الإعدادات
برنامج لمسات بيانية آية ﴿31﴾: * ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿31﴾﴾ نود فكرة مبسطة عن هذه الآية ورصف المباني لاستجلاء المعاني فيها؟ ذكر أنه ليس عنده مغريات تدعوا إلى اتباعه. المغريات لا تغري الفقير ولا تغري الغني، أنا لا أملك مغريات تدعو لاتباعي ليس عندي شيء، ليس عندي مال كثير حتى يتبعه طلاب المال والناس الغني والفقير يستهويهم المال قال تعالى ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴿20﴾ الفجر﴾ مال ليس عندي ولا خزائن، لا أعلم الغيب لا يغرنكم أني أنا رسول يعني أعلم الغيب، لا أستطيع أن أصنّف الناس أقول هذا مؤمن وهذا مدّعي إيمان حتى تقولوا ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴿27﴾﴾ أنا لا أعلم الغيب هذا، ربنا الذي يعلم الغيب، أنا لا أستطيع أن أجيب عما سيحصل في المستقبل، لعله أحدهم يقول طالما أنه رسول فهو يعلم المستقبل، لا، أنا لا أعلم شيئاً ولا أقول أنا ملك حتى تقولوا أنت بشر أنا ما قلت أنا لك حتى تقولون ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ ليس لي فضل عليكم بهذه الأشياء التي تذكرونها لا المال ولا علم الغيب ولا الملك. الله أعلم بما في أنفسهم أيضاً توكيد أنه لا يعلم الغيب، كل هذه تؤكد أنه لا يعلم الغيب. * ألا يعتبر هذا ربما زعزعة بالنسبة لقوم لا يفهمون إلا الأشياء المادية، لا يعرف أي شيء ما عنده أي شيء؟ إذا كان الأمر هكذا أنا عندي، أنا أدعوكم إلى عبادة ربكم هو الذي أمرني بهذا ربكم الذي خلقكم هو الذي أمرني، أنا لا أعلم شيئاً لا عندي مال ولا أعلم الغيب ولا أنا ملك ولا أعرف أي شيء، ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا﴾ ربهم هو يعلم بهم أنا لا أعلم أنتم تقولون ﴿بادي الرأي﴾ أنا لا أعرف هذا، ذلك عند الله ﴿اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ أنا لا أعلم الغيب لو كنت أعلم الغيب لعلمت ما في أنفسكم، هو يؤكد المسألة. إذن هو ليس عنده مغريات تغري الفقير إلى اتباعه ولا تغري الغني وإنما هي عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى. فقط، ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴿42﴾ الشورى﴾ . * هنا قال ﴿وَلاَ أَقُولُ﴾ ولم يقل مثلاً ما قلت أو ما أقول، لماذا هذا التعبير تحديداً؟ ﴿وَلاَ أَقُولُ﴾ نفى بـ ﴿لا﴾ يعني لا أقول على وجه الاستمرار، وما أقول حال، ما إذا دخلت على الفعل المضارع خلّصته للحال، ﴿ما يكتب﴾ يعني الآن، ﴿لا أكتب﴾ عامة، ﴿لا﴾ أوسع حرف نفي. * ﴿لا﴾ أوسع من ﴿ما﴾؟ ما نافية ولم أيضاً نافية ولن نافية، ﴿لا﴾ أوسع حرف نفي. * من حيث استيعاب الزمن مثلاً؟ الزمن، ﴿لا﴾ هي النافي الوحيد الذي يدخل على الماضي ويدخل على المضارع ويدخل على الإسم ينفي إسم الجنس، أوسع حرف نفي وقالوا هي أقدم حرف نفي وبعدها جاءت بقية حروف النفي. * إذن هنالك تفاوت في الدلالة بين الأحرف والأدوات وإن كانت الدلالة العامة هي النفي؟ أنت قد تنفي الماضي، قد تنفي الحال قد تنفي المستقبل أو تنفي الجنس ، كل أداة لها دلالة محددة في نفيها ً. ﴿لا أقول﴾ يعني على وجه الاستمرار، الآن وفي المستقبل، ﴿ما أقول﴾ الآن، يمكن أن أقول غداً، لا أقول لا اليوم ولا الغد. ﴿لم أقل﴾ هذا في الماضي، أنا لا أقول هذا على وجه الاستمرار، لا أقوله أصلاً لا الآن ولا في المستقبل وما قلت في الماضي. * ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ﴾ ماذا فيها؟ وماذ يعني إضافة الخزائن للفظ الجلالة الله سبحانه وتعالى؟ ماذا يعني هذا التركيب ﴿خزائن الله﴾؟ يمكن أن يقال خزائن لله ، هو قال ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ﴾ لغة يمكن أن يقول خزائن لله ، لكن ﴿خزائن الله﴾ يعني كلها، خزائن لله ولو كانت ثلاثة أربعة صارت خزائن لله لكن ليست كل الخزائن. إذن الذي عنده خزائن لله يخشى النفاذ لكن الذي عنده خزائن الله كيف تنفذ؟! والناس يستهويهم المال الكثير أيضاً مال كثير ولا تنفذ إذن خزائن الله أولى. * مع أنه ربما تكون متضمنة معنى الملكية، التركيب بالإضافة يأتي الملكية والظرفية والجزئية وهنا بمعنى الملكية خزائن لله أيضاً ملك الله سبحانه وتعالى نعم لكن الدلالة تختلف، ومدار الكلام هنا على الدلالة. ﴿وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ أنا بشر مثلكم لست ملكاً ما قلت أني ملك. * هنا قال ﴿وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام قال ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ ﴿50﴾﴾ ما الفرق واللمسة البيانية في كلا الآيتين؟ زاد ﴿لكم﴾ في آية سورة الأنعام. سيدنا نوح لو نقرأ السياق في سورة هود في مقام التلطف لقومه ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴿28﴾ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴿29﴾ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴿30﴾ هود﴾ في مقام التلطف والدعوة بينما لو لاحظنا السياق في الأنعام في مقام التبكيت والتعنيف ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم﴾ بينما في قصة نوح يتلطف بهم حتى يقبلوا الدعوة. أما في الأنعام ففي سياق التبكيت والتعنيف ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ * هذا أمر من الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلِّغ قومه كذا؟ القرآن بلّغ هذا. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴿46﴾ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴿47﴾﴾ قال ﴿أرأيتكم﴾ زاد ﴿كم﴾ حرف الخطاب زيادة في التنبيه. فرق بين المقامين، هذا مقام تبكيت وتعنيف عند سيدنا محمد بينما في قصة سيدنا نوح مقام التلطف يدعوهم بهدوء. * هل هذا كله تعبر عنه كلمة ﴿لكم﴾؟ طبعاً أنت تقول لشخص أنا قلت كذا وعندما يخالف تقول ألم أقل لك؟ نحن نقولها، ألم أقل لك؟ حتى في سورة الكهف مع العبد الصالح ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿72﴾﴾ ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ﴿75﴾﴾ إشارات دقيقة في الموقف والسياق والحالة النفسية. مع أن المسرح العام أنه قال لهم كذا لكن ما هو الظرف الذي قال فيه؟ ما هي الحالة التي قال فيها؟ ما هو السياق الذي قال فيه؟ هل في مقام تودد وملاطفة ودعوة أو مقام تعنيف، الموقف يختلف، مراعاة الكلام لمقتضى الحال. * هذا تجري عليه سنن اللغة العربية وقواعدها من بلاغة وبيان وبديع وبيان لكن سيدنا نوح ما كان يتكلم اللغة العربية وإنما كان يتكلم لغة قومه آنذاك فكيف نفهم هذا الكلام؟ يعني ألا يتلطف سيدنا نوح؟ّ أليس هو بشر؟ ألا يغضب؟ ألا يتودد؟ ألا يتلطف؟ ألا ينصح؟ ربنا يترجم هذه باللغة العربية بأدق مثال وأعلى بيان. أدق ترجمة لما ورد بأسلوب معجز، كل نبي كان يتكلم بلسان قومه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴿4﴾ إبراهيم﴾ والله سبحانه وتعالى نقل لنا هذه الأخبار باللغة العربية بأدق كلام وبأسلوب معجز، كما نحن تترجم، قصيدة مثلاً باللغة الأوردية تترجم حسب قوة المترجم وحسب قدرته وحسب إمكانيته في اللغة. نقرأ قصتين لكن فرق بين كاتب وكاتب. * ما دلالة اللام في ﴿للذين﴾ ﴿وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا﴾؟ قال تعالى في سورة هود في قصة نوح ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿31﴾﴾. اللام لها معاني كما يقول النحاة ويقولون أن حروف الجرّ تخرج إلى معاني ويذكرون ﴿من﴾ لها معاني بعض وبين والابتداء. واللام في ﴿للذين﴾ لها معاني والنحاة يخرجونها تخريجين من حيث النحو ولكل منهما معنى خاصاً به: الأول أن تأتي بمعنى ﴿عن﴾ بمعنى لا أقول عن الذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا . ﴿قطعاً سيقول هنا لن يؤتيهم لأنه يقول عنهم﴾. وفي الآية نوح يخاطب الفئة الكافرة يحدّثهم عن المؤمنين الذين تزدري أعينهم. فلو كانت اللام بمعنى عن فاستعمال يؤتيهم صحيح لأنه يخاطب فئة عن الفئة الأخرى فيجب قول ﴿لن يؤتيهم﴾. وينتفي السؤال هنا أصلاً في هذه الحالة فهو لا يخاطب الذين تزدري أعينكم وإنما يخاطب الفئة الأخرى. والثاني أن اللام تفيد التعليل بمعنى لأجل هؤلاء أو لغرض هؤلاء فالأصح هنا أن يقول لن يؤتيهم الله خيراً . كما قيل: وضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لدميم ﴿اللام في لوجهها تحتمل عن وجهها أو لوجهها﴾. ففي الحالتين استعمال يؤتيهم هو المناسب للآية. * ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾ لماذا تزدري والواقع أنها ازدرت؟ لأنهم لا يزالون، إذن تزدري لأنهم لا يزالون. لو قال ازدرت قد تتغير، ازدرت وانتهت، الآن هم مستمرين على هذا الشيء، استمرار ﴿تزدري﴾ يعني ازدرت وما زالت مستمرة تزدري. * هنا يقول ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾ لماذا حذف العائد؟ ولم يقل تزدريهم مثلاً؟ أو تزدرونهم؟ هذان سؤالان، لماذا حذف العائد؟ تزدريهم أعينكم، حذف العائد إكراماً لهم أحياناً نحذف من باب الإكرام لا نريد أن ينال الفعل أحياناً إذا كان فيه شدة لا نريد أن ينال شخصاً نكرمه ونجله ما تقول أنا ما شتمت فلان أو شتمته وإنما تقول أنا ما قلت وما شتمت إكراماً له مثل ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴿3﴾ الضحى﴾ أحياناً ذكر الضمير في باب إذا كان الفعل من باب الإكرام ذكر الضمير يكون من باب الإكرام له، قال ﴿وَمَا قَلَى﴾ ولم يقل ما قلاك إكراما له، القلى هو البغض لا يريد أن يناله القلى، لا قلاك ولا قلى أحداً من أتباعه إكراماً له. ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴿90﴾ الأنعام﴾ أحياناً نُجِلّ الشخص إذا كان الفعل فيه مساءة لا نذكر المفعول أو العائد إكراماً له. * إكراماً لهم يعني هنا ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾ ما يقول تزدريهم إكراماً لهم؟ إكراماً لهم. * لماذا لم يقل للذين تزدرونهم؟ هو أسند الازدراء إلى الأعين ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾ أيضاً أراد إكرامهم. كأنه قال أنتم ترون مظاهرهم بأعينكم لا ترون الحقيقة * ولو قال تزدرونهم يكون فيها إشمام من الداخل؟ أقوى أنتم ترون الظواهر، المرأى لا يدل على الحقيقة دائماً، أنت حكمت على الظاهر، كم رجل تزدري عيناك وهو رجل عظيم، هم في السابق قالوا: ترى الرجل الحقير فتزدريه *** وفي أثوابه أسد مزير أسد مزير يعني شديد قوي. * لم يقل فتزدريه عينك! أنت ترى الرجل هكذا فالرؤية لا تدل على المخبر دائماً. أعينكم أنتم حكمتم بظواهر الأمور كما ترون لكن أنتم لا تعرفون حقيقتهم، فيها إكرام لهم أنت لا تعرف حقيقته تراه هكذا، هذا إكرام له، هذا منتهى الإكرام لهم. ثم قالوا ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴿27﴾﴾ فقال لهم هذه الرؤية لا تدل على الصواب ولا الحقيقة. لما قالوا ﴿ما نراك﴾ أنتم حكتم بالظواهر وأيضاً الرؤية لا تدل دائماً على الحقيقة. * ﴿لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا﴾ لماذا التعبير بـ ﴿لن﴾؟ ﴿لن﴾ تفيد الاستقبال. الاستقبال قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة، قد يكون فيهما، محتمل أنت رجل الآن تزدريه لكن في المستقبل قد يكون له شأن. نحن رأينا في حياتنا أشخاص ليسوا ذوي شأن لكن كبر وصار لهم شأن كبير. أنت تحكم الآن على ما هو عليه لكن ماذا سيكون في المستقبل؟ كثيرون من عوائل بسيطة ضعيفة ثم صار لهم شأن كبير في المجتمع في القيادات لماذا تحكم الآن على هذا؟! ما أدراك ما سيكون في المستقبل هذا الرجل؟ ﴿لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا﴾ هذا في الدنيا وفي الآخرة. إذن ينبغي أن تتوقف، يعني لا يقول لهم لن يؤتيهم الله خيراً، لا يقول هذا الكلام. أولاً جاء بـ﴿لا﴾ للمستقبل، في المستقبل ما أدراكم ماذا سيحصل في المستقبل، في الدنيا والآخرة ماذا سيحصل؟ * لماذا لم يقل ﴿لن يؤتيكم﴾؟ مع أنه يخاطبهم ؟ ولا اقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيكم الله خيراً، ضمير الغيبة، كثير من المفسرين قالوا هذه اللام ليست للتبليغ وإنما لبيان العلة يعني لأجلهم ﴿للذين﴾ اللام ليست للتبليغ، إذن يتكلم عنهم في الغيبة لا أقول لأجلهم لن يؤتيهم الله ، ليس للتبليغ يبلغهم بهذا. وهنالك غرض آخر لطيف أحياناً الشخص يُتكلم في الشخص في غيبته ما لا يواجَه به، أحياناً أنت لا تستطيع أن تكلم الإنسان بكل ما تقوله في غيبته حياء أو خوف، قد تقول فلان لا يصلح لهذا المنصب لكن لا تواجهه. فإذن أحياناً الشخص لا يقال بحضرته ما يقال في غيبته دائماً، أحياناً لا نواجه الشخص بكل ما نريد أن نقول. هو أراد أن يكرمهم قال أنا في غيبتهم لا أقول ذلك لعلهم يسمعون فيتأذون، حتى في غيبتهم وليس فقط أمامهم لا أقول هذا الكلام، حتى في غيبتهم حتى لو لم يسمعوا كلامي أنا لا أقول ذلك. ﴿لن يؤتيكم﴾ فيها مواجهة بينما ﴿لن يؤتيهم﴾ ليست فيها مواجهة وكأنما تقولها في غيبتهم. حتى في غيبتهم لا أقول ذلك فما بالك في مواجهتهم، فيها إكرام. لاحظ التعبير العجيب. أولاً حذف مفعول ﴿تزدري﴾ ما قال تزدريهم، حذف العائد، وقال لن يؤتيهم بضمير الغيبة حتى لا يقول فيهم ما يسيء إليهم، وأسند الازدراء إلى الأعين، كل هذا من باب إكرام هؤلاء. ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا﴾ يعني في المخبر أنتم لا تنظرون إلى الظاهر ثم لا يقول لهم في غيبتهم وهذا كله من باب إكرام هؤلاء. * ﴿اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ وفي الإسراء قال ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴿25﴾﴾ فما الفرق بين أنفس ونفوس؟ واللمسة البيانية في سورة هود؟ الأنفس جمع قلة ﴿إلى عشرة﴾ ونفوس جمع كثرة لكن عندنا أحياناً قلة نسبية، القرآن أحياناً يستعمل القلة النسبية، إذا كان أكثر من جمع للجمع القليل وإن كان أكثر من عشرة يستعمل جمع قلة والكثير يستعمل جمع الكثرة مثل الأبرار والبررة، الأبرار جمع قلة لكن يستعملها للبشر والبررة جمع كثرة يستعمل للملائكة ﴿كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴿16﴾ عبس﴾. هنا قال ﴿اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ أنفس جمع قلة لأنهم قليل ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴿40﴾ هود﴾. بينما الآية الثانية جميع الخلق ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ جميع الناس ففيها كثرة، هذه لعموم الخلق المكلفين ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ عامة. لما كان أولئك قلة استخدم أنفس جمع قلة ولما كان الخلق استعمل نفوس. * هل نفهم هذا إذا قال في هود ﴿الله أعلم﴾ وفي الإسراء قال ﴿ربكم﴾ لماذا اختلف لفظ الجلالة مع أن الذي يتحدث عنه واحد؟ هل لهذا علاقة بالكثرة والقلة؟ لا ليس له علاقة بالقلة والكثرة وإنما له علاقة بشيء آخر في المقام. في هود ﴿اللّهُ أَعْلَمُ﴾ هذا في مقام العبادة ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ﴿26﴾﴾ في مقام العبادة، أصلاً الله أكثر الاشتقاق أنه من لفظ العبادة، كثيراً ما يأتي لفظ الله مع العبادة من ألِهَ بمعنى عبد * وفي الإسراء ﴿ربكم﴾؟ هذا في مقام الإحسان للمربي، التربية، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴿23﴾ الإسراء﴾ هذا في مقام التربية، الوالدان يربيان أولادهما والرب هو المربي فناسب ذكر الرب مع التربية. * هل في هذه الآية شيء آخر من اللمسات البيانية فاتني أن أسأل فيه؟ هو ختم الآية ﴿إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿31﴾﴾. هناك أمر غريب، يتفق ما قاله أول رسول في القرآن وهو سيدنا نوح ما أُمر به أن يقوله خاتم الرسل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مما يدل على وحدة الرسالة وموقف المجتمع البشري من فجر التاريخ إلى وحدة المجتمع البشري، هذه دراسة. نوح قال ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴿31﴾﴾ لكن الله تعالى أمره ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴿50﴾ الأنعام﴾ نفس العبارات كأن المجتمع واحد لأن موقف المجتمع البشري من فجر التاريخ ما تغير. وقال نوح ﴿وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ وربنا قال لسيدنا محمد ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿52﴾ الأنعام﴾. ولا تطرد الذين يدعون ربهم - وما أنا بطارد. حتى الوصف ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿52﴾ الأنعام﴾ نوح قال ﴿إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ نفس الوصف. ربنا قال لمحمد ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ تحذير أو تنبيه، حتى الوصف واحد، والنظر إلى وحدة المجتمع على امتداد التاريخ موقفهم موقف واحد. ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿103﴾ يوسف﴾ ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴿116﴾ الأنعام﴾.
﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ سورة هود ﴿٣١﴾