الإعدادات
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ البينات هي المعجزات الظاهرة والدلائل والحجج التي تدل على النبوة ﴿1﴾ وذلك كعصا موسى وإبراء عيسى للأكمه والأبرص وإحياء الموتى ونحو ذلك من الآيات البينات التي تدل على صحة النبوة وصدق المرسلين. وَ﴿الْمِيزَانَ﴾ هو كل ما يتميز به الحق من الباطل والعدل من الظلم والزائد من الناقص، ومنه الآلة المعروفة بين الناس. جاء في ﴿تفسير الرازي﴾: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ ... أنها هي المعجزات الظاهرة والدلائل القاهرة... والميزان هو الذي يتميز به العدل عن الظلم والزائد عن الناقص ﴿2﴾. وجاء في ﴿تفسير ابن كثير﴾: ﴿الْمِيزَانَ﴾ وهو العدل... ﴿وقيل﴾ وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة ﴿3﴾. وجاء في ﴿روح المعاني﴾: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي بالحجج والمعجزات...و﴿الْمِيزَانَ﴾ الآلة المعروفة بين الناس .. وإنزاله إنزال أسبابه ﴿4﴾. وجاء في ﴿التحرير والتنوير﴾: الميزان مستعار للعدل بين الناس في إعطاء حقوقهم لأن مما يقتضيه الميزان وجود طرفين يراد معرفة تكافئهما... وهذا الميزان تبينه كتب الرسل فذكره بخصوصه للاهتمام بأمره لأنه وسيلة انتظام أمور البشر﴿5﴾. وقدم البينات على الكتاب لأنها هي التي تشهد بصحته وتدعو إلى قبوله والإيمان به والأخذ بتعاليمه. وقدم الكتاب على الميزان لأن فيه بيان الأحكام المقتضية للعدل والإنصاف على العموم ومنها إقامة الوزن بالقسط. ويشمل أحكام المعاملات وغيرها كالعقائد وبيان ما يصلح حياة الإنسان في الدنيا والآخرة فهو أهم وأثره أعم وأشمل. ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾ علة لإنزال الميزان كما يصح أن يكون علة لما تقدم من إنزال الكتاب والميزان وهو ما يترجح في ظني فإن القسط يكون في الوزن وغيره من الأحكام قال تعالى ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ﴾ - النساء ﴿۱۲۷﴾ وقال ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ۚ﴾ ۔ المائدة ﴿42﴾ وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ ﴾ - المائدة ﴿8﴾ وهذا في غير الوزن. جاء في ﴿البحر المحيط﴾: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾ الظاهر أنه علة لإنزال الميزان فقط ويجوز أن يكون علة لإنزال الكتاب والميزان معاً لأن القسط هو العدل في جميع الأشياء من سائر التكاليف فإنه لا جور في شيء منها ولذلك جاء ﴿أشهد الله أنه لا إله إلا هو وأولو العلم قائماً بالقسط﴾﴿6﴾. وقال ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾ ولم يقل ﴿ليقوم الناس بالعدل﴾ مع أن من معاني القسط العدل ذلك أن استعمال ﴿القسط﴾ أنسب ههنا من ﴿العدل﴾ فإن ﴿القسط﴾ يأتي لمعنى الحصة والنصيب، يقال: أخذ كل واحد من الشركاء قسطه أي حصته. وكل مقدار فهو قسط في الماء وغيره. والقسط بالكسر العدل. والإقساط العدل في القسمة والحكم﴿7﴾. والعدل بما قام في النفوس أنه مستقيم ... والعدل المرضى قوله وحكمه ... [عن سعيد بن المسيب: إن العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم قال الله تعالى ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ۚ﴾ والعدل في القول قال الله تعالى ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ ، والعدل الفدية ... والعدل في الإشراك﴿8﴾. وفي الآية استعمال ﴿القسط﴾ أنسب وذلك لذكر الميزان، فإن الغرض من الوزن أن يأخذ الشخص حصته ونصيبه وهو من معاني القسط. ولذا لم يرد في القرآن الكريم مع الوزن إلا لفظ ﴿القسط﴾ ولم يستعمل معه العدل. قال تعالى ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ ﴾ - الأنعام ﴿152﴾ وقال ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ ﴾ - هود ﴿85﴾ وقال ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ - الأنبياء ﴿47﴾. وقال ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ - الرحمن ﴿۹﴾. ومن أسماء الميزان ﴿القسطاس﴾ قال تعالى ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ﴾ - الإسراء ﴿35﴾ وقال ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ - الشعراء ﴿۱۸۲﴾. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أنه ذكر الفعل ﴿يقوم﴾ فقال ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾ وقد ورد فعل القيام في القرآن مع لفظ ﴿القسط﴾ ولم يرد مع ﴿العدل﴾ قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ﴾ - النساء ﴿۱۲۷﴾ وقال ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ﴾ - آل عمران ﴿۱۸﴾ وقال ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ - النساء ﴿۱۳۰﴾ وقال: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾ - الرحمن ﴿۹﴾ فناسب ذكر القسط من أكثر من جهة. ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ ورود هذا التعبير بعد قوله ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾ إشارة إلى أن الحق به حاجة إلى القوة لتحميه وتحفظه وأن الميزان وقيام الناس بالقسط إنما يكون بالبأس الشديد والقوة. قال عثمان رضي الله عنه: ﴿إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن﴾. جاء في ﴿روح المعاني﴾: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ قال الحسن أي خلقناه ... ﴿فِيهِ بَأْسٌ﴾ ... وهذا إشارة إلى احتياج الكتاب والميزان إلى القائم بالسيف ليحصل القيام بالقسط فإن الظلم من شيم النفوس﴿9﴾. وقال ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ ولم يقل فيه قوة وذلك للدلالة على الردع بالقوة وبالحرب إذا اقتضى الأمر ذلك أن معنى البأساء الحرب والمشقة والضرب. و﴿البأس﴾ معناه الشدة في الحرب. والبأس العذاب﴿10﴾.. قال تعالى ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ﴾ - الإسراء ﴿5﴾ أي أشداء في الحرب. وقال ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ﴾ - الفتح ﴿۱۷﴾. وقال: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ﴾ - النساء ﴿84﴾. وقال ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ﴾ - البقرة ﴿۱۷۷﴾ أي حين القتال. وقال ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ - الأحزاب ﴿18﴾ أي الحرب. وقال ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ﴾ - الأنعام ﴿65﴾. فأنت ترى أن البأس إنما يكون في الحرب أو نحوها. أما القوة فهي عامة في الحرب وغيرها. قال تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ﴾ - الروم ﴿54﴾. وقال ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ﴾ - مريم ﴿۱۲﴾ وفي قصة سليمان قالوا نَحْنُ ﴿أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ - النمل ﴿33﴾. أي أن معهم القوة وهم مع ذلك أشداء في الحرب. لأن الإنسان قد يملك القوة ولكن ليس ذا بأس في الحرب والقتال كمن يملك سيفاً ورمحاً وليست عنده الشجاعة والثبات في الحرب. فقوله ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ بعد قوله ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ﴾ للدلالة على أن الحق إنما يحمي بالقوة. جاء في ﴿تفسير الرازي﴾: والحاصل أن الكتاب إشارة إلى القوة النظرية. والميزان إلى القوة العملية. والحديد إلى دفع ما لا ينبغي. ولما كان أشرف الأقسام رعاية المصالح الروحانية ثم رعاية المصالح الجسمانية ثم الزجر عما لا ينبغي روعي هذا الترتيب في هذه الآية. وثانيها: المعاملة إما مع الخالق وطريقها الكتاب. أو مع الخلق وهم إما الأحباب والمعاملة معهم بالسوية وهي بالميزان. أو مع الأعداء والمعاملة بالسيف والحديد. وثالثها: الأقوام ثلاثة: إما السابقون وهم يعاملون الخلق بمقتضى الكتاب فينصفون ولا ينتصفون. ويحترزون عن مواقع الشبهات. وإما مقتصدون وهم الذين ينصفون وينتصفون فلابد لهم من الميزان. واما ظالمون وهم الذين ينتصفون ولا ينصفون ولابد لهم من الحديد والزجر... وسابعها: الكتاب إشارة إلى ما ذكر الله في كتابه من الأحكام المقتضية للعدل والإنصاف. والميزان إشارة إلى حمل الناس على تلك الأحكام المبنية على العدل والإنصاف وهو شأن الملوك. والحديد إشارة إلى أنهم لو تمردوا لوجب أن يحملوا عليهما بالسيف﴿11﴾. وذكروا في إنزال الحديد قولين: الأول: إنزاله من السماء. والقول الآخر: أن معنى الإنزال هو الإنشاء والتهيئة والخلق كقوله تعالى ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ﴾ - الزمر ﴿6﴾﴿12﴾. ويذهب المحدثون إلى القول الأول فهم يقولون: إن الحديد إنما أنزل من السماء ولا مانع من أن يكون القولان صحيحين فالله خلقه وأنزله. والله أعلم. ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم﴿13﴾. ونكر المنافع للإطلاق. وذكر أن المنافع للناس ولم يذكر أن إنزال الحديد للناس فهو لم يقل ﴿وأنزلنا الحديد للناس فيه بأس شديد ومنافع لهم﴾ لأن المعني سيكون أنه أنزل الحديد للناس ليقتتلوا وليذيق بعضهم بأس بعض. وليس هذا هو المقصود. فذكر أن المنافع للناس دون البأس الشديد وإنما البأس الشديد ليقوم الناس بالقسط ولنصرة الحق والعدل وإشاعته. ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ﴾ هذا تعليل لكل ما تقدم من إنزال الكتب والميزان وإنزال الحديد ليعلم الذين ينصرونه في كل ذلك من دعوة إلى الله وتبيين لأحكامه وطاعة له وجهاد في سبيله فإن ذلك كله نصر لله ورسله. وقوله ﴿بِالْغَيْبِ﴾ للدلالة على إخلاصهم في نصرتهم لله ورسله فهم ينصرونه سواء علم بهم عباد الله وأبصروهم أم لم يعلم بهم أحد غير خالقهم فهم ينصرونه على كل حال. جاء في ﴿البحر المحيط﴾: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ﴾ علة لإنزال الكتاب والميزان والحديد. ﴿من ينصره ورسله﴾ بالحجج والبراهين المنتزعة من الكتاب المنزل، وبإقامة العدل وبما يعمل من آلة الحرب للجهاد في سبيل الله﴿14﴾. وجاء في ﴿الكشاف﴾: ﴿وليعلم الله من ينصره ورسله﴾ باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين ﴿بِالْغَيْبِ﴾ غائباً عنهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ينصرونه ولا يبصرونه﴿15﴾. ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ختم الآية بقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ليبين أنه غير محتاج إلى من ينصره فإن الله قوي عزيز ولكن ليتعلق بذلك الجزاء في الآخرة. وقد تقول: لقد قال ههنا ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ فأكد قوته وعزته بإن. وقال في مكان آخر ﴿إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ - الحج ﴿40﴾ فأكدهما بإن واللام فما الفرق؟ فنقول: إن كل تعبير مناسب للسياق الذي ورد فيه وإليك إيضاح ذلك: قال تعالى في سورة الحج: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ - الحج ﴿39-40﴾. فأنت ترى أن الكلام هو في سياق الإذن للمؤمنين بالجهاد وقتال الأعداء بعدما أخرجوا من ديارهم وقوتلوا ظلماً. وقد ذكر أن الله قادر على نصرهم وقد وعدهم بالنصر فقال مؤكداً ذاك ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ . ولا شك أن النصر محتاج إلى قوة فأكد قوته وعزته بـ ﴿إن﴾ واللام، وقد ناسب تأكيد النصر تأكيد القوة. وليس السياق كذلك في الحديد. قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ فأنت ترى أنها ليست في سياق الجهاد والقتال ولا في سباق نصر الله للمؤمنين. بل في سياق نصر المؤمنين لدعوة ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ﴾ فالأولى في نصره هو لجنوده المستضعفين فأكد قوته. والثانية في نصر المؤمنين لدعوته؛ فزاد في المقام الذي يقتضي زيادة التأكيد﴿16﴾. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 289 إلى ص 296. ﴿1﴾ أنظر تفسير الرازي 29/241. روح المعاني 27/288. ﴿2﴾ تفسير الرازي 29/241 – 242. ﴿3﴾ تفسير ابن كثير 4/372. ﴿4﴾ روح المعاني 27/288. ﴿5﴾ التحرير والتنوير 27/416. ﴿6﴾ البحر المحيط 10/113. ﴿7﴾ لسان العرب ﴿قسط﴾ – دار صادر – 7/377 – 378. ﴿8﴾ لسان العرب ﴿عدل﴾ 11/430 – 431. ﴿9﴾ روح المعاني 27/288 – 289. ﴿10﴾ أنظر لسان العرب ﴿بأس﴾ 6/20. ﴿11﴾ تفسير الرازي 29/242. ﴿12﴾ أنظر تفسير الرازي 29/243، روح المعاني 27/288، الكشاف 4/66. ﴿13﴾ الكشاف 4/66. ﴿14﴾ البحر المحيط 10/114. ﴿15﴾ الكشاف 4/66 – 67. وأنظر تفسير الرازي 29/244. ﴿16﴾ التعبير القرآني 171 – 172.
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ سورة الحديد ﴿٢٥﴾