صفحات الموقع
﴿خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ ولأن َإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ٣ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٤ * * * قدم خلق السماوات والأرض على علمه بما فيهما؛ لأن خلقه لهما أسبق، فذكر أنه يعلم ما فيهما، أي: بعد إيجادهما. ونحوه: ﴿وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ فإنه ذكر ذلك بعدما ذكر أنه صورهم، فإنه يعلم ما يسرون وما يعلنون بعد إيجادهم، وإن كان علمه العام هو السابق لكل شيء. وقد سطر سبحانه علمه بما كان وما سيكون قبل خلق الكائنات. وظاهر أن قوله: ﴿وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ يناسب قوله: ﴿وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ. ﴿بِٱلۡحَقِّ. و﴿ذات الصدور الأسرار المستكنة في صدور الناس، أو القلوب التي في الصدور. لقد قدم خلق السماوات والأرض على تصوير الإنسان لأن خلقه لهما أسبق. وأخّر ذكر علمه بما في السماوات والأرض بعد خلق الإنسان ليشمل علمه الإنسان أيضًا؛ لأنه مما في الأرض. ولو قدم ذكر علم ما في السماوات والأرض على خلق الإنسان لربما ظن أن ذلك لا يشمل العلم بالإنسان. وناسب التقديم والتأخير السياق من جهة أخرى، فإنه قدم ذكر علمه بما في السماوات والأرض لما قدم خلق السماوات والأرض. ولما أخر ذكر الإنسان أخر ذكر علمه بما يسرون وما يعلنون. ﴿يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ. لم يكرر ﴿ما فلم يقل ﴿وما في الأرض، وقد يكررها في مواطن، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٩ [آل عمران: 29]. وقوله: ﴿ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ٩٧ [المائدة: 97]. وقوله: ﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ١٦ [الحجرات: 16]. وفي مواطن أخرى لا يكرر ﴿ما وذلك كآية التغابن هذه، وكقوله تعالى: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧٠ [الحج: 70]. والتكرار قد يفيد التوكيد، وقد يفيد التفصيل. فالتكرار من أساليب التوكيد اللفظي. وقد يفيد التفصيل بخلاف الإيجاز، وقد يكون لأغراض أخرى. ومن الملاحظ في القرآن الكريم أنه إذا ختم الآية بالعلم المطلق وإحاطته بكل شيء، أي: بنحو قوله: ﴿بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ كرر ﴿ما فقال: ﴿مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ، وذلك نحو ما جاء في آية المائدة 97، وآية الحجرات 16، وآية المجادلة 7. قد تقول: ولكنه قد ذكر سعة علمه في التغابن فقال: ﴿يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُور. فذكر العلم بما يسرون وما يعلنون وأنه عليم بذات الصدور ومع ذلك لم يكرر ﴿ما فلم يقل: ﴿وما في الأرض مع دلالته على سعة علمه، فلم ذاك؟ فنقول: إن قوله: ﴿وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ أشمل في الدلالة على العلم من قوله: ﴿مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ و ﴿إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُور فإنه خصص العلم بما يسرون وما يعلنون وبما في الصدور. ولا شك أن العلم بكل شيء أوسع بكثير من هذا، فإن هذا جزء يسير من علمه سبحانه، فكرر ﴿ما في موضع الإحاطة التامة. قد تقول: ولكنه قال في آل عمران: ﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٩ [آل عمران: 29]. فكرر ﴿ما مع أنها شبيهة بآية التغابن، فقد ذكر إخفاء ما في صدور أو إبداءه، وهو شبيه بالإسرار والإعلان، فما الفرق؟ والجواب أن السياقين مختلفان من أكثر من وجه: 1 – منها أنه فصل في سياق آل عمران في شؤون أهل الأرض ما لم يفصله في التغابن، فقد ذكر قبل الآية ما يتعلق بأهل الأرض وأحوالهم وتصريف الله لهم ولما في الأرض ما لم يذكر في التغابن، فقد قال: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٦ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ٢٧. في حين لم يقل قبل آية التغابن في أهل الأرض إلا قوله: ﴿وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ. 2 – لقد ختم آية آل عمران بالقدرة الشاملة فقال: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ. ومن مقتضيات القدرة الشاملة العلم الشامل، فالقادر على كل شيء ينبغي أن يكون عالمًا بكل شيء، وإلا فكيف يكون قادرًا على شيء وهو ليس عالمًا به؟!. وما أجلّ التناسب بين القدرة الشاملة والعلم الشامل!. 3 – لقد قال في آية التغابن: ﴿وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ فذكر الإسرار والإعلان. وقال في آل عمران: ﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ. فذكر الإخفاء والإبداء والإخفاء كأنه ﴿﴿أخفى من السر قال تعالى: ﴿فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى [طه: 7]. وقد يكون في الأشياء التي تسترها عن الناظر من الحاجات والبضائع، تقول: ﴿أخفيت الباضعة تحت الأرض أو في صندوق أي: سترتها. جاء في ﴿المفردات في غريب القرآن: ﴿﴿خفي الشيء خفية؛ إذا استتر. وأخفيته: أوليته خفاء، وذلك إذا سترته، ويقابل به الإبداء والإعلان. وقال تعالى: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ [الممتحنة: 1]. فقال: ﴿وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ بعد قوله ﴿تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ ولم يقل: ﴿أنا أعلم بما أسررتم وما أعلنتم ذلك لأنه أفاد أنه يعلم الدافع الذي أخفوه في أنفسهم من هذا الإسرار، فإنك قد تسرّ شيئًا لشخص وأنت تبتغي غرضًا من ذلك تخفيه في نفسك، فربنا يعلم ذلك الأمر وماذا أخفيت. والإبداء أعم من الإعلان، فقد يكون الإبداء من غير إعلان وقد يكون بإعلان فالإبداء هو الإظهار، و﴿بدا ظهر، قال تعالى: ﴿فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا [طه: 121]. وتقول: ﴿بدا لي الأمر أي: ظهر. فذكر في آل عمران ما هو أعم، فناسب ذكر العموم التفصيل في قوله: ﴿مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ. ومن طريف التناسب في العموم والخصوص في هاتين السورتين أنه قال في آل عمران: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ٦. وقال في التغابن: ﴿وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ٣. فذكر من السعة في المشيئة في آل عمران ما لم يذكره في التغابن، فقوله: ﴿يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ أوسع مما ذكر في قوله: ﴿وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ فهذا جزء من مشيئته، لو شاء غير ذلك لفعل. وقوله: ﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ أوسع من قوله: ﴿إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ فقوله: ﴿إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ بعض صفات الألوهية. فما في آل عمران من العموم والشمول في هذه الآية مناسب لقوله: ﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوه. والخصوص في آية التغابن يناسب الخصوص في قوله: ﴿وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ. ومن الملاحظ في آيتي آل عمران والتغابن من جهة أخرى أنه قدم في آية آل عمران علمه بإخفاء ما في الصدور أو إبدائه على علم ما في السماوات وما في الأرض فقال: ﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ. وقدم في التغابن علمه بما في السماوات والأرض على علمه بما يسرون وما يعلنون، ذلك أنه في آية التغابن قدم –كما ذكرنا- خلق السماوات والأرض على خلق الإنسان فقال: ﴿خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ٣ [التغابن: 3] فناسب تقديم علمه بما في السماوات والأرض. وأما في آية آل عمران فالسياق في ذكر أهل الأرض وما في الأرض، فقد قال قبل الآية: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٦. وقبلها: ﴿لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ٢٨. وبعدها إنما هو في الكلام على أهل الأرض، فناسب تقديم ما يتعلق بهم. ﴿وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ. يقدم ربنا سبحانه السر على العلن في الغالب، غير أنه قد يقدم الإعلان على الإسرار إذا كان السياق يقتضي ذلك، فقد قال في سورة نوح مثلًا: ﴿ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارٗا٩ [نوح: 9] ذلك لأنه في مقام الدعوة والتبليغ، والأصل في التبليغ الإعلان؛ ولذا قال قبل الآية: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارٗا٨ [نوح: 8]. ثم إنما أرسل هو لينذر قومه، وإنذار القوم إنما يكون بالإعلان، ونحو ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ٧ [الأعلى: 7] فقد قدم الجهر على الإخفاء، والمقام يقتضي ذلك، فإن المقام في الإقراء، قال تعالى: ﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ٦ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ٧. والإقراء إنما يكون جهرًا لا إسرارًا، فقدم ما هو أنسب، ونحوه قوله تعالى: ﴿إِن تُبۡدُواْ شَيۡ‍ًٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا٥٤ [الأحزاب: 54]. فقدم الإبداء على الإخفاء، ذلك أنه السياق في الإبداء، فقد قال قبلها: ﴿وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡ‍َٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ﴿الآية: 53. والسؤال إنما يكون بالإبداء. ثم قال: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًا ﴿الآية: 53 والنكاح إنما يكون بالإعلان والإظهار، وبعدها قوله: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا٥٨ [الأحزاب: 58]. وذلك إنما يكون بالجهر من القول، فناسب تقديم الجهر. ونحو ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ [البقرة: 284]. فقدم الإبداء على الإخفاء؛ لأنه قال: ﴿يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ والحساب إنما يكون على الإبداء لا على الإخفاء بخلاف قوله: ﴿قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ [آل عمران: 29]. فقدم الإخفاء على الإبداء؛ لأنه قال: ﴿يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ والإخفاء أدل على العلم. فناسب كل تعبير موضعه. وكل ما قدم في ذلك أو أخر إنما هو لمطابقة مقتضى الحال. ﴿َٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ. قد تقول: لقد قال في سورة هود: ﴿يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٥ فأكد علمه ب﴿إن. وقال هاهنا: ﴿وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٤ من غير توكيد. وذلك أنه ذكر في سياق آية هود ما يتعلق بعلمه فيما يفعله المذكورون، فقد قال: ﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٥. ولم يذكر في آية التغابن نحو هذا، وإنما قال: ﴿يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٤. فلما ذكر في آية هود فعلهم وعلمه به أكد علم ما تخفيه صدروهم، ولما لم يذكر مثل ذلك في التغابن لم يؤكد. فقد قال في هود: ﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ وهذا يتعلق بأفعالهم. وقال: ﴿أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ وهذا يتعلق بأفعالهم أيضًا. وقال: ﴿يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ وذكر نحو هذا في التغابن، غير أنه لم يذكر أمرًا آخر يتعلق بهم. فلما زاد ما ذكر في هود فيما يتعلق بهم عما ذكره في التغابن أكد ذلك ب﴿إن. فناسب كل تعبير موضعه. ﴿من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 167: 176

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ سورة التغابن ﴿٣﴾

المصدر: https://quranpedia.net/note/48732