صفحات الموقع
برنامج لمسات بيانية ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ ﴿البقرة: 236 وقوله: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ ﴿البقرة: 198؟ الجواب: إن قوله: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ جملة اسمية، وقوله: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ جملة فعلية. والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الفعلية. ثم إن ﴿لا تفيد توكيد النفي، وذلك أنها متضمنة معنى ﴿من الاستغراقية، يقول النحاة: وهي نظير: ﴿إنّ في توكيد الإيجاب، وهي آكد من ﴿ليس. ومعنى هذا قوله: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ آكد وأقوى وأثبت من قوله: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ. يوضح ذلك الاستعمال القرآني للعبارتين فإنه يستعمل: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فيما هو أهم من المواطن التي تستعمل فيها: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ فهو يستعملها في أمور العبادات، وفي تنظيم شؤون الأسرة، وفي الأمور المهمة على العموم. وأما قوله: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ فإنه يستعمله فيما هو دون ذلك من أمور الحياة، وما هو أقل أهمية على العموم. قال تعالى: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]، وهذا أمر يتعلق بالعبادة. وقال: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 233]، وهذا يتعلق بتنظيم الأسرة وحقوق كل من الزوجين. وقال: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 234] وقال: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ٢٣٦ [البقرة: 236]، وهي كما ترى في شؤون تنظيم الأسرة، وفي الحقوق والواجبات. وأما قوله: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ فيستعمله فيما هو أقل شأناً من أمور الحياة كما ذكرت. قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [المائدة: 93] وقال: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور: 29] وقال: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور: 61] وقال: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة: 282]. فانت ترى أنه استعملها فيما هو أقل أهمية مما قبلها. قد تقول: ولكنه قال: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 198]، وهذا يتعلق بأمور العبادات. فنقول: كلا، وإنما هو يتعلق بالتجارة في موسم الحج، فإنه قال إنه لا مانع من التجارة وابتغاء الرزق في الحج. ويوضح ذلك استعمال كل من التعبيرين في آيتين متتابعتين، وهما قوله: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101]. وقوله في الآية بعدها: ﴿َلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 102]. فقال في الآية الأولى: ﴿فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ، وقال بعدها: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ. ذلك أن الآية الأولى في السير في الأرض للتجارة أو غيرها، فقال ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ. أما الآية الثانية ففي الجهاد، يدل على ذلك قوله: ﴿أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ، وقوله: ﴿وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ، فقال: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فدّل ذلك على ما ذكرناه والله أعلم

﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ سورة البقرة ﴿١٩٨﴾

المصدر: https://quranpedia.net/note/49270