الإعدادات
برنامج لمسات بيانية * الملاحظ أن قصة سيدنا نوح توزعت وكانت متضمنة في أكثر من عشر سور تقريباً في القرآن الكريم، مثل الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات والقمر واختتمت بسورة تحمل إسم سيدنا نوح سورة نوح، هل هذا تكرار؟ هل هذا ملامح مختلفة؟ ماذا عن قصة نوح في هذه السور كنظرة إجمالية من موقع لغوي من مرصدك الخاص؟ ذكرنا أنه ليس هنالك تكرار وليست هذه القصص التي ذكرت في عدة سور هي متطابقة في كل جزئياتها ، في القصص القرآني عموماً، وإنما يُذكَر في كل موضع ما يناسب المقام الذي وردت فيه وما يُراد أن يسلط عليه الضوء. وقد تكون القصص أحياناً مكملة إحداها للأخرى. يعني يُذكر في السورة التي بعدها ما تكمل السورة التي قبلها، هذا هو الملاحظ. أول ما ذُكِرت في سورة هود كقصة. لكن هي بدأت في الأعراف. لو لاحظنا في الأعراف كانت القصة موجزة من حيث أحداثها. وهي أول موضع وردت فيه، الحقيقة هنالك ملاحظة أن هذه القصة بدأت بقوله تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴿59﴾ الأعراف﴾ من دون أن تُسبق بالواو. هنا قال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ ليس فقط هنا وإنما في كل المواطن التي قال فيها لقد أرسلنا على الأقل يقول ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ عدا سورة نوح لأنها بداية السورة وهي كلها ليست عاطفة ﴿الواو﴾ لكن كأنها معطوفة على القصة الأولى، كل ما ورد ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ في كل موطن كلها عدا سورة نوح. حتى أحياناً في غير هذا التعبير في يونس قال ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ﴿71﴾﴾ أيضاً الواو ليست عاطفة، في الأنبياء ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ ﴿76﴾﴾ هو لا يذكر الواو عندما القصص الواردة معها ليس فيها واو كما ورد في سورة الشعراء والقمر كلها ليس فيها واو، في الشعراء ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴿105﴾﴾ ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴿123﴾﴾ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴿141﴾﴾ ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴿176﴾﴾ وكذلك القمر ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴿9﴾﴾ ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ ﴿18﴾﴾ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ﴿23﴾﴾ كلها على نمط واحد. السؤال ماذا تضمنت في الأعراف؟ * هل هنالك تسلسل زمني، تسلسل روائي، تسلسل سردي في القصة موزع على هذه السور؟ أم هي ملامح خاصة بالموضوع؟ هي ملامح لا شك لكن في كل موضع يذكر يضيف شيئاً جديداً. هي تبدأ في الأعراف وتبدأ بدعوة نوح لقومه إلى عبادة الله وهي دعوة الرسل جميعاً مذكورة في الأعراف كلها ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾. جميع دعوات الرسل في سورة الأعراف كلها ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ كل القصص الواردة في الأعراف وهذه واحدة منها. وأيضاً سيدنا نوح بدأ بها ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿59﴾﴾ هم ردوا عليه أجابوا ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴿60﴾﴾ هو رد عليهم ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿61﴾﴾. لاحظنا أنه لم يذكر له أتباع هنا لأنها في ابتداء الدعوة فلم يذكر له أتباعاً. سورة يونس كانت كأنها استكمال لما ورد في الأعراف، هو أولاً لم يذكر أنه دعاهم إلى عبادة الله في يونس ولم يذكر ماذا قال له قومه، ما ذكر هذا الأمر لأنهم في الأعراف ردوا عليه ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴿60﴾﴾ فهو استكمل الرد عليهم في هذه المسألة فيما أخذوه على شخصه هو، هو تحداهم ﴿يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴿71﴾ يونس﴾ فليفعلوا به ما يشاؤون، هذا أمر لم يذكره في الأعراف، هذا ملمح جديد. هناك بدأوا في الكلام وهو رد عليهم في الأعراف واستكمل الرد عليهم في سورة يونس. ولم يذكر أن له أتباعاً، حتى هذه اللحظة الدعوة لا تزال في مهدها، هو الآن لم يذكر الدعوة أصلاً. * أليست ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ دعوة؟ هذه في الأعراف. في سورة يونس قال ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴿71﴾﴾ لم يذكر دعوة. تحداهم في هذه المسألة ﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴿71﴾ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿72﴾﴾ لكن لم يذكر أن له أتباع. إذن هو اكتفي بالدعوة إلى عبادة الله في الأعراف ولم يكررها في يونس، اكتفى برد قومه في الأعراف لكن في يونس ذكر كلاماً آخر. في سورة هود القصة طويلة وهي أطول ما ذكر في سورة هود، دعاهم إلى عبادة الله وذكر أنه لهم نذير مبين وأنه دعاهم إلى عبادة الله وذكر رد الذين كفروا، الآن ظهر له أتباع لأنها دعوة، لكنهم سفّهوا الأتباع ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴿27﴾ هود﴾ هذا في هود وليس في يونس، أنهم يزدرونهم ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ بدأوا يسفّهونهم، وكان هنالك كلام طويل وجدال بينهم ﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿32﴾﴾ ثم ذكر كيفية النجاة التي وصفها، لم يذكرها في الأعراف ولا في يونس. ذكر صنع الفلك ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ﴿38﴾﴾ واستهزاؤهم به وجريان الفلك وماذا يحمل ومن يحمل والحوار إلى قوله ﴿وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴿44﴾﴾ كأنها استكمال وتوضيح لما سبق، هناك قال ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ ﴿73﴾ يونس﴾ كيف نجّاه؟ * هنا تفصيل، هذا من سمات القرآن ربما يُجمل في موقف ويفصِّل في موقف؟ هل لهذا غرض بياني؟ طبعاً، لا شك هناك غرض بياني في كل مسألة يذكرها ينصرف على أمر، بالنسبة للأتباع للدعاة حتى يعرف كيف يتصرف الداعية إذا نالوا منه أتباعه لأنها تتعلق بالدعوة وبشخصه هو وبمن معه، الفكر بدأ به أول مرة ﴿الدعوة﴾ ثم تعرّضوا لشخصه، كيف يدافع عن شخصه هو؟ تعرّضوا لأتباعه كيف يدافع؟ كيف يقول؟ في سورة الأنبياء القصة ليست في سياق الدعوة والتبليغ أصلاً وإنما في سياق نجاة من نجى من الأنبياء واستجابة من دعا من الأنبياء. هو ذكر نجاة إبراهيم ونجاة لوط ونجاة نوح واستجابة دعائه واستجابه دعاء أيوب وذي النون وزكريا. قال في الأنبياء ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿76﴾ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿77﴾﴾ لم يذكر دعوة. ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ﴾ أي دعا، هذا في سياق دعاء الأنبياء * ما معنى ﴿مِن قَبْلُ﴾؟ من قبل الأزمة التي هو فيها. ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ﴿83﴾﴾ كلها في سياق واحد ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴿87﴾﴾ ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ ﴿76﴾﴾ إذن هي في سياق متشابه، سياق الأنبياء ذكر نجاة إبراهيم ولوط ونجاة نوح واستجابة الدعاء، ترى المسألة هي هكذا شأن الأمم على تطاولها والأنبياء هم هكذا يقعون في أزمة فيدعون ربهم وربنا يستجيب لهم، هو حالة متاشبهة للأنبياء المذكورين ذكر سمة عامة على تطاول المدة كيف كان الأنبياء مع أقوامهم وكيف كانوا يدعون لهم وكانوا يلجأون إلى الله بالدعاء سواء كان نبياً أم رسولاً ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿83﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴿84﴾ الأنبياء﴾. في المؤمنون أولاً هو ذكر القصة بعد ذكر الأنعام وفوائدها والحمل عليها وعلى الفلك. * لغوياً يجوز أن نقول ﴿في المؤمنون﴾ على الحكاية حتى لا يخطّئنا أحد المشاهدين؟ نعم، على الحكاية. فذكر قصة نوح والنجاة في الفلك بعد حمل الأنعام ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿21﴾ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿22﴾﴾، ذكر الحمل في الفلك والأنعام فبدأ بقصة المؤمنون. قال ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿21﴾ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿22﴾﴾ ثم بدأ بقصة نوح. * المقصود بالفلك عامة؟ وليست خاصة بسيدنا نوح تحديداً؟ عامة، بعدها قال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴿23﴾﴾. أول مرة ذكر الأنعام والفلك عامة ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ ثم ذكر قصة نوح. كيف ذكر قصة نوح؟ الجانب المذكور في سورة المؤمنون لا يطابق ما ورد، هو بلّغهم بالدعوة فقط ﴿فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿23﴾﴾ ولم يقل شيئاً آخر، فقط ذكّرهم بالدعوة، قومه لم يواجهوه بكلام أبداً، لم يذكروا شيئاً ولا قالوا له شيئاً، هم كانوا يذكرون رأيهم في غيبته، في مجالسهم، أما أمامه لم يذكروا شيئاً، هذا مشهد آخر، الناس تتكلم معهم ثم عندما تنصرف عنهم كيف تتكلمون؟ ماذا يقولون فيه؟ في مجالسهم، في هود كان الكلام معهم مباشرة. انفضوا عنه لم يواجهوه يتكلمون فيما بينهم، هذا واقع الناس هكذا أنه إذا شخص يتكلم يتحدثون معه ثم إذا ذهب يتكلمون عنه. فالآن في المؤمنون ذكر ماذا قالوا فيه وماذا كانوا يقولون وليس في حضوره، إذن هذا استكمال. ماذا قالوا في غيبته؟ ماذا يقولون؟. ولأول مرة دعا ربه لينصرنه بصورة صريحة ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴿26﴾ المؤمنون﴾. * هنا بداية اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى من شدة الظلم؟ لجوء إلى الله بصراحة. في المؤمنون قال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿23﴾ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴿24﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴿25﴾﴾ قالوا ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ ولم يقولوا ما أنت إلا بشر، هذا في مجالسهم إذن هذه قطعاً ليست تكراراً لما قبله، هذا المشهد لم يُذكر فيما سبق وإنما هو وصف للمجتمعات أنت تتوقع الداعية عندما يدعو بعد أن يتكلم يقع الأمر وانتهى وإنما هنالك الكلام مستمر في خلف ظهره وهذا واقع الحياة هكذا تنبيه لنا أنه أنت أيها الداعي لا تتصور أن الكلام بينك وبينهم تكلمت وانتهت المسألة لكن فيما بعد سيكون هناك كلام وحديث. في الشعراء أولاً قال في قوم نوح مثل ما قاله في الأقوام الأخرى ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴿105﴾ الشعراء﴾ ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴿123﴾﴾ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴿141﴾﴾ ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿106﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿107﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿108﴾﴾ كل الرسل بدأ بمثل هذه البداية ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ ﴿﴾ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿*﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿*﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿*﴾﴾ كل الرسل، هذه تدل على وحدة الرسالة هذا ما قاله في الأقوام الأخرى، لو نرجع إلى سورة الشعراء تجد كل الرسل ينطقون بهذه العبارة. ثم ذكر مواقف الأمم من رسلهم وهي كلها على نمط واحد والتعليق واحد في الأخير، لكن قصة نوح كأنها كانت استكمالاً لما قبلها، ذكرنا أنه في الأعراف قال ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴿59﴾﴾ أمرهم بالعبادة، وفي سورة المؤمنون نفس الأمر وحتى في هود ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ﴿26﴾﴾ أمرهم بالعبادة، في الأعراف ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ في المؤمنون كذلك، في هود ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ﴾ أما في هذه السورة لم يطلب منهم عبادة أصلاً وإنما تقوى الله وطاعة رسوله. * أليست هذه عبادة؟ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ العبادة قالها أولاً. هذه مرحلة بعد العبادة. * أليست تقوى الله وطاعة الرسول بعد؟ بعد العبادة. * إذن واضح أن هنالك من اتبعه وآمن به؟ هو يأمرهم أمراً، المتقي أول مرة يعبد الله ثم يتقي، إذن أول مرة الدعوة للعبادة خلقهم ليعبدوه * وكأن الخطاب السماوي منه تغير وانتقل إلى مرحلة أخرى ! طبعاً، هو في السابق لم يقل ﴿فاتقوا الله﴾ هو أمرهم بعبادة الله، هذه مرحلة بعد تلك، التوقى بعد العبادة، ثم طاعة الرسل هذه أول مرة يقول ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾. وهكذا كل الرسل حتى نعرف وحدة الرسل وأنهم أمة واحدة وحتى التعقيب في الأخير واحد بعدها كلها يقول ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿﴿8﴾﴾وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ تعقيب على كل القصص ودعوة الرسل. إذن المسألة تختلف حسب السياق. في العنكبوت دعوته لقومه أصلاً ولم يذكر موف قومه منه ولا ذكر تقوى ولا طاعة وإنما ذكر مدة لبثه في قومه وأنهم أخذهم الطوفان لظلمهم، لم يذكر لا دعوة ولا موقف، كأن واحد يسأل كم بقي؟ قال في العنكبوت عبارة قصيرة ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿١٥﴾﴾ حتى السفينة لم تذكر إلا هنا وفي الباقي ذكر الفلك، هناك فرق. في الصافات ذكر أن نوحاً دعا ربه فأجابه ونجاه وأهله من الكرب العظيم ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿76﴾﴾، ماذا أُرسل؟ لم يوضح وإنما جعل ذريته هم الباقين ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ 077﴾﴾، هذا لم يذكر في السابق، لم يذكر في المواطن الأخرى، بعد الـ950 سنة الذي حصل أنه نجاه وجعل ذريته هم الباقين، ذكر ما كان بعد نوح، بعد النجاة، ماذا ترك عليه في الآخِرين؟ هذه المسألة بعد نوح. لو قرأنا ما في الصافات ليس فيها دعوة ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴿٧٥﴾ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾﴾ من أي كرب؟ ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴿٧٧﴾ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴿٧٨﴾ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴿٧٩﴾ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٠﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨١﴾ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴿٨٢﴾﴾ من هم الآخَرين؟ لم يذكر، في النجاة لم يذكر غير أهله ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ لم يذكر من آمن بينما في السابق كان يذكر من آمن، هنا لم يذكر من آمن وإنما ذكر فقط ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾. هنا فقط ذكر أهله، هذا يسمى من المقامات الخفية، يسأل سائل لماذا لم يذكر المؤمنين معه؟ ملمح خفي جداً. هو قال ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ﴿77﴾ الصافات﴾ معناها أهلك الآخرين، هل نجاهم ليهلكهم؟ * ذريته يعني أهله؟ أهله * أليس ذريته يعني كل من معه؟ من سار معه؟ على العموم والشمول؟ لا. الباقي نجوا ، قضوا أعمارهم وماتوا. * من آمن معه أين ذهبوا؟ ماتوا، كل واحد قضى عمره. * وبقيت ذرية نوح؟ فقط ولذلك يسمونه أبو البشرية. فهو أبو البشر الثاني ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ﴾ الباقون كلهم ماتوا. فلو قال ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ يعني نقول نجاهم حتى يهلكهم، لم يشر إليهم، تركهم. * هم ماتوا مؤمنين؟ طبعاً ماتوا مؤمنين، كل واحد قضى عمره فمات لكن لا يقول نجاهم حتى يهلكهم. هذه تسمى مقامات خفية، مراعاة خفية في مراعاة المقام، ملامح أحياناً تكون جداً دقيقة، لما يذكر القرآن الجنة لما يذكر الزوجات لا يذكر الحور العين لأن النساء فيهن غيرة . في سورة القمر إستهل القصة كما يستهل القصص في بقية الأقوام ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴿9﴾﴾ كذلك قال في الأقوام الأخرى ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ ﴿18﴾، ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴿23﴾، ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ﴿33﴾﴾ إذن هي على نمط واحد من حيث استهلالها. ثم نلاحظ أنه في سورة القمر لم يذكر أنه دعا قومه إلى عبادة الله وإنما ذكر تكذيب قومه، زجر قومه له. في المواطن الأخرى ذكر العبادة ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ﴿26﴾ هود﴾ ﴿فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴿23﴾ المؤمنون﴾ هنا ذكر أمراً آخر وهو تكذيب قوم نوح. ثم دعا أنه مغلوب ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴿10﴾﴾ المغلوب يطلب النصر، الآن بعد أن طالت المسالة وبعد أن استمرت قروناً ، هو لبث فيهم 950 عاماً يدعوهم، بعد أن نفض يده من استجابتهم دعا ربه أني مغلوب والمغلوب يطلب الانتصار فقال ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ . قد تقول في الشعراء تجري على نمط واحد أيضاً، قال ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٠٦﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٠٧﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٠٨﴾﴾ وكل الرسل يقولون هكذا. لا، في سورة القمر غير سورة الشعراء، في سورة الشعراء كان يأمرهم ﴿أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٠٦﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٠٧﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٠٨﴾﴾ كان يدعوهم أما هنا في سورة القمر لا وإنما فقط ذكر وجهاً آخر وهو زجرهم له وتكذيبه ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴿9﴾ القمر﴾. * ﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴿9﴾﴾ من الذي ازدجر؟ هل هو سيدنا نوح؟ نعم، زجروه. وكان التعقيب على القصص كلها كان تعقيباً واحداً ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ تعقيب على موقف البشرية من الرسل على مر التاريخ. في سورة القمر قال ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴿٩﴾ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴿١٠﴾﴾ المغلوب يطلب النصر، ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴿١١﴾﴾ بعد الدعاء الإستجابة السريعة دعا ربه - ففتحنا أبواب السماء، حتى قال ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴿١٣﴾﴾ وهذه لأول مرة تذكر كيفية صنع السفينة، ﴿ألواح ودسر﴾ لم تذكر في كل المواطن وإنما ذكر الفلك، الآن يصف أمراً آخر. * ما هي الألواح والدسر؟ المسامير. ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴿١٤﴾ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴿١٥﴾ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿١٦﴾﴾ * ما معنى ﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾؟ نوح كُفِر، يعني كفر به قومه. هذا انتقام من الله لسيدنا نوح لأن قومه كفروا به. ثم الآن تأتي إلى سورة نوح آخر موطن تذكر فيها قصة نوح وآخر موطن يذكر فيها إسم نوح. القصة اختتمت ذكرها من الأعراف في عشر سور ثم جاء إلى سورة نوح وهذا آخر موطن ذكرت فيه القصة. * ألا يوجد أي تكرار في هذه الملامح وفي هذه السور المختلفة؟ نحن ذكرناها موطناً موطناً وفي كل موطن يذكر جانباً ولولا أن يطول المجال لكنا ذكرنا كيف تختلف في كيفية النجاة وكيفية الدعاة وفي أمور كثيرة تختلف لكن الآن استعراض عام للقصص. سورة نوح آخر موضع وهي أشبه بتقرير نهائي قدّمه نوح إلى ربه في مسار الدعوة، تقرير. * ماذا تضمن هذا التقرير؟ الآن انتهت المدة والآن قدّم تقريره إلى ربه، ذكر فيه موقف قومه منه، في السورة لم يخاطب قومه بشيء ولم يخاطبوه بشيء وإنما ذكر تقريراً قدّمه. قال تعالى في أول السورة ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿1﴾ نوح﴾ هذا بدء الرسالة، إذن أرسله لهذا الأمر، إذن أمره ربه بإنذار قومه ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿1﴾ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿2﴾ نوح﴾ نوح قال مستجيباً لأمر ربه ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ تنفيذ لأمر ربه ﴿أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ﴾ - ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ إستجاب. ثم ذكر إلى ماذا دعاهم ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿3﴾ نوح﴾. ثم ذكر ماذا كان منه ومنهم ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿5﴾﴾ يصف الحالة، ماذا كان موقفهم؟ ﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴿21﴾﴾ ثم ذيل التقرير بمقترح الخاتمة وهو أن يهلكهم كلهم، هذا مقترحه، خاتمة التقرير، النتيجة، توصية ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴿26﴾﴾ ثم علل المقترح لماذا؟ ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴿27﴾﴾ إذن المقترح والتعليل. ثم ختم التقرير بطلب المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات لعله أن يكون قد قصّر في عمله، هذا تقرير عجيب ثم جمع خلاصة رحلته الطويلة، خلاصة هذه الرحلة جمعها في هذا التقرير. في الأعراف والمؤمنون قال ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ الأمر بالعبادة، في هود ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿25﴾﴾ نذير، في الشعراء ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿108﴾﴾ ، وفي التقرير النهائي ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿2﴾ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿3﴾ نوح﴾ جمع ما جاء في الأعراف والمؤمنون وهود والشعراء، وكأنه يختصر الرسالة التي جاء من أجلها كلها بجميع أركانها بهذا المقترح. فجمع ما تفرق وما قيل في كل القصص جمعها في هذا التقرير النهائي. ليس فقط هذا بل جمع بين القول الصريح و﴿أن﴾ المفسِّرة ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿2﴾ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿3﴾﴾ يعني جيمع بين القول الصريح و﴿أن﴾ . * ﴿أن اعبدوا﴾ أن والفعل مصدر مأوّل؟ أو مفسِّرة وهذا أيضاً ما تفرق في الأعراف والمؤمنون وهود والشعراء. في الأعراف والمؤمنون ﴿فَقَالَ يَا قَوْمِ﴾ قول، في الشعراء ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿106﴾﴾ قول، في هود ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ﴾ ﴿أن﴾ المفسرة، في التقرير النهائي جمع القول الصريح والمأوّل ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿2﴾ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿3﴾ نوح﴾ كما جمع كل ما ذكر في السور الآن جمع كل الصورة التعبيرية ولم يجمع بينهما في موطن آخر وإنما فقط في التقرير النهائي. ثم ذكر موقف قومه منه أنهم عصوه ﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴿21﴾﴾ ثم ذكر أنهم مكروا مكرا كبارا ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ﴿22﴾﴾ ثم ذكر عاقبتهم في الدنيا والآخرة، تقرير جامع ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ﴿25﴾﴾ هذا في الدنيا ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا﴾ هذا في الآخرة، إذن التقرير جامع والعقوبة كانت جامعة في الدنيا والآخرة ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾. وافق ربنا على هذا الطلب * هذا شيء مخيف، هذا التقرير شيء مخيف، أن يحاط بهم العذاب في الدنيا ويبشرون بهذا العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة! ﴿ادخلوا﴾ بصيغة الماضي ولم يقل يدخلون ؟ ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ ربنا وافق على طلب نوح، نوح اقترح مقترحاً وربنا وافق على المقترح وبيّن سبب الإجابة، لماذا أجابه؟ ربنا لماذا قَبِل بالمقترح؟ قال ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ﴿25﴾﴾ وافق على الطلب بسبب الخطيئات،لاحظ التقرير العجيب: صورة الحدث كله، الصورة النهائية لكل تاريخ الدعوة وذيّل بمقترح ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ وعلل سبب المقترح ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴿27﴾﴾ ثم قال ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴿28﴾﴾ لعلي أكون قد قصّرت. * هو ما نسي نفسه وأهله ومن آمن معه، دعا على الكفار ودعا للمؤمنين! لعلي قد قصرت في هذا العمل، هذا ما عملته، عذا التقرير. ربنا وافق وبيّن سبب ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ ثم ختم التقرير بطلب المغفرة والدعاء لأوسع مجموعة لم يذكر مثلها في القرآن الكريم ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴿28﴾﴾ أوسع دعاء لم يرد مثله في القرآن ، على العموم والإطلاق أوسع دعاء في أوسع دعاء جامع، في أوسع تقرير. سورة نوح عجيبة!.. * هذه القصة فعلاً عجيبة، كل القرآن حلو لكن هذه القصة لها أثر خاص بالفعل. هذا التقرير النهائي يوحي أن الموقف بالنسبة لهم قد انتهى، اقتربت نهايتهم تماماً. أصلاً لم يرد لهم ذكر فيما بعد هذه السورة. لم يرد لهم ذكر في القرآن بعد هذه السورة. * لِمَ هذا التقرير الذي رفعه سيدنا نوح بعد هذا التجوال والتطواف في عشر سور تقريباً ولم يصنعه كثير من الأنبياء؟ وهذا الاقتراح الذي اقترحه ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾؟ لماذا قال سيدنا نوح هذا؟ لأن قول نوح للبشرية وأما قول الباقين فلأقوامهم. * سيدنا نوح كان للبشرية ولم يكن لقومه؟ ولذلك قال ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ﴿77﴾ الصافات﴾، البشرية الآن كلها أولاد نوح أبو البشرية الثاني، كل من على الأرض الآن من أبناء نوح. إذن المسألة تختلف. لا يمكن أن تكون مجموعة صغيرة مثل الذي يقدم هذا التقرير، هذا تقرير للبشرية. * ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ نسأل عن الواو هنا ما هي هذه الواو مع أنه ليس قبلها قصة؟ هذه ابتدائية. ابتدأ بها ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾. ذكرنا الغريب أنه عندما ذكرت أول مرة قال ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴿59﴾ الأعراف﴾ وكل الباقي بعدها عندما يذكر أرسلنا جاءت كلها بالواو ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ كلها بالواو إلا إذا كل القصص الموجودة ليس فيها واو كما في الشعراء والقمر والباقي كلها بالواو وإن لم تكن هناك معطوفة على كلام. * ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿25﴾ هود﴾ لماذا جاءت إني بالكسر؟ على إضمار القول بمعنى فقال إني لكم نذير مبين، على إضمار القول، على تقدير فقال إني لكم نذير مبين. * من الكلام الذي قاله ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ﴿26﴾ هود﴾.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ سورة هود ﴿٢٥﴾