الإعدادات
آية ﴿1﴾: *انظر ↑↑↑. *لمسات بيانية في الإسراء والمعراج للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي * جاء ذكر حادثة الإسراء صريحاً في الآية الأولى من سوة الإسراء أما المعراج فجاء ذكر أحداثه في سورة النجم في آيات متتالية من الآية 1 إلى الآية 18. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ حُفّت السورة كلها بالتسبيح والتحميد قبلها وبعدها ولعلّ في هذا إشارة إلى أنه سينُقل إلى مكان وعالَم كله تسبيح: سورتي النحل ﴿أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وسورة الكهف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾، وآياتها حُفّت بالتسبيح والتحميد في بدايتها بالآية 1 وفي آخرها ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ آية 111. وقد سُبقت السورة بالمعيّة في أواخر سورة النحل ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ آية 128 ومن أعلى أنواع المعيّة أن يُعرج به إلى حيث من يُحبه بعدما لاقى من الأذى ما لاقاه من قومه وهذه أعلى معيّة للرسول وكأنه هو أعلى من الذين اتقوا والذين هم محسنون. بداية السورة: سبحان: كما هو معروف لغوياً سبحان هي إما إسم مصدر أو عَلَمٌ على التسبيح. ولقد ورد التسبيح في القرآن الكريم في سور شتّى فورد بصيغة الفعل الماضي ﴿سبّح لله ﴾ وفعل مضارع ﴿يُسبح لله﴾ أو فعل أمر ﴿فسبّح باسم ربك﴾ وورد بتعدية الفعل نفسه ﴿سبّح اسم ربك الأعلى﴾ ﴿وتسبّحوه بكرة وأصيلا﴾ وبالباء ﴿فسبّح باسم ربك﴾ وورد بلفظ تسبيح وتسبيح اسمه ﴿سبّح اسم ربك﴾ فنحن نسبّحه ونسبّح له ونسبّح باسمه ونسبّح بحمده ﴿فسبّح بحمد ربك ولستغفره﴾ وباللام. سبحان الذي أسرى: المجيء بالمصدر يفيد الإطلاق بدون تقيّد بزمن أو بفعل أو بفاعل تسبيح مطلق قبل تسبيح أحد لا بفاعل معين ولا بزمن معين قبل خَلق المسبّحين أصلاّ. والإفتتاح بسبحان طبع السورة بجو التسبيح وشاع فيه ذكر التسبيح ﴿سبحانه وتعالى عمّا يقولون علواً كبيرا﴾ ﴿تسبح له السموات السبع والأرض﴾ ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده﴾ وهي أوسع وأشمل توسيع على الإطلاق. الفعل عادة مقيّد بزمن ومقيّد بفاعل فعندما قال تعالى ﴿سبحان الذي أسرى﴾ كان مطلقاً قبل وبعد تسبيح المسبّحين لا بفاعل معين وزمن معيّن إنما له التسبيح المطلق قبل أن يخلق المسبحين أصلاً. فالإطلاق في التسبيح في السورة متناسب جداً مع ما جاء في أول السورة ﴿سبحان الذي﴾ وهو التسبيح المطلق. وليس هناك في القرآن كله سورة شاع فيها التسبيح كما شاع في سورة الإسراء ولا توجد سورة تضاهيها في التسبيح ولعلها إشارة إلى أن الرسول سينتقل إلى عالم وجو مليء بالتسبيح ﴿الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون﴾ فالسورة إذن مشحونة بالتسبيح. وأسرى تفيد المشي ليلاً وقد يكون من معانيها التسرية عن الرسول بعدما لاقاه في عام الحزن وما حصل له في الطائف فأراد الله تعالى أن يُسرّي عن رسوله ويريه كيف تكون حفاوته في السماء بعد أن هان على الكفّار في قريش والطائف فآذوه ولم ينصروه هذا والله أعلم. بعبده: لم يقل برسوله ولا بمحمد وإنما قال بعبده. الإختيار لكلمة ﴿بعبده﴾ له جملة معاني أولها: أن الإنسان مهما عظُم لا يعدو أن يكون عبداً لله تعالى لا ينبغي لأحد أن يدّعي مقاماً ليس للآخرين وحتى لا يًعظّم أكثر مما ينبغي ﴿كما فعل النصارى بعيسى ﴾ فاختيار كلمة عبد حتى لا يُدعى له مقام غير مقام العبودية. فمقام العبودية لله هو أعلى مقام للخلق وأعلى وسام يُنعم الله تعالى به على عباده الصالحين تماماً كما وصفت الآيات نوح ﴿إنه كان عبداً شكورا﴾ وأيوب ﴿نعم العبد إنه أوّاب﴾ والرسول ﴿وإنه لمّا قام عبد الله يدعوه﴾. والعبودية نوعان: قسرية واختيارية، فالعبودية القسرية تتحقق شاء أم أبى ﴿إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا﴾ سورة مريم أما العبودية الإختيارية فهي أعلى مقام العبودية ولمّا ذُكر موسى ذكره الله تعالى باسمه وأعلى مقام لموسى كان في المناجاة ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه﴾ إلى قوله ﴿خرّموسى صعقا﴾ لم يكن ليقل خرّ عبدنا موسى أو جاء عبدنا موسى فلا يجوز أن ينسب العبودية له ثم يخرّ صعقاً هذا لا يحدث ولا يجوز أصلاً، أما الرسول عندما ذكر بصورة العبودية أعقبها أنه عُرِج به إلى السماء وإلى سدرة المنتهى وخاطبه ربه بمقام لم يصل إليه أحد إلاّ هو فلذا كان استعمال كلمة ﴿بعبده﴾ دلالة على زيادة التشريف له والباء أيضاً إضافة تشريف وهي تدلّ على الرعاية والحفظ مثل قوله تعالى ﴿فأوحى إلى عبده﴾. ليلاً: كلمة أسرى معناها ليلاً لأن الإسراء لا يكون إلا ليلاً ﴿ظرف مركّب﴾ حتى نفهم أن الرحلة الطويلة من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى والعروج إلى السماء كانت كلها في جزء من الليل وقد جاءت كلمة ﴿ليلاً﴾ بدل الليل لأن الليل تدل على الليل كله أما الإسراء فقد تم في جزء من الليل فقط وليس الليل كله. من المسجد الحرام: أي من عين المكان ويكفي تسمية المسجد الحرام يعني أن لا يحدث فيه سوء. أكثر العلماء يقولون أن الإسراء لم يتم من المسجد الحرام وإنما من بيت أم هانئ وفي هذا التفاتة إلى أن مكة كلها حرم. المسجد الأقصى: لم يكن آنذاك مسجداً لكن هذا إشارة إلى أنه سيكون مسجداً. باركنا حوله: أسند تعالى المباركة لنفسه للدلالة على التعظيم ولم يقل بورك حوله والنون للعظمة لم يقل باركناه بل قال باركنا حوله لآنه لو قال باركناه لانحصرت المباركة بالمسجد فقط أما باركنا حوله فهو يشمل كل ما حوله وهو تعظيم للمسجد نفسه ولكنه إشارة أن المباركة حول المسجد أيضاً. ولم يقل باركنا ما حوله لأنها عندئذ تعني الأشياء فإذا زادت الأشياء زادت المباركة وإذا ذهبت ذهبت المباركة لكن المباركة كانت مطلقة تشمل أشياء معنوية وماديّة وروحانية بما أودع الله تعالى من رزق وخير وإرسال الرسل ولا تختص المباركة بشيء معين واحد وإنما تشمل كل هذه الأشياء. لنريه: إلتفات لأسلوب المتكلم بعد أن ابتدأ بالغائب ﴿سبحان الذي أسرى﴾ إلتفت سبحانه للمتكلم ليدلّ على أن المتكلّم هو الله تعالى وليس شخصاً يُخبر عنه إنما كان من الله تعالى مباشرة. وكلمة ﴿لنُريه﴾ تدلّ على أن أفعاله سبحانه معلّلة ولغرض معيّن ولحكمة قد يذكرها وقد يخفيها عنّا سبحانه وكأن هذه الرحلة معدّ لها. من آياتنا: أي مقرر ومُعدّ أن يرى بعض الآيات وليس كلها ولنريه: إسناد الفعل لله تعالى وشدة احتفائه برسوله ولم يقل ليرى أو ليُرى إنما جاءت ﴿لنُريه﴾ وهذا إكرام وتشريف آخر من الله تعالى لرسوله في هذا الرحلة. وإضافة الآيات إلى نفسه تعالى تأتي من باب الإحتفاء بالرسول . إنه هو السميع البصير: عودة إلى الإفراد والوحدانية. ضمير التعظيم يأتي بعد أو قبل ضمير الوحدة في القرآن الكريم وهذا حتى لا يلتبس على السامع ويُشرك مع الله أحدا والأمثلة على ذاك كثيرة في القرآن الكريم تماما كما في سورة الكوثر ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴿1﴾ فصلّ لربك وانحر﴿2﴾﴾ إنا تفيد التعظيم والكاف تفيد الوحدانية لأن الربّ واحد لا شريك له. وهي تدل على أنه سبحانه في الحقيقة هو المتفرّد بهذه الصفات ولقصر الصفات له سبحانه جاء بالضمير ﴿هو﴾ . لماذا خُتمت الآية بـ ﴿السميع البصير﴾؟ ما دلالة السمع والبصر هنا؟ سياق الآيات تقتضي ذكر قدرة الله تعالى الحقيقة أنه لو قال إنه هو القدير أو إنه على كل شيء قدير لا يزيد شيئاً على معنى الآية لأن ما في الآيات اثبات لقدرة الله تعالى والرسول أُسري به ليسمع ويرى أشياء لم يسمعها ولم يرها من قبل لذلك ناسب سياق الآيات أنه ما يراه الرسول يراه ربّه وما يسمعه يسمعه ربّه لذلك إنه هو السميع البصير. فلماذا لم تأتي الآيات ﴿السميع العليم﴾ مثلاً كما وردت في آيات أخرى في القرآن؟ الذي يسمع ويرى هو عليم ولكن إذا قيل عليم قد يكون غائب عنك فالعليم ليس فيه حضور أما السميع البصير ففيه حضور. ولقد وردت ﴿السميع العليم﴾ في آيات أخرى لأن المقام في تلك الآيات اقتضى ذلك ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة الأعراف آية 200 عندما ذكر نزغات الشيطان، والشيطان لا يُرى ووساوسه لا تُرى كذلك لذلك جاءت الآية ﴿سميع عليم﴾. أما عند ذكر البشر في آية أخرى تأتي ختام الآية بـ ﴿السميع البصير﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ سورة غافر آية 56. لماذا قدم السمع على البصر؟ 1. لأن من يسمعك أقرب ممن يراك فالشخص الذي تسمعه أنت أقرب إليك من الذي تراه وهذا يُشعر بالطمأنينة والأمن والقرب. 2. السمع هو أهمّ من البصر في مجال الدعوة فاقد البصر يمكن أن يبلّغ في مجال الدعوة أما فاقد السمع فيصعب تبليغه. 3. الإسراء في الليل والليل آيته السمع. وفي القرآن عندما يأتي ذكر الليل تأتي الآيات بـ ﴿أفلا يسمعون﴾ وعند ذكر النهار تأتي ﴿أفلا تبصرون﴾ فكلّ آية تناسب وقتها فالليل للسمع والنهار للإبصار. 4. قُدّم السمع على البصر في القرآن إلا في مواطن قليلة منها في سورة الكهف ﴿أبصر به وأسمع﴾ لأن السياق يقتضي ذلك، فقد خرج أهل الكهف فارّين حتى لا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في ظلمة الكهف وفي تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وفي سورة السجدة ﴿ربنا أبصرنا وسمعنا﴾ قدّم البصر هنا لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا ويكذبون في الآخرة وأبصروا العذاب والحقيقة وقولهم يعني انهم موقنون واليقين لا يتأتى إلا بالإبصار وليس بالسمع ﴿عين اليقين﴾ لأنهم رأوا العذاب عين اليقين. لفتة: وردت كلمة سميع والسميع في القرآن الكريم 46 مرة ووردت كذلك كلمة بصير والبصير 46 مرة. خلاصة: 1. أن الحياة والقدرة والسمع والبصر والحكمة وصفة الخلق كلها صفات وردت في هذه الآية ثم ذكر الكمال في هذه الصفات بكلمة واحدة هي ﴿سبحانك﴾ فالفرد قد يكون سميعا وبصيرا وذا قدرة ولكن قد يكون أحمقا أما كلمة سبحانك فجاءت نفياً وتنزيهاً لله تعالى عمّا يصفه أهل الجاهلية. 2. ارتباط أوّل السورة بآخرها فقد بدأت بالتسبيح وختمت بالتحميد. نعمة الإسراء نعمة عظيمة جليلة فجاء في ختام السورة قوله تعالى ﴿وقل الحمد لله﴾ حمداً لله على نعمة الإسراء. 3. ختمت السورة بالباقيات الصالحات ﴿سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر﴾ ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ وبعد هذه الآية تبدأ سورة الكهف استجابة لهذا القول ﴿قل الحمد لله فافتتحت سورة الكهف بالآية ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ وفي قوله في سورة الكهف في آية 4 ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ رد على آخر سورة الإسراء أنه سبحانه ليس له شريك في الملك. *المتوقع أن تختم الآية لأن فيها قوة وقدرة وإظهار لعظمة وغلبة الله سبحانه وتعالى لكن ربنا ختم الآية بشيء يحتاج منا إلى وقفة فقال ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ولم يقل على كل شيء قدير مثلاً؟ ﴿إضافة للدكتور فاضل﴾ أولاً لما قال ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ هذا يدل على القدرة، لو قال إنه على كل شيء قدير لم يزد على المعنى المفهوم في الآية، يعني لو قال إنه على كل شيء قدير هذا مفهوم مما مضى لكنه أفادنا معنى آخر استدعى السؤال. لو قال إنه على كل شيء قدير لم تضف شيئاً إلا التأكيد أو التبيين لكن هنا أضاف شيئاً. أولاً قال ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ إذن ربنا سبحانه وتعالى أسرى بعبده ليرى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويسمع أشياء لم يكن يراها ويسمعها فربنا يريه ما يرى ويسمعه ما يسمع. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرى ما يراه ربه ويسمع ما يسمعه ربه. الأمر الآخر أن هذه متعلقة بخاتمة السورة وبسياق السورة، مرة ذكرنا أن بداية السورة لها علاقة بخاتمة السورة، كل السور مفتتحها له علاقة بأواخرها. في خواتيم السورة قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿107﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ﴿108﴾﴾ ﴿يخرون للأذقان سجداً﴾ هذه بحاجة إلى بصر و ﴿يقولون﴾ محتاجة إلى سمع، هذه مستلزمات السميع البصير. قال ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴿110﴾﴾ هذه محتاجة إلى سمع فالذي يدعو يحتاج إلى أن تسمعه. ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴿110﴾﴾ الصلاة حركات وأقوال، فإذن هذا كله يتعلق بالسمع والبصر. ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ ﴿111﴾﴾ الذي ينبغي أن يقول يسمعه ربه، فإذن هذه متعلقة بخاتمة السورة أيضاً وما ذكر في أول السورة من إفساد بني إسرائيل ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴿4﴾ فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا ﴿5﴾﴾ هذا يحتاج إلى سمع وإلى بصر ماذا يفعل هؤلاء ويبعث عليهم عباداً يرى ويسمع ما يفعل هؤلاء، إذن هي متعلقة بها. أما السميع العليم، السميع لا يقتضي الإبصار قد يعلم واحد عن طريق آخر أما البصر فهو يبصر ويرى. المسؤول يعلم عن الموظفين كثير لكن قد لا يعرفهم أصلاً ولا يبصرهم. لكن السميع البصير أقرب وأظهر في العلم. *لكن هل هنالك مسألة توأمة لغوية أو دلالية بيانية بين خواتيم الآيات أو فواصل الآيات وصدر الآيات؟ ما الرابط هنا الرسول يُسرى به ليُرى من آيات الله ثم يقول إنه هو السميع البصير؟ نعم. ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ إذن تحتاج إلى رؤية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرى ما يراه ربه، ربنا يرى الآيات حتى يراها النبي. نلاحظ ماذا ذكر في الآية، ذكر جملة من الصفات: الحياة ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ معناها حيّ، القدرة، الحكمة ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ هذه لعلِّة، والسمع والبصر، ذكر كل هذه الأشياء الحياة والقدرة والسمع والبصر، هذه متعلقات الألوهية وهذه أصلاً تعريض بما يعبده هؤلاء الذين ليس لهم قدرة ولا معرفة ولا سمع ولا بصر، ذكر متطلبات الألوهية كلها القدرة والحكمة والسمع والبصر أما آلهتهم فلا تسمع ولا تبصر. الإسراء كان في الليل وأداة الليل هي السمع فقدّم السمع ، السمع هو المناسب. قدّم السمع على البصر لأن من يسمعك أقرب ممن يبصرك ففيها تطمين للرسول. *هل الذي يسمع أقرب أم الذي يبصر أقرب؟ قد تسمع الإنسان على بعد لكن لا تبصره. لا، الذي يسمع أقرب. أنت تبصر النجوم لكن لا تسمع حركاتها، أنت تبصر من بعيد لكن لا تسمع ماذا يقول. السمع أقرب ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴿46﴾ طه﴾ إشعار بالطمأنينة والحفظ لأن قد تبصر أناساً بعيدين لكن لا تسمع أصواتهم لأن مدى السمع أقل من مدى البصر. *أو أن الله سبحانه وتعالى سميع بصير بما يصنع المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائهم له؟ قالوا هذا أيضاً قالوا وعيد للكفار وتكذيبهم أن الله يسمع ما يقولون ويبصر ما يفعلون، ذكر هذا المفسرون. هي جملة أمور لو قال على كل شيء قدير لا تؤدي هذه المعاني.أضافت معنى جديد، معنى آخر. *ما معنى كلمة التسبيح؟ وهل له أنواع؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ التسبيح هو التنزيه عما لا يليق، أصل التسبيح هو التنزيه ﴿سبّح لله﴾ أي نزّهه هؤلاء كلهم بما نفقه وبما لا نفقه من تسبيحهم ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿44﴾ الإسراء﴾ الطير تسبّح والأشجار تسبّح وكل شيء يسبح ﴿وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴿15﴾ الرعد﴾ لا نفقه تسبيحها. التسبيح هو التنزيه عن كل ما لا يليق، عن كل نقص، أن تقول لله ولد أو تشبهه بخلقه أو أي شيء لا يليق بذاته. التسبيح ورد في صور شتّى: ورد التسبيح بالفعل الماضي ﴿سبّح﴾ وورد بالفعل المضارع ﴿يسبح﴾ وورد بفعل الأمر ﴿فسبِّح﴾ ﴿سبِّح اسم ربك﴾ وورد بإسم المصدر ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ كل هذا ورد فيه، لماذا؟ سبّح للزمن الماضي، يسبح مضارع للحال والاستقبال ﴿المضارع للاستقبال كما في قوله تعالى ﴿إن الله يفصل بينهم﴾ هذا في يوم القيامة﴾ حتى أن بعض النحاة قالوا هو للإستقبال أولاً ثم للحال. ﴿سبِّح﴾ الأمر وهو يدل على أن تبدأ به وتستمر، سبحان إسم مصدر. إسم المصدر قريب من المصدر، سبحان معناه علمٌ على التنزيه.نلاحظ أن الفعل مرتبط بزمن وبفاعل حتى يكون فعلاً، المصدر هو الحدث المجرّد الذي ليس له زمن ولا فاعل. إذن صار التنزيه إستغراق الزمن الماضي ﴿سبح﴾ والحال والمستقبل ﴿يسبح﴾ والأمر بالتسبيح ومداومته ﴿سبّح﴾ وسبحان التسبيح وإن لم يكن هناك من لم يسبح في السموات والأرض قبل الزمان وبعد الزمان إن كان أحد أو لم يكن فهو يستحق التنزيه سبحانه سواء كان هناك من يسبح بفاعل أو بدون فاعل فاستغرق جميع الأزمنة وقبل الأزمنة وبعد الأزمنة واستغرق الخلق وما قبل الخلق وما بعد الخلق. ليس هذا فقط إنما لاحظ كيف ورد التسبيح؟ ورد التسبيح ﴿سبِّح اسم ربك الأعلى﴾ ذكر الإسم، و﴿سبّحوه بكرة وأصيلا﴾ لم يذكر الإسم وذكر المفعول به مباشرة، ﴿سبّحه﴾ ﴿سبِّح اسم ربك الأعلى﴾ متعدي وسبّح بإسمه متعدي بالباء، متعدي بنفسه والتعدية بالإسم وبالحمد ﴿فسبح بحمد ربك﴾، ﴿سبّح﴾ هو في الأصل فعل متعدي. الفعل اللازم هو الذي يكتفي بفاعله ولا يأخذ مفعول به مثل ذهب ومشى ونام، الفعل المتعدي يتعدى إلى مفعول به مثل أعطى، وأحياناً يستعمل المتعدي كاللازم بحسب الحاجة مثلاً أحياناً يكون متعدياً إلى مفعوليم أو يذكر مفعولاً واحداً مثلاً ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴿5﴾ الضحى﴾ ماذا يعطيك؟ أطلق العطاء ولم يقيّده بأمر معيّن. وقالوا يستعمل إستعمال اللازم كما في قوله تعالى ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴿29﴾ التوبة﴾ وأحياناً لا يذكر المفعول به أصلاً ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴿67﴾ يونس﴾ ﴿يفقهون﴾ فعل سمع متعدي ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿52﴾ النمل﴾ علم تأخذ مفعولين ما ذكرها لأنه أراد الفعل بالذات ولم يُرِد المتعلق. قد نستعمل المتعدي كاللازم نريد الفعل وليس مرتبطاً بالمفعول به كما تقول مثلاً: فلان يعطي ويمنع، ماذا يعطي؟ وماذا يمنع؟ ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴿46﴾ طه﴾ هو يسمع ويرى ولا يقيّد بشيء معين. * بخصوص اللغة ما الفرق بين قوله تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴿1﴾ الإسراء﴾ وقول سبحان من أسرى بعبده ليلاً؟ مع أن ﴿الذي﴾ و﴿من﴾ إسم موصول؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ الإسم الموصول قسمان، قسم نسميه مختص ويسمونه أيضاً نصّ، وقسم يسموه مشترك. مختص يعني الذي للمفرد المذكر، التي للمفرد المؤنث، اللذان مثنى مذكر، اللتان مثنى مؤنث، والمشترك مثل ﴿من﴾ للمفرد المذكر والمؤنث والمثنى والجمع كلها، من حضر، من حضرت، من حضرا، من حضرتا، من حضروا، مذكر ومؤنث ومفرد ومثنى وجمع. وعندهم قاعدة المختص هو أعرف من المشترك فجاء ربنا بالإسم الأعرف ﴿الذي﴾ هذا واحد. ﴿من﴾ قد تكون نكرة أصلاً، ﴿من﴾ قد تأتي نكرة من النكرات مثلاً: هل من يساعدني؟ هل من يعينني؟ *لا نقول أين الذي يساعدني؟ هذا محدد. رب من تساعده لا يعرف لك الفضل، هذه نكرة، ﴿من﴾ تأتي نكرة و﴿الذي﴾ لا تأتي نكرة. *هنالك خلاف إذن، ليس لأن كلاهما إسم موصول هذا يعتور مكان هذا؟ لا، أولاً إذا كان إسم موصول هذا مختص وهذا مشترك وهذا أعرف و﴿من﴾ تخرج أصلاً تأتي نكرة ﴿مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴿75﴾ آل عمران﴾ هذه عامة. *خارج القرآن نقول عزّ مَن قائل أو عزّ مِن قائل؟ نقول عزّ مِن قائل. يعني عزّ قائلاً، هذه على التمييز أصلها التمييز عزّ قائلاً. لأن التمييز إسم بمعنى ﴿من﴾ مبين نكرة، يعني خاتم من ذهب وخاتم ذهباً، لله درّه من فارس، لله دره فارساً. *ما دلاله وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبد فى قوله تعالى﴿بعبده﴾؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ اختار كلمة عبد وأضافه إلى ضميره الإنسان لما يقول عن نفسه أنا عبد الله هذا تواضع والله تعالى لما يقولها عن عبد يكون تكريماً وهذا فيه تكريمان: الأول إختيار كلمة ﴿عبد﴾ لأن الله تعالى في القرآن الكريم لما يذكر ﴿عبد﴾ يذكره في مقام التكريم لأن العبودية نوعان في القرآن الكريم: العبودية الإختيارية والعبودية القسرية. العبودية الإختيارية هي أن الإنسان يختار أن يكون عبداً لله مطيعاً له وبهذا يتفاضل المؤمنون. ففي مقام مدح نوح قال تعالى ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴿3﴾ الإسراء﴾ أثنى على نوح وصفه بالعبودية. وقال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴿1﴾ الإسراء﴾ وصفه بالعبودية ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴿19﴾ الجن﴾. أما العبودية القسرية فليس فيها فضل لأنه رغم عن الإنسان نحن كلنا عباد الله شئنا أم أبينا ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴿93﴾ مريم﴾ عبادة قسرية رغماً عنا، الله تعالى يرزقنا ويختار لنا المكان الذي نولد فيه ويختار الأبوين ويعطينا إمكانيات ونعيش في السنن التي وضعها لا نتجاوزها هذه عبادة قسرية شئنا أم أبينا ليس فيها فضل وكل الناس هكذا ﴿أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴿17﴾ الفرقان﴾ هذه عبودية قسرية ليس فيها فضل وقمة العبودية هي العبودية الإختيارية وحتى الأنبياء يتفاضلون في عبوديتهم لله سبحانه وتعالى ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿30﴾ ص﴾. فكلمة عبد وسام للشخص من الله تعالى فإذا أضافها إلى ضميره ﴿عبده﴾ نسبه إليه إذن فيها تكريمان لأنه لما ينتسب العبد إلى الله تعالى يكون في حمايته. ولذلك لاحظ يقولون لما قال ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ لما ذكر كلمة عبد عرج به إلى السموات العلى وإلى سدرة المنتهى ولما ذكر موسى بإسمه قال ﴿وَخَرَّ موسَى صَعِقًا ﴿143﴾ الأعراف﴾ إذن وكأن مقام العبودية عند الله سبحانه وتعالى مقام عظيم. *السُرى هو السفر ليلاً فما دلالة ذكر ﴿ليلاً﴾ في آية الإسراء ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴿1﴾﴾؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ في الحلقة الماضية تعرضنا إلى أن هناك ظرف مؤكد وظرف مؤسس. الظرف المؤسس يعطيك معلومة جديدة لم تستفدها من الجملة السابقة للظرف كأن تقول سافرت يوم الجمعة، يوم الجمعة لم تستفدها إلا بعد أن ذكرت الظرف. أولاً ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ ليلاً: ظرف مؤكد لأن الإسراء لا يكون إلا بالليل. والتوكيد في الظروف وغير الظروف أسلوب عربي وجائز. في الصفات كقوله تعالى ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ الحاقة﴾ هي نفخة واحدة وقال تعالى ﴿وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴿51﴾ النحل﴾ الإلهين يعني اثنين. إذن عندنا تأسيس وتأكيد في الحال والصفات والظروف. إذن ليلاً هو ظرف مؤكد، هذا أمر. والأمر الآخر أن كلمة ليلاً أفادت معنى آخر غير كونها ظرف مؤكد وهو أن الإسراء تم في جزء من الليل. لما تقول سافرت ليلاً أي سافرت في هذا الوقت لا يعني أنك قضيت الليل كله لكن لما تقول سافرت الليل أي قضيت كل الليل سفراً. عندما تأتي بالألف واللام سافرت الليل أو الليل والنهار أو مشيت الليل والنهار أي كله لأن هذا جواب ﴿كم؟﴾. لما تقول سافرت ليلاً فهو توقيت وجواب عن متى؟ قد تكون سافرت في جزء منه، أما لما تقول سافرت الليل تكون قد استغرقته كله كما في قوله تعالى ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴿20﴾ الأنبياء﴾ هذا يستغرق استغراقاً لا يفترون. ﴿ليلاً﴾ أفاد أن هذه الحادثة كلها، الإسراء تم في جزء من الليل وهذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى أن تستغرق الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى التي تستغرق شهوراً والمعراج وما فيه كل هذا في جزء من الليل. إذن كلمة ليلاً أفادت معنيين الأول أنها ظرف مؤكد للإسراء والأمر الآخر أن هذه الحادثة استغرقت جزءاً من الليل. ﴿أسرى بعبده﴾ كم استغرق؟ لا نعلم. كلمة أسرى وحدها لا تدل على جزء محدد من الليل، الإسراء هو المشي بالليل فقط ولو لم يقل ليلاً لما دل على أن هذا تم في جزء من الليل. فكلمة ليلاً إذن أفادت أمرين الظرف المؤكد وأن هذه الحادثة لم تستغرق إلا جزءاً من الليل. لا توجد كلمة زائدة في القرآن أو حشو وإنما كل كلمة لها دلالة. في القرآن يقولون حرف جر زائد وهذا مصطلح لا يعنون به الزيادة التي ليس لها فائدة وإنما وقوعها بين العامل والمعمول لغرض وهو الزيادة للتوكيد كما في قوله ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾، هو من حيث وقوعها بين العامل والمعمول تسمى زيادة فهذا مصطلح والمعنى العام هو باقٍ لكن وقعت بين العامل والمعمول وأكّدت والتأكيد أمر موجود في اللغة وقد يستدعي السياق التأكيد فكلمة زائدة عند النُحاة لا تعني أنه ليس لها فائدة، هذا قطعاً ليس هو المقصود وإنما في الغالب تفيد التوكيد وأقول في الغالب لأنه قد تفيد الزيادة شيئاً آخر غير التوكيد. سؤال: الإسراء من – إلى، ألا يقتضي المنطق أن الظرف يأتي بعد ﴿من – إلى﴾ يعني أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلاً؟ العامل هو أصلاً متقدم ﴿أسرى﴾ وبعبده وليلاً متعلقة بهذا العامل وهي معمولات لهذا العامل. يبقى الترتيب لما هو أهمّ: بدأ بالزمان ﴿ليلاً﴾ ثم المكان ﴿من المسجد الحرام﴾ كلها حصلت في جزء من الليل وهذا أمر مستغرب أنه من هذا المكان إلى ذلك المكان أن يكون في جزء من الليل، ليس مستغرباً أن تذهب من هذا المكان إلى ذلك المكان لكن المستغرب والمستبعد أن يتم ذلك في جزء من الليل لذلك هم قالوا نضرب إليها أكباد الإبل ستة أشهر ذهاباً ومجيئاً. هم لم يستغربوا من الذهاب والإياب لأنهم يذهبون ويأوبون ولكن استغربوا من الاستغراق للوقت فقط. لو لم يقل ليلاً لما فهمنا أنه تم في جزء من الليل. سؤال: هل نقول المعراج أو العروج؟ المعراج هو الآلة والعروج هو المصدر، هو الحدث. نقول الإسراء والمعراج. * ما دلالة كلمة ﴿ليلا ﴾؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ قال تعالى﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحلاام الى المسجد الأقصى ﴾والتوكيد باب كبير في اللغة وليس هناك باب لا يدخل فيه التوكيد مثلاً التوكيد بالجار والمجرور كما في قوله تعالى ﴿ولا طائر يطير بجناحيه﴾ المعلوم أن الطائر يطير بجناحيه ومع هذا جاءت كلمة بجناحيه للتوكيد, والظرف المؤكّد كما في قوله تعالى ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ الإسراء يكون ليلاً . *ما دلالة كلمة ﴿لنريه﴾ في سورة الإسراء؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ قد يحتمل المعنى أن الرسول أُعطي الرؤية الإلهية وتعطلت الرؤية البشرية وربما يكون سبحانه وتعالى قد أعطاه رؤية قوية أكثر من قدرة البشر بدليل أنه رأى القافلة ورأى موسى وهو يصلي في قبره ورأى جبريل عليه السلام. والله أعلم. كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً. فلما يقول في القرآن ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر ففى أروع المواطن سمّاه عبداً. كلمة عبد لها أكثر من عشرين جمعاً ونظمها أكثر من واحد.
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ سورة الإسراء ﴿١﴾