صفحات الموقع
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ٦ * * * أي: إن ما ذاقوه من العذاب وما سيلاقونه في الآخرة إنما هو بسبب كفرهم وتوليهم. والهاء في ﴿أنه ضمير الشأن، وذلك لتعظيم هذا الأمر الذي أفضى إلى ذلك. وقال: ﴿بِأَنَّهُۥ ولم يقل ﴿بأنهم لأنه أراد تعظيم هذا الأمر على العموم، سواء كان منهم أم من غيرهم، ولو قال ﴿بأنهم لربما أفهم أن ذلك خاص بهم، ولو كان من غيرهم لكان الأمر ليس بهذه الوخامة، أو لكان له شأن آخر. قد تقول: ولكنه قال في موضع آخر: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ٢٢ [غافر: 22]. فقال: ﴿بِأَنَّهُمۡ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُواْ ولم يقل ﴿بأنه كما قال في آية التغابن، فما الفرق؟ فنقول: إن السياقين مختلفان. وقد ذكر أن الضمير في ﴿أنه ضمير مناسب لسياقه الذي ورد فيه من أكثر من جهة. 1 – فقد قال قبل آية غافر: ﴿فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ [غافر: 21]. فقال: ﴿مِن قَبۡلِهِمۡۚ بالإضافة إلى ضميرهم. وقال في آية التغابن: ﴿نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فحذف المضاف إليه، والإضافة تفيد التبيين والتخصيص. فلما أضاف إلى ضميرهم في غافر فقال: قال: ﴿مِن قَبۡلِهِمۡۚ ﴿بأنهم بذكر ضميرهم. ولما لم يذكر المضاف إليه في التغابن قال: ﴿أنه بضمير الشأن، فلم يذكر ضميرهم. 2 – ذكرنا أن ضمير الشأن إنما هو تعظيم الأمر. وما ذكره في التغابن أشد وأعظم. فقد قال في التغابن: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيد. وقال في غافر: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ٢٢ [غافر: 22]. فذكر في التغابن من صفات الكفر ما هو أشد فقال: 1 – ﴿فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا وهو إنكار للرسل على العموم. 2 - ﴿فَكَفَرُواْ. 3 - ﴿وَتَوَلَّواْۖ. وقال في غافر: ﴿فَكَفَرُواْ. فذكر شيئًا واحدًا مما ذكره في التغابن، فزاد في التغابن التولي وإنكار صفة الرسالة للبشرية. فكان هذا أعظم وأشد، فجاء بالضمير الذي يدل على عظم هذا الشأن. وهذا من الوضوح بمكان. ﴿كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ. قال: ﴿كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ليدل على استمرار المجيء بالبينات فقوله: ﴿كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ يفيد الاستمرار، ولو قال: ﴿أتتهم لدل على مجيء البينات، ولم يدل على الاستمرار تصريحًا. ﴿فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا. وذلك إنكار أن يكون الرسل بشرًا مثلهم، وهذا شأن كثير من المنكرين على مدار التاريخ، فقد ذكر ذلك قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، فقد كانوا يقولون لرسلهم: ﴿إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا [إبراهيم: 10]. وكذلك قال كفار قريش: ﴿هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ [الأنبياء: 3]. وقال الله لرسوله: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ [الكهف: 110]. ﴿فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ. أي: كفروا بالرسل، وبما جاؤوا به وأعرضوا عنهم ونكلوا عن العمل، مع تتابع واستمرارها. والتولي في الأصل ترك المكان والانصراف عنه، قال تعالى في قصة موسى بعد ما سقى للمرأتين: ﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ [القصص: 24] أ أي: انصرف إلى الظل. وقال عن يعقوب عليه السلام: ﴿وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ [يوسف: 84]. وقال عن قسم من الصحابة الفقراء: ﴿وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ٩٢ [التوبة: 92] أي انصرفوا عنه. والتولي قد يكون بالإعراض الذي ليس من الكفر، وقد يكون التولي كفرًا وهو الإعراض عن الرسول والرسالة. فلقد قال عن جماعة من الصحابة انهزموا يوم أحد: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ١٥٥ [آل عمران: 155]. وقد يكون كفرًا، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ٢٣ [الغاشية: 23]. وقال: ﴿فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ [التغابن: 6]. وقال: ﴿فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ [آل عمران: 20]. وقال: ﴿قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ٣٢ [آل عمران: 32]. وقال: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ [آل عمران: 64]. وقال: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوۡنَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ٤٣ [المائدة: 43]. لقد قدم الكفر على التولي في آية التغابن هذه فقال: ﴿فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ. وقدم التولي على الكفر في موضع آخر فقال: ﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ٢٣ [الغاشية: 23]. والواو لا تفيد الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع، وإن التقديم والتأخير بحسب السياق كما ذكرنا في أكثر من موضع. فالسياق في التغابن إنما هو في ذكر الكافرين فقال: ﴿أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٥ [التغابن: 5]. وقال: ﴿زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ [التغابن: 7]. وقال: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ [التغابن: 10]. فناسب تقديم الكفر. وأما في الغاشية فالسياق مناسب لتقديم التولي، فقد قال: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ٢٢. وهؤلاء تولوا عن التذكير وانصرفوا عنه وأعرضوا. وكثيرًا ما يكون الإعراض والتولي إعراضًا وتوليًا عن التذكير. قال تعالى: ﴿وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمۡ خَيۡرٗا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ٢٣ [الأنفال: 23]. وقال: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ [النحل: 82]. وقال: ﴿فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ [المائدة: 92]. وقال: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا [الكهف: 57]. وقال: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ [السجدة: 22]. فذكر التولي مناسب للتذكير والتبليغ. فلما قال سبحانه: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ناسب تقديم التولي. فناسب كل تعبير موضعه. ومن لطيف المناسبات ما قاله سبحانه في آخر سورة الغاشية: ﴿إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ذلك أنه لما قال: ﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ والتولي هو الانصراف، والمنصرف لابد أن يؤوب إلى مكانه، قال: ﴿إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ أي: إن هذا المتولي المنصرف عن التذكير إلينا إيابه، أي: سيؤوب إلينا وليس إلى جهة أخرى. ﴿وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ. أي: لم يلتفت إليهم واطّرحهم ﴿﴿حيث أهلكهم وقطع دابرهم، من استغنى عن الشيء فلم يلتفت إليه. ﴿وَٱللَّهُ غَنِيٌّ عن العالمين وعن إيمانهم وطاعتهم. ﴿حَمِيدٞ أي: محمود على جهة الثبوت والدوام. وقد تكلمنا في هذين الوصفين في أكثر من موضع، من ذلك ما ذكرناه في تفسير سورة لقمان في قوله: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ. ولئلا يظن أن الاستغناء إنما حصل بعد هلاكهم قال: ﴿وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ أي: إن الله غني حميد على جهة الدوام قبل ذلك وبعده. قد تقول: لقد قال ههنا: ﴿وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ من دون توكيد. وقال في سورة الممتحنة: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ بالتوكيد ب﴿إن وذكر ضمير الفصل، وتعريف الغني الحميد، مع أن السياق في التولي في الموضعين، فقد قال في آية التغابن: ﴿فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ٦. وقال في آية الممتحنة: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيد. فنقول: ليس الأمر على ما ظننت، وإنما السياق مختلف في الموضعين. فقد قال في الممتحنة: ﴿لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ٦ والخطاب للمؤمنين، والسياق في أمر آخر غير ما في التغابن، فإن هذه الآية التي قبلها في سياق آخر. فإن أول سورة الممتحنة هو قوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقّ﴿1. وسبب النزول إنما هو في أحد الصحابة، وهو حاطب بن أبي بلتعة، أرسل كتابًا إلى أناس من المشركين في مكة يخبرهم بتوجه الرسول إليهم لفتح مكة؛ لتكون له عندهم يد، يدفع بها عن أهله وماله. فنزلت آيات تبين موقف إبراهيم والذين معه من قومه والبراءة منهم، وطلب إليهم أن تكون لهم أسوة فيهم، لا أن يتخذوا عندهم يدًا ويوادّوهم ليرجوا نفعهم فقال: ﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ [الممتحنة: 4]. وقال: ﴿لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ٦. فينبغي أن تبرؤوا منهم لا أن توادّوهم، وأن ترجوا الله واليوم الآخر لا أن ترجوهم، فإن الله هو الغني، وليس هؤلاء، بل إن الله هو الغني الحميد، وليس ثمة غني غيره، وهو المحمود على الدوام، فارجوا الله واليوم الآخر لما تريدون، ولا ترجوا أولئك؛ فإنه ليس عندهم ما ترجونه. فقال: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ بالتعريف والقصر والتوكيد وحذر من يتولى أنه لا ينال شيئًا ولا يبلغ مرادًا. وليس في سياق التغابن شيء من ذلك، فلم يؤكد ولم يقصر. فناسب كل تعبير موضعه. ﴿من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 178: 186 ﴿زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧ * * * الزعم قيل أكثر ما يكون فيما يشك ولا يتحقق، وقيل: أكثر ما يستعمل فيما كان باطلًا أو فيه ارتياب، وقد يطلق على الظن والكذب، وأكثر ما يستعمل للادعاء الباطل. ولم يرد في القرآن إلا في الذم. فقد ادعى الذين كفروا أن لن يبعثوا، فأمر الله سبحانه رسوله أن يقسم على أن البعث سيكون، وسيحاسبون على أعمالهم. ونفوا البعث ب﴿لن المؤكدة لنفي المستقبل. وكان الجواب بالقسم وتوكيد الفعل الدال على الاستقبال، وقال: إن ذلك يسير على الله. وقدم الجار والمجرور ﴿على الله للحصر، أي: إن ذلك على الله وحده يسير، وليس يسيرًا على غيره. ﴿من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 186، 187

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا ۚ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ سورة التغابن ﴿٦﴾

المصدر: https://quranpedia.net/note/48734