الإعدادات
﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ من المحتمل أن يكون هذا كلام الملائكة جواباً عن سؤالهم ويحتمل أن يكون هذا كلام المؤمنين أو أن يكون كلام الكافرين ﴿1﴾ فإنهم يعلمون أن المؤمنين كانوا يذكرون اليوم الآخر ويؤمنون به فذكر ما علموه عن ذلك، وقد حذف القائل ليعم الجميع الاحتمالات ويشمل كل من يصح منه القول. فإن قيل: إن قول الكفار ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾ سؤال عن الذي بعثهم، وقوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ ليس جواباً عنه فكيف يصح ذلك؟ والجواب: أن قول الكفار ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ ليس سؤالاً حقيقياً عن الذي بعثهم وإنما هو سؤال تحسر وابتئاس وندم يدل على ذلك قولهم ﴿يا ويلنا﴾ فهم يعلمون على وجه اليقين أن الله هو بعثهم للحساب ولذا قالوا ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ . فكان الجواب بما هو الأولي وهو تذكيرهم بالوعد الذي كان يوعدونه في الدنيا وما ذكرته الرسل وتقريعهم على ما فرط منهم ومع ذلك هو يتضمن الجواب عن الباعث وذلك قوله ﴿هذا ما وعد الرحمن﴾ أي أن الرحمن هو الذي بعثكم. وهو نظير قولنا لرجل يقول متحسراً مبتئساً: كيف وصلت إلى هذه الحال؟ فنقول له: هذا بسوء عملك. وهو ليس جواباً عن سؤاله، فإن سؤاله عن الحال والكيفية، والجواب كان عن السبب فهو في الحقيقة جواب عن سؤال ﴿بأي شيء حصل؟﴾ أو: لم حصل هذا؟ فعدل إلى ما هو الأولى بالجواب. جاء في ﴿الكشاف﴾: "فإن قلت: من بعثنا من مرقدنا سؤال عن الباعث فكيف طابقه ذلك جواباً؟ قلت: معناه بعثكم الرحمن الذي وعدكم بالبعث وأنبأكم به الرسل إلا أنه جيء به على طريقة سيئت بها قلوبهم ونعيت إليهم أحوالهم وذكروا كفرهم وتكذيبهم وأخبروا بوقوع ما أنذروا به وكأنه قيل لهم: ليس بالبعث الذي عرفتموه وهو بعث النائم من مرقده حتى يهمكم السؤال عن الباعث إن هذا هو البعث الأكبر ذو الأهوال والأفزاع وهو الذي وعده الله في كتبه المنزلة على ألسنة رسله الصادقين" ﴿2﴾. وجاء في ﴿التفسير الكبير﴾: "إن قلنا ﴿هذا﴾ إشارة إلى المرقد أو إلى البعث فجواب الاستفهام بقولهم ﴿من بعثنا﴾ أين يكون؟ نقول: لما كان غرضهم من قولهم ﴿من بعثنا﴾ حصول العلم بأنه بعث أو تنبيه حصل الجواب بقوله: هذا بعث وعد الرحمن به ليس تنبيهاً، كما أن الخائف إذا قال لغيره: ماذا تقول أيقتلنى لان؟ فله أن يقول ﴿لا تخف﴾ ويسكت لعلمه أن غرضه إزالة الرعب عنه وبه يحصل الجواب ﴿3﴾. وجاء في ﴿روح المعاني﴾: "وكان الظاهر أن يجابوا بالفاعل لأنه الذي سألوا عنه بأن يقال الرحمن أو الله بعثكم لكن عدل إلى ما ذكر تذكيراً لكفرهم وتقريعاً لهم عليه مع تضمنه الإشارة إلى الفاعل، وذكر غير واحد أنه من الأسلوب الحكيم على أن المعنى لا تسألوا عن الباعث فإن هذا البعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن وإنما الذي يهمكم أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال والأفزاع وفيه من تقريعهم ما فيه ﴿4﴾ و﴿ما﴾ في قوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ تحتمل أن تكون اسماً موصولاً أي هذا الذي وعده الرحمن، ويحتمل أن تكون مصدرية أي هذا وعد الرحمن. أما الواو فتحتمل العطف على الجملة وتحتمل الحالية أي وقد صدق المرسلون فيما أخبروا به، وجوزوا أيضاً أن تكون الواو عاطفة على الصلة، فإن كانت ﴿ما﴾ مصدرية كان التقدير: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين. وإن كانت اسماً موصولاً كان المعنى: هذا الذي وعده الرحمن وصدق فيه المرسلون، جاء في ﴿الكشاف﴾: "فإن قلت: إذا جعلت ﴿ما﴾ مصدرية كان المعنى هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق فما وجه قوله ﴿وصدق المرسلون﴾ إذا جعلتها موصولة؟ قلت: تقديره هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون بمعنى: والذي صدق فيه المرسلون من قولهم: صدقوهم الحديث والقتال ومنه: صدقني سن بكره" ﴿5﴾ وهذه الآية نظير قوله في سورة الأحزاب ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ-﴾ 22 ‘ن هذه الآية بمقابل قوله ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فهذا القول في الآخرة يقابل قولهم في الدنيا. فقوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ بمقابل قولهم ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾. وقوله ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ بمقابل قولهم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ والسخرية والاستهزاء بقولهم ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾يقابله الندم والحسرة بقولهم ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ وقوله ﴿يَقُولُونَ﴾ في الدنيا يقابل قوله ﴿قالوا﴾ في الآخرة. ثم إن اختيار لفظ ﴿المرسلون﴾ هو المناسب لما تردد في السورة من ذكر المرسلين. ثم لننظر من ناحية آخري أن ثمة سؤالين قد ذكرا وهما: السؤال الأول: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ والسؤال الآخر: من بعثنا من مرقدنا؟ وأن قوله تعالى ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ جواب عن السؤالين معاً فقوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ جواب من جهة عن السؤال الأول، فقد سألوا: متى هذا الوعد؟ فقال: هذا هو. وجواب عن السؤال الآخر من جهة آخري فقد تضمن ذكر الباعث الذي بعثهم من المرقد وهو الرحمن. ثم إن هذه الآية مرتبطة أيضاً بقول أصحاب القرية ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ . فقوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ رد على قولهم ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ فوعد الرحمن إنما يكون فيما أنزل. وقوله ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ رد على قولهم ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ وهي مرتبطة أيضاً بقوله تعالى في أول السورة ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ . فقد وعد الرحمن على لسان رسوله أن من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب له مغفرة وأجر كريم، ثم قال ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ وقال ههنا ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ فإنه أحيا الموتى وبعثهم من مرقدهم وصدق رسوله فيما بلغ، هذا إضافة إلى أنه تردد ذكر الرحمن في الآيتين. ثم لننظر من ناحية تعبيرية وهي أن كلمة ﴿الوعد﴾ في قوله ﴿متى هذا الوعد﴾ مصدر بمعني اسم المفعول أي الموعود به، جاء في ﴿التفسير الكبير﴾: "وقوله ﴿متى هذا الوعد﴾ أي متى يقع الموعود به" ﴿6﴾، وقد فسر بيوم القيامة وبالعذاب ﴿7﴾. فالمصدر الصريح في الآية بمعنى الذات. وقوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ إجابة عن المصدر وعن الذات، فإن كانت ﴿ما﴾ اسماً موصولاً فهي بمعنى الذات فتكون إجابة عن الوعد الذي هو بمعنى الذات. وإن كانت ﴿ما﴾ مصدرية فقد أجاب بالمصدر المؤول وهو إجابة عن المصدر الذي هو الوعد، فجاء بـ﴿ما﴾ ولم يأت بــ﴿الذي﴾ ليشمل المعنيين معاً. ثم إنه جمع بقوله ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ بين الوعد والصدق كما في قوله تعالى ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ الأحقاف 16. وأما اختيار لفظ ﴿الرحمن﴾ فله أكثر من سبب: منها أنه إذا كان هذا قول المؤمنين فإنهم آثروا اسم الرحمن لأن هذا وقت رحمته التامة بهم يدخلهم في رحمته كما قال تعالى ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ آل عمران 107. وإذا كان قول الكافرين فإنهم آثروا اسم الرحمن طمعاً في رحمته. جاء في﴿روح المعاني﴾: "في إيثارهم اسم الرحمن قيل إشارة إلى زيادة التقريع من حيث إن الوعد بالبعث من آثار الرحمة وهم لم يلقوا له بالاً ولم يلتفتوا إليه وكذبوا به ولم يستعدوا لما يقتضيه، وقيل آثره المجيبون من المؤمنين لما أن الرحمة قد غمرتهم فهي نصب أعينهم... وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أنهم أجابوا أنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين عليهم السلام أو أجاب بعضهم بعضاً، وآثروا اسم الرحمن طمعاً في أن يرحمهم وهيهات ليس لكافر نصيب يومئذ من رحمته عز وجل" ﴿8﴾ هذا مع أنه من الملاحظ في القرآن الكريم أن اسم الرحمن كثيراً ما يذكر في مشاهد الآخرة وهذا منها. قال تعالى: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ – مريم 61. وقال: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ - طه108 وقال: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ – طه 109. وقال: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ يس52 وقال: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾ – النبأ 37. وقال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ – النبأ 38 وقال: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ مريم 69. وقال: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ مريم 85 وقال: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ مريم 87 وقال: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ مريم 93 وقال: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ الفرقان 26 هذا إضافة إلى أنه تردد اسم الرحمن في السورة أربع مرات وأن جو الرحمة شائع فيها. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ يس 11. وقال: ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾ يس 15 وقال: ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾ 23 وقال: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ 52 وقال ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ 5﴾ وقال: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾ 58 وقال: ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ 44 وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 45. وقد تقول: لقد أسند الفعل ﴿وعد﴾ إلى ﴿الله﴾ في مواطن من القرآن الكريم. وذلك كقوله تعالى ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ النساء 95 وقوله :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ المائدة 9 وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ التوبة 68 وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ التوبة 72 وهنا أسند الفعل ﴿وعد﴾ إلى الرحمن فما الفرق؟ فنقول: إن كل سورة أسند فيها الفعل الماضي ﴿وعد﴾ إلى ﴿الله﴾ لم يذكر فيها اسم ﴿الرحمن﴾ وإن كانت طويلة كسورة النساء والمائدة والتوبة وغيرها من السور وذلك في عشر سور من القرآن الكريم. وكل سورة أسند فيها الفعل ﴿وعد﴾ إلى ﴿الرحمن﴾ تكرر اسم الرحمن في السورة وذلك في سورتي مريم ويس، أما سورة مريم فقد تكرر فيها اسم الرحمن إحدى عشرة مرة وأما سورة يس فقد تكرر فيها اسم الرحمن أربع مرات، فناسب هذا الاختيار من كل وجه. وقد تقول: وهل ثمة فرق بين ما أسند الوعد فيه إلى الله وما أسند إلى الرحمن؟ فنقول: إن ما أسند فيه الوعد إلى الله مخصص بالمؤمنين أو بالكافرين فيقول مثلاً ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أو ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ﴾ فهو وعد خاص. أما ما أسند فيه الوعد إلى الرحمن فهو وعد عام يشمل عموم العباد وذلك تحقيقاً للرحمة التي يحققها اسم الرحمن قال تعالى ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ فقد ذكر أنه وعد عباده على الإطلاق مع أن المقصود بعباده هؤلاء من تاب وآمن وعمل صالحاً كما في الآية السابقة، قال تعالى ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ مريم 60،61. وقال في سورة يس ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ فأطلق الوعد ولم يذكر الموعود من الخلق أهم المؤمنون أم الكافرون فهو وعد عام على الإطلاق فلم يذكر مفعولاً لوعد، أما إسناده إلى الله فهو مخصص دائماً وذلك في اثني عشر موضعاً من القرآن الكريم، فاتضح الفرق بينهما. وسبحان قائل هذا الكلام. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص185 إلى ص192 1- ينظر الكشاف 2/560 2- الكشاف 2/590 3- التفسير الكبير 26/90 4- روح المعاني 23/33 5- الكشاف 2/590 6- التفسير الكبير 26/86 7- البحر المحيط 7/340 8- روح المعاني 23/33
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ سورة يس ﴿٥٢﴾