم بالعذاب الأليم إضافة إلى الرجم فإنهم لم يقولوا ﴿أو ليمسنكم منا عذاب أليم﴾ فيهددوهم بأحد الشيئين بل جاؤا بالواو التي تفيد الجمع قم أعادوا اللام الواقعة في جواب القسم ﴿ليمسنكم﴾ للدلالة على أن التهديد بالعذاب مؤكد كالمعطوف عليه لأنه أحياناً يكتفي باللام الداخلة على الفعل الأول أما الفعل الثاني فيكتفي فيه بنون التوكيد فيكون الثاني أقل توكيداً وذلك كقوله تعالى ﴿لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم ﴿11﴾ الحشر﴾ فإنه أدخل اللام الموطئة في قوله ﴿لئن أخرجتم﴾ ولم يدخلها على المعطوف وإنما اكتفى بتوكيد الفعل فقال ﴿وإن قوتلتم لننصرنكم﴾ فكان الثاني أقل توكيداً من الأول ذلك أنهم أكدوا الفعل الأول لأنه أيسر عليهم ولم يؤكدوا الثاني لأنه أصعب عليهم وأشق. وكان هناك خيار آخر وهو أن يخفف النون في الفعل المعطوف نظير قوله تعالى ﴿ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوننْ من الصاغرين ﴿32﴾ يوسف﴾ فيكون ما دخلت عليه النون الثقيلة آكد مما دخلت عليه النون الخفيفة ولكنه لم يفعل هذا ولا ذاك بل أعاد اللام وأتى بالنون الثقيلة للدلالة على أنهما بمنزلة واحدة في التوكيد وأنهم سيفعلونهما جميعاً. ثم قالوا ﴿منا﴾ للدلالة على الجهة التس ستقوم بالعذاب فالجهة التي ستقوم بالرجم والعذاب واحدة ﴿لنرجمنكم وليمسنكم منا﴾ فإنه لم يقل ﴿وليمسنكم عذاب أليم﴾ فيُبهم الجهة إذ لعله لو قالوا ذاك لفهم منه أنهم يقصدون أن آلهتهم هي التي ستمسهم بالعذاب. وقدم الجار والمجرور ﴿منا﴾ على العذاب لأكثر من سبب ذلك أن الكلام عليهم وهم مدار الإسناد ﴿قالوا إنا تطيرنا، لنرجمنكم، وليمسنكم منا﴾ فناسب تقديم ضميرهم فإنهم هم المتطيرون وهم الراجمون وهم المعذبون. ثم إن تقديم الجار والمجرور يفيد تعلقه بالفعل ﴿ليمسنكم﴾ أي ﴿ليمسنكم منا﴾ أي نحن الذين نعذبكم ونتولى أمر ذلك بأنفسنا ولا ندع ذلك لغيرنا ممن قد يرقّ لحالكم أو يخفف عنكم. ول قال ﴿ليمسنكم عذاب أليم منا﴾ لاحتمل أن يكون ﴿منا﴾ صفة لـ ﴿عذاب﴾ وعلى هذا الاحتمال يكون العذاب صادراً منهم أمره أما الذي يقوم بالتعذيب فهو غيرهم وهذا يكون نظير قولنا: "اتسعرت لمحمد كتاباً" و "استعرت كتاباً لمحمد" فإن الجملة الأولى يكون تعلق الجار والمجرور فيها بـ ﴿استعرت﴾ فتكون الإستعارة لمحمد أي "استعرت لمحمد" "كتاباً"، أما الجملة الثانية فتحتمل هذا المعنى وتحتمل معنى آخر وهو استعرت كتاباً عائداً لمحمد أي أن الكتاب هو كتاب محمد وأنت استعرته فيكون المعنى على النحو الآتي: ﴿استعرت﴾ ﴿كتاباً لمحمد﴾ فكان تقديم الجار والمجرور هو الأنسب. * في قوله تعالى ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾﴾ تكرار اللام في الفعلين ﴿لنرجمنكم - ليمسنكم﴾ هل لهذا التكرار فائدة نعمل على سبر أغوارها ونفهمها؟ وفي موطن آخر قال ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ﴿11﴾ الحشر﴾ لم يقل ولئن قتلتم؟ فكيف نفهم هذا التكرار وعدمه؟ هو أكّد في ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ بالقسم ونون التوكيد الثقيلة. وكذلك في ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾ أكد بالقسم ونون التوكيد الثقيلة. الأمر أنهم هددوهم بأمرين يعني ما قالوا لنرجمنكم أو ليمسنكم. أو واحد منهم، لكن هنا الاثنين. لكن يبقى السؤال الذي تفضلت به هو أعاد لام القسم بالاثنين والتوكيد كما هما في يس بينما في الآية التي ذكرتها ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ﴿11﴾ الحشر﴾ لم يقل لئن قوتلتم، لننصرنكم. تلك في المنافقين ﴿أََلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ﴿11﴾ الحشر﴾. عندنا المنافقين يقولون ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ أيُّ الأشد، الإخراج أو المقاتلة؟ القتال أشد والمنافقون ليس عندهم قتال. * حتى في كلامهم يُعرفون! الإخراج لا بأس فيه أما القتال فلا! لذلك هي دونها. * ﴿أََلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ هم يخافون من القتل والمواجهة فكان تأكيد الكلام أقل فقال ﴿وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ لكنهم أدخلوا اللام على ﴿لننصركم﴾ يعلمون أنه لن يحدث؟. ليست مثل تلك. * في يس قال ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾ باللام والنون! هذا مصممين عليه وجاء بنون التوكيد الثقيلة ولم يأت بنون التوكيد الخفيفة. * بهذا المنطق ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾﴾ ما فائدة ﴿منّا﴾ هنا، ما دلالتها؟ لو حذف ﴿منا﴾ في خارج القرآن لنرجمنكم وليمسنكم عذاب أليم؟ ممن يكون العذاب؟ قد يكون تحذير من الآلهة، يعني انتظروا قد يصيبكم من الآلهة ما يصيبكم من العذاب بينما هم لا يريدون هذا وإنما هم يريدون أن يباشروا الأمرين الرجم والمس منهم هم. لو لم يقل ﴿منا﴾ لاحتمل جهة أخرى قد يكون من باب التخويف والتحذير من الآلهة، انتبه الآلهة ستفعل بك كذا وكذا ليس نحن فقط، لا، هم حددوا جهة الرجم وجهة المسّ. * هل الفاعل واضح في الفعل لنرجمنكم وليمسنكم؟ نحن. * في سورة يس ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾﴾، ماذا لو كانت الآية "ولنمسّنكم بعذاب أليم" هل كانت ستفيد معنى مختلفاً أم أن هنالك لمسة بيانية في الآية؟ الآية ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الفرق بين ليمسنكم ولنمسنكم. ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الفاعل هو العذاب، ﴿لنمسنكم﴾ الفاعل نحن، الضمير. الفاعل المسند إليه، الفاعل هو الأهم أنت تذكره. الآن هو يريد أن العذاب يمسنكم ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ ﴿41﴾ ص﴾ الشيطان فاعل، المهم هو الفاعل ، إلى من تسنده؟ ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ َ﴿17﴾ الأنعام﴾ الفاعل هو الله، لو مسه غيره؟! ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُو﴾ لكن إذا غيره محتمل هذا. إذن مدار الكلام على الفاعل وليس مجرد المسّ بالعذاب ، المهم الآن هو العذاب ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ﴾ بالنسبة للعذاب. الفاعل هو المهم هو الذي يسند إليه الفعل، هو المهم، الفعل بما يقوم به الفاعل على قدر الفاعل. إذن تختلف المسألة
﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ سورة يس ﴿١٨﴾