الإعدادات
آية ﴿29﴾: *ما الفروق الدلالية بين فعل سار ومشى؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ السير غير المشي في اللغة ويقال سار القوم إذا امتدّ بهم السير من جهة إلى جهة معينة في الخصوص. والسير في القرآن الكريم قد يكون لغرض وفي جهة وهو إما للعظة والإعتبار أو للتجارة أو غير ذلك كما في قوله تعالى ﴿فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله﴾ سورة القصص فالسير هنا ممتد من مدين إلى مصر وهو ليس مشياً. وقد يكون معنى السير السير لفترة طويلة للعبرة والإتّعاظ كما في قوله تعالى ﴿قل سيروا في الأرض ثم انظروا﴾ وقد ورد هذا المعنى للسير في 11 آية قرآنية ﴿أفلم يسيروا في الأرض﴾ ﴿قل سيروا في الأرض فانظروا﴾ والسير هنا هو الإمتداد وكما قلنا يكون في القرآن الكريم إما لمسافة طويلة بغرض التجارة وإما لغرض العبرة والإتّعاظ. أما المشي فهو مجرد الإنتقال وليس بالضرورة توجّه إلى هدف محدد كما في قوله تعالى ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا﴾. * ما الفرق بين النبأ والخبر؟﴿د.فاضل السامرائى﴾ النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿22﴾ النمل﴾ وفي القرآن النبأ أهم من الخبر ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴿67﴾ ص﴾ ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴿2﴾ النبأ﴾. والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿29﴾ القصص﴾ ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿7﴾ النمل﴾ وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿5﴾ التغابن﴾ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿9﴾ ابراهيم﴾ ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴿71﴾ يونس﴾ ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿120﴾ هود﴾. والمُراد من هذا كله أن النبأ أعظم من الخبر. د.فاضل السامرائى : قصة موسى وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم وقد أثير سؤال قديماً وقد جدد هذا السؤال أنه هنالك تشابه واختلاف بين القصتين في سورتي النمل والقصص فأحبوا أن نبين اللمسات البيانية في هاتين القصتين. ما ورد في سورة النمل قوله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴿6﴾ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿7﴾ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿8﴾ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿9﴾ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴿10﴾ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿11﴾ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿12﴾ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴿13﴾ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴿14﴾﴾ هذا كل ما ورد في النمل، القصة بكاملها. في سورة القصص قال تعالى بما يقابل هذا المشهد ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿29﴾ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿30﴾ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ ﴿31﴾ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿32﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴿33﴾﴾ من هذين النصين تتبين طائفة من الاختلافات في التعبير: النمل القصص إني آنست نارا آنس من جانب الطور نارا ـــــــ امكثوا سآتيكم منها بخبر لعلي آتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس أو جذوة من النار فلما جاءها فلما أتاها نودي أن بورك من في النار نودي من شاطئ الواد الأيمن وسبحان الله رب العالمين ـ يا موسى أن يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم إني أنا الله رب العالمين وألق عصاك وأن ألق عصاك يا موسى لا تخف يا موسى أقبل ولا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إنك من الآمنين إلا من ظلم ـــــ وأدخل يدك في جيبك اسلك يدك في تسعِ آيات فذانك برهانان ـ واضمم إليك جناحك ممن الرّهْب إلى فرعون وقومه إلى فرعون وملئه إن الذي أوردته من سورة النمل، هو كل ما ورد عن قصة موسى في السورة. وأما ما ذكرته من سورة القصص فهو جزء يسير من القصة، فقد وردت القصة مفصلة ابتداء من قبل أن يأتي موسى إلى الدنيا إلى ولادته، وإلقائه في اليم والتقاطه من آل فرعون، وإرضاعه ونشأته وقتله المصري وهربه من مصر إلى مدين، وزواجه وعودته بعد عشر سنين وإبلاغه بالرسالة من الله رب العالمين، وتأييده بالآيات، ودعوته فرعون إلى عبادة الله إلى غرق فرعون في اليم، وذلك من الآية الثانية إلى الآية الثالثة والأربعين. فالقصة في سورة القصص إذن مفصلة مطولة، وفي سورة النمل موجزة مجملة. ونلاحظ أن كل تعبير يتناسب مع هذا الأمر الأول وهذه سمة عموماً الإيجاز والتفصيل. هذا أمر، والأمر الآخر أن المقام في سورة النمل، مقامُ تكريم لموسى أوضح مما هو في القصص نذكر الموطنين لأنها ستفسر الخلافات، ذلك أنه في سورة القصص كان جو القصة مطبوعا بطابع الخوف أما في النمل فليس مطبوعاً بطابع الخوف. في القصص من أولها جو القصة مطبوع الذي يسيطر على موسى عليه السلام وأم موسى بل إن جو الخوف كان مقترنا بولادة موسى عليه السلام، فقد خافت أمه فرعونَ عليه فقد قال تعالى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي ﴿7﴾ القصص﴾، ويستبد بها الخوف أكثر حتى يصفها رب العزة بقوله ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴿10﴾ القصص﴾ ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، ويساوره وذلك بعد قتله المصري ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ﴿18﴾﴾ فنصحه أحدُ الناصحين بالهرب من مصر لأنه مهدد بالقتل ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ﴿21﴾﴾، وطلب من ربه أن ينجيه من بطش الظالمين ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿21﴾﴾ . فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها وقصّ عليه القصص فطمأنه قائلاً ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿25﴾﴾ وهذا الطابع ـ أعني طابع الخوف ـ يبقى ملازماً للقصة إلى أواخرها، بل حتى إنه لما كلفه ربه بالذهاب إلى فرعون راجعه وقال له: إنه خائف على نفسه من القتل ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴿33﴾﴾، وطلب أخاه ظهيراً له يعينه ويصدقه لأنه يخاف أن يكذبوه ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴿34﴾﴾ إذن الأمر في القصص أمرين التفصيل والخوف وفي النمل الإيجاز والتكريم. أصلاً في قصة النمل لم يذكر الخوف إلا في مقام إلقاء العصا ألقى العصا وخاف منها ثم ولى مدبراً ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴿10﴾﴾. بينما القصص من قبل أن يأتي موسى إلى تبليغه بالرسالة وهو خائف. إذن هناك أمرين في سورة القصص التفصيل والخوف. فاقتضى أن يكون التعبير مناسبا للمقام الذي ورد فيه. وإليك إيضاح ذلك: قال تعالى في سورة النمل: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ وقال في سورة القصص: ﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً﴾ ذكر المكان ﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ﴾ وذلك لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة في سورة القصص. قال في سورة النمل: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ وقال في سورة القصص: ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً﴾ بزيادة "امْكُثُوا". وهذه الزيادة نظيرة ما ذكرناه آنفا، أعني مناسبة لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة بخلاف القصة في النمل المبنية على الإيجاز. قال في النمل: ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾. وقال في القصص ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ لم يقطع. فبنى الكلام في النمل على القطع والوثوق في النفس ﴿سَآتيكُم﴾ وفي القصص على الترجي ﴿لعَلّي آتيكُمْ﴾. وذلك أن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن. ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناه على الوثوق والقطع بالأمر. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن ما ذكره في النمل هو المناسب لمقام التكريم لموسى بخلاف ما في القصص. سؤال: هذه إشكالية المشكلات ماذا قال موسى هل قال ﴿سأتيكم﴾ أو ﴿لعلي آتيكم﴾؟ قال كليهما ونحن في حياتنا اليومية تقول أنا ذاهب في أمر لعلي أستطيع أن آتيكم قبل المغرب، لا، لا، سأتيكم قبل المغرب، إذن أنت قلت الاثنين أنت قطعت وترجيت في وقت واحد، هذا يحصل. موسى قال الاثنين لكن ربنا تعالى ذكر كل موطن في مقامه. استطراد من المقدم: إذن يجوز لمن يحكي عني أن يقول هو قال كذا وقال كذا ولا يكذبه أحد لأنه قال الاثنين. سؤال: قال إني آنست وهناك قال امكثوا؟ ليس فيها إشكال أحياناً تختصر الأشياء تقولها على السريع وأحياناً تفصّل. لم يذكر المكان في القصص، هذا ليس مخالفاً. نحن في حياتنا اليومية أقول ذهبت أنا إلى مكان، سافرت إلى مصر أو إلى الأردن ولقيت جماعة وأتكلم عن مشهد أحياناً أفصل كل جزئياته وقد يكون كثير من الأمور التي شاهدتها في سفري لم أذكرها لأنه ليس لها علاقة وقد أذكرها في وقت آخر، فالله سبحانه وتعالى يذكر حيث يقتضي المقام الذكر وهذا شأننا في الحياة الحادثة الواحدة تذكرها في أكثر من صورة لكنك أنت لم تكذب ولم تغير لكن كل مرة تذكر أموراً ذهبنا وتكلمنا عن كذا وكذا وعن الأبناء والأولاد وماذا حصل وأحياناً لا تذكر هذا الشيء، فما الإشكال في هذا؟ سؤال: بعض المغرضين يوجه نقداً للقرآن الكريم ويقول هذا تناقض واضح لماذا قال آنست من جانب الطور وفي مكان قال امكثوا، سأتيكم، لعلي آتيكم فماذا قال تحديداً؟ قال كليهما. إذن أيها المناسب للخوف لعلّي أو سآتيكم؟ ﴿لعلي﴾ أنسب فجاء بها في مقام الخوف وفي مقام الثقة والقطع قال ﴿سآتيكم﴾ وقد قال كليهما. ومن ناحية أخرى، فإن كل تعبير مناسبٌ لجو السورة ليس فقط القصة ذلك أن الترجي من سمات سورة القصص، والقطع من سمات سورة النمل عموماً كسمة عامة. فقد جاء في سورة القصص قوله تعالى: ﴿عَسى أن ينْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا﴾ وهو ترَجٍّ. وقال ﴿عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَني سَوَاءَ السّبيلِ﴾ وهو ترجٍّ أيضا. وقال ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ وقال ﴿لَعَلّكُم تَصْطَلونَ﴾، وقال ﴿لَعَلّي أَطّلِعُ إلى إِلَهِ موسَى﴾، وقال ﴿لَعَلّهُمْ يَتَذكّرونَ﴾ ثلاث مرات قالها في الآيات 43، 46، 51، وقال ﴿فَعَسَى أَنْ يَكونَ مِنَ المُفْلِحينَ﴾، وقال ﴿ولَعَلّكُم تَشكُرونَ﴾ هذا كله ترجّ. وذلك في عشرة مواطن في سورة القصص في حين لم يرد الترجي في سورة النمل، إلا في موطنين وهما قوله ﴿لَعَلّكُمْ تَصْطَلونَ﴾، وقوله ﴿لَعَلّكُمْ تُرْحَمونَ﴾. ومن ناحية أخرى إضافة إلى هذا الترجي مناسب لجو سورة القصص والقطع مناسب لجو سورة النمل المبنية أصلاً على القطع من ذلك قوله تعالى على لسان الهدهد ﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ ﴿22﴾ النمل﴾، وقوله على لسان العفريت لسيدنا سليمان ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿39﴾ النمل﴾ وقوله على لسان الذي عنده علم من الكتاب ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴿40﴾ النمل﴾ من ناحية السمة إضافة إلى ما ذكرنا فانظر كيف ناسب الترجي ما ورد في القصص، وناسب القطع واليقين ما ورد في النمل. سؤال: هذا من حيث البيان ما ذكرناه تحت ماذا يُدرس؟ مناسبة السورة لبعضها، مناسبة الآيات، سمة تعبيرية، سمة سياقية. استطراد من المقدم: إذن كل آية في القرآن تتناسب مع السمة العامة للسورة. استطراد من المقدم: وأنت تتحدث سرحت بذهني كم من الوقت يسغرقكم لتحضير هذه المادة د. فاضل؟ أحياناً وقت طويل جداً أيام وأسابيع للنظر في مسألة أحياناً هكذا لأنه ليس كل ما يدور في الذهن ينقدح في رأسك فوراً وإنما يحتاج لتقليب ونظر. سؤال: عندما سألتك لم قال هنا سأتيكم ولعلي آتيكم فقلت السمة التعبيرية العامة في السورة فلا بد أن هذه الأسئلة انقدحت في ذهنك كثيراً وأنت تبحث هذه وتعيد قراءة السورة مرات ومرات؟ نعم. نلاحظ أنه كرّر فعل الإتيان في النمل، فقال ﴿سَآتيكُمْ مِنها بِخَبَر أوْ آتيكُمْ بِشِهابٍ﴾، ولم يكرره في القصص، بل قال ﴿لَعَلّي آتيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ﴾ لم يقل أو آتيكم بجذوة، فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه وثقته بنفسه، والتوكيد دلالة على الثقة بالنفس وعلى القوة، في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص مناسبة لجو الخوف. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن فعل ﴿الإتيان﴾ تكرر في النمل اثنتي عشرة مرة ﴿انظر الآيات: 7 مرتين، 18، 21، 28، 37، 38، 39، 40، 54، 55، 87﴾ وتكرر في القصص ست مرات ﴿انظر الآيات 29، 30، 46، 49، 71، 72﴾ فناسب السمة التعبيرية في السورة إضافة إلى موقف الثقة بالنفس وموقف القوة والتوكيد فناسب السمة التعبيرية أيضاً. وقال في سورة النمل ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ وقال في القصص ﴿نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ الشهاب هو شعلة من النار ساطعة فيها لهب والقبس يعني تؤخذ، قبس أي أخذ إذن الشهاب هو شعلة من النار ساطعة ومأخوذة. النعبير بشهاب قبس فيها أمرين. وأما ﴿الجذوة﴾ فهي الجمرة أو القبسة من النار والجمرة هي عود فيه نار بلا لهب. أيُّ الأفضل المجيء بالشهاب أو المجيء بالجمرة؟ المجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا. فهو أحسن من الجذوة في الاتضاءة والدفء، الجذوة ليس فيها هذا الشيء وربما يكون فيها دفء فقط. أيُّ يدل على الثبات واليقين والقوة؟ الشهاب القبس، إذن مناسبة لسورة النمل إذن شهاب مقبوس ليس مختلساً وليس محمولاً وإنما هو يذهب فيقبس يأتي بالشهاب بعود ويذهب إلى النار ويقبس منها ويأتي أما الجذوة يمكن أن يختلسها ويعود، ما وضح طريقة أخذ الجذوة وهذا يتناسب مع السمة التعبيرية لسورة القصص أيضاً مع الثبات والقوة بينما في النمل جو الخوف قال ﴿جذوة﴾. هو موسى قال الاثنين والقولان ليسا مختلفين، هو يقول لهم آتيكم بشهاب، بقبس، بجذوة إذن هو قطعاً قال الاثنين. * في سورة النمل ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿7﴾﴾ بينما في سورة القصص ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿29﴾﴾ فما الفرق بين الآيتين؟ ﴿د.فاضل السامرائي﴾ الشهاب هو شعلة من النار ساطعة. القبس اي شيء يؤخذ من النار سواء كان جذوة أم شهاب، قبس تقبسه تأخذه، هذا القبس ما يؤخذ من النار أياً تأخذ هو القبس. الجذوة هي الجمرة. *بغض النظر عن الحجم؟ هي جمرة، عود فيه نار بلا لهب هذه جذوة. إذا صار فيه لهب يصير شهاباً. * الشهاب إذن نار فيها لهب. والشعلة؟ كما الشعلة الموجودة في الألمبياد أي شعلة من النار هو شهاب، الجذوة لا، بلا لهب هي جمرة، القبس هو ما تقبسه من النار سواء كان شهاباً أم جذوة. * شهاب قبس؟ شهاب تأخذه من النار. *يعني قطعة مشتعلة من النار؟ نعم، قطعة مشتعلة تأتي بعود على النار، على الشهاب فيلتهب تأخذه صار شهاباً قبساً. *إذا أخذنا منها عوداً كان ملتهباً يكون شهاباً قبساً وإذا لم يكن ملتهباً يكون جذوة أو جمرة أو قبس؟ القبس عام للجذوة وللشهاب، ما تقبسه ما تأخذه من النار *يعني القبس هو عبارة عن شهاب وجذوة؟ نعم، ممكن هذا وممكن هذا، كل هذا قبس. * والفرق أنه إذا كان ملتهباً فهو شاب وإذا لم يكن مشتعلاً فهو جذوة أو جمرة. *مرة يقول في سيدنا موسى شهاب قبس ومرة جذوة من النا، موسى ماذا أخذ؟ وخصوصاً في ظل هذا الفرق الدلالي أن هذا فيه اشتعال وهذا ليس فيه اشتعال؟ لا، عندما قال قبس قال ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿7﴾﴾ لكن قال في الثانية ﴿آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿29﴾﴾. سأتيكم قطع، لعلي احتمال. في سورة النمل قال ﴿سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ سآتيكم قطع. في القصص قال ﴿آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿29﴾﴾ ليس متأكداً والإنسان أحياناً يقول هذا ويقول ذاك، سآتي اليوم لعلي أستطيع. أنا الآن عندي سفرة إلى مكان قريب سآتيكم مساء هذا اليوم لعلي أستطيع، مرة قطعت ومرة احتمال. أنت قلت الاثنين أول مرة قلت سآتيكم قطعت والثانية قلت لعلي أستطيع، لعلي آتيكم. موسى قال ﴿سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ ﴿لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ﴾ ففي مكان القوة لأنه في سورة النمل كان قوياً أما في القصص فهي في الخوف من أولها إلى آخرها، قال ﴿لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ﴾ لعلّي. وقال ﴿سآتيكم﴾. هو قال الاثنين سآتيكم، لعلي آتيكم فذكر في كل موطن ما يناسبه من السياق. *هل هذا يؤثر على الذي يأتي به؟ مرة يأتي بشهاب قبس فيه التهاب ومرة يأتي بجذوة ليس فيها التهاب؟ ماذا يستطيع هو أن يفعل؟ *لا شيء. هو سيرى ماذا يستطيع أن يفعل. هكذا نفهم الآيات، هو سيرى يذهب وينظر ولذلك هو قال في طه ﴿لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴿10﴾﴾ لا قال شهاب ولا قال جذوة، هذا هو العام، والقبس قد يكون شهاب وقد يكون جذوة. *هو أتى بالثلاثة؟ قبس تجمع الاثنين ليس هناك تناقض في المسألة، قال قبس وهو عامّ *هو في واقع الأمر ماذا قال؟ قال الاثنين كما نقول الآن سآتيكم هذا اليوم لعلي أستطيع. سآتيكم بشهاب لعلي أستطيع فإن لم أستطع آتيكم بجذوة. *هو ماذا قال لأهله؟ سآتيكم بقبس أم سآتيكم بشهاب أم سآتيكم بجذوة؟ قال الاثنين لكن قال إحداها على القطع والأخرى على الاحتمال. سأرجع هذا اليوم، لعلي أرجع، لا، سأرجع، وهذه نفس الشيء، لعلي أستطيع آتيكم بجذوة، لا، شهاب. نقول الظرف هو الذي يحكمه لكنه قال الاثنين سآتيكم بكذا، لعلي آتيكم. * لا يظنن ظان أن القرآن فيه تضارب أو أن كلامه تغيّر؟ لا، كيف يكون فيه تضارب؟! هذا واقع الحياة أحياناً نذكر الأمرين واحد بالقطع وواحد بالاحتمال، هذا يحصل. *** قال الراغب الأصفهاني مفرقا بين الإتيان والمجيء: الإتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيلِ المارّ على وجهه أتي" ﴿المفردات في غريب القرآن 6﴾. وقال: "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة" ﴿المفردات 102﴾ ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحا بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات ﴿أتى﴾ ما يدل على السهولة، فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من ﴿أتى﴾ "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" وذلك لسهولته ويسره. ويقولون : "كل سيل سهلته الماء أتيّ" و "أتّوا جداولها: سهلوا طرق المياه إليها" يقال: ﴿أتّيت الماء﴾ إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه .. ويقال: أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه .. وأتّيت الماء تأتيةً وتأتياً، أي: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع"﴿ لسان العرب ﴿أتى﴾ 18 / 14﴾ والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له ﴿أتى﴾ . ويستعمل ﴿أتى﴾ لما هو أخف وأيسر. ولعل من أسباب ذلك أن الفعل ﴿جاء﴾ أثقل من ﴿أتى﴾ في اللفظ بدليل أنه لم يرد في القرآن فعل مضارع لـ ﴿جاء﴾ ولا أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول، ولم يرد إلا الماضي وحده بخلاف ﴿أتى﴾ الذي وردت كل تصريفاته، فقد ورد منه الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول. فناسب بين ثقل اللفظ وثقل الموقف في ﴿جاء﴾، وخفة اللفظ وخفة الموقف في ﴿أتى﴾ والله أعلم. قال في سورة النمل ﴿فَلَمّا جاءَهَا نُودِيَ﴾ وقال في سورة القصص ﴿فَلَمّا أَتاها نُودِيَ﴾ فما الفرق بينهما؟ ﴿فلما جاءها﴾ إذن موطن الخوف وضع كل واحد في مكانه، ﴿فلما جاءها﴾ ﴿فلما آتاها﴾ وذكرنا في أكثر من مناسبة أن الإتيان فيه سهولة وحتى قسم من أهل اللغة يقولون الإتيان المجيء بسهولة. الإتيان والمجيء بمعنى لكن بفوارق دلالية وقسم من أهل المعجمات يفسروا الواحد بالآخر جاء بمعنى آتى وأتى بمعنى جاء لكن يذكرون بعض التصريفات والراغب الأصفهاني يقول الإتيان المجيء بسهولة. والمجيء عام لكن حتى لو نظرنا في المعجمات تذكر أموراً تدل على أن الإيتاء فيه سهولة فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من ﴿أتى﴾ "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" معناه مذلل، وذلك لسهولته ويسره. ويقولون "أتّوا جداولها سهلوا طرق المياه إليها" يقال: ﴿أتّيت الماء﴾ إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه. فيها سهولة حتى من لم يصرِّح بذلك لكن عندما ينظر في ما يأتي فيها من مفردات يتضح منها السهولة. والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له ﴿أتى﴾. سؤال: من حيث اللغة عموماً هل تفرق بينهما؟ وهل هذه خصوصية في القرآن مثلاً؟ يمكن في جاء وأتى لكن في بعض التصريفات والتقليبات فيها لما يقول الميتاء والأتي وأتّى، اللغة تعي هذا حق الوعي. ربنا قال مثلاً ﴿فَإذا جَاءَ أَمْرُنا وَفارَ التّنّورُ ﴿27﴾ المؤمنون﴾، وذلك لأن هذا المجيء فيه عقوبة ومشقة وشدة وقال ﴿وجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالحَقّ ﴿19﴾ ق﴾ وقال ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرَا ﴿71﴾ الكهف﴾ وقال ﴿لقَدْ جِئْتَ شِيْئا نُكْرا ﴿74﴾ الكهف﴾ وقال ﴿قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ﴿27﴾ مريم﴾ وقال ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴿88﴾ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿89﴾ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿90﴾ مريم﴾. وقال ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴿81﴾ الاسراء﴾ وقال ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴿33﴾ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ عبس﴾. وقال ﴿فإذا جاءَت الطّامّةُ الكُبْرَى ﴿34﴾ النازعات﴾. وهذا كله مما فيه صعوبة ومشقة. وقد تقول: وقد قال أيضاً ﴿هَلْ أَتاكَ حَديثُ الغَاشِيَة﴾ والجواب: أن الذي جاء هنا هو الحديث وليس الغاشية في حين أن الذي جاء هناك هو الطامة والصاخة ونحوهما مما ذكر. لم يقل أتتكم الغاشية وإنما حديث الغاشية، حديث يعني الكلام، هناك جاءت الصاخة أو الطامة وليس الحديث عنها. لم تأت الغاشية وإنما هناك جاءت، هذا الكلام في الدينا ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴿1﴾ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴿2﴾ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ﴿3﴾﴾ لأن الحديث عنها أما ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴿33﴾ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ عبس﴾ ليس الحديث عنها. ﴿أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴿1﴾ النحل﴾ يعني قرب موعده فلا تستعجلوه، إذن لم يقع بعد. يقول تعالى ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ ﴿78﴾ غافر﴾، أتى وجاء وأمر الله، أتى أمر الله فإذا جاء أمر الله، نكمل الآية حتى تتضح المسألة ونحو قوله ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴿110﴾ يوسف﴾، ﴿لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ ﴿53﴾ العنكبوت﴾. قال تعالى ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿1﴾ النحل﴾. وقال ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴿78﴾ غافر﴾. فقد قال في النحل: "أَتَى أَمْرُ اللهِ"، وقال في غافر: "جاءَ أَمْرُ اللهِ". أتى وجاء وأمر الله، أتى أمر الله فإذا جاء أمر الله، نكمل الآيتين حتى تتضح المسألة ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿1﴾ النحل﴾ ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴿78﴾ غافر﴾، في النحل لم يأت بعد ﴿فلا تسعجلوه﴾ أما في غافر ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ هذا قضاء وخسران، أكمل الآيات حتى يتضح الفرق بينهما ويصير الفرق بائناً. وقوله ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ﴿34﴾ الأنعام﴾ وقوله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿110﴾ يوسف﴾ أتاهم نصرنا في الأنعام وجاءهم نصرنا في يوسف، نضعها في مكانها ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿110﴾ يوسف﴾ و ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ﴿34﴾ الأنعام﴾ نلاحظ استيأس الرسل فصبروا على ما كذبوا، أيها الأكثر استيأس الرسل أو صبروا على ما كذبوا؟ استيأس الرسل وصلوا لمرحلة الاستيئاس. ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿110﴾ يوسف﴾ وقال في الأنعام ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾. أي الموقفين أشد؟ موقف الإستيئاس. وقفنا عند قوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿8﴾ النمل﴾ ولم يذكر مثل ذلك في القصص فقط ذكر جهة النداء ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿30﴾﴾ أما ﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ هذا كلام للتعظيم ﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذا موقف تعظيم. سؤال: لِمَن التعظيم للنار أم لمن حولها أو لله تعالى؟ الكلام كان من هو الذي في النار ومن حولها؟ ذُكر عدة أقوال فيها قيل من في النار يعني موسى ومن حولها يعني الملائكة، هي ليست ناراً وإنما نوراً وقسم قال من في النار هم الملائكة وموسى حولها ليس هناك نص يُعيّن، وقيل النور هو نور رب العالمين ومن حوله الملائكة. هو رأى ناراً لكن حقيقة الأمر أنها ليست ناراً وإنما نور وقيل نور رب العالمين. واضح فيها تعظيم قد يكون التعظيم لموسى باعتبار من حولها إذا هو حولها أو للملائكة أو لله سبحانه وتعالى ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ المقام كله مقام تعظيم ولم يرد في القصص مثل هذا وهذا مناسب لجو التعظيم والتكريم الوارد في النمل. ونعود إلى ما نحن فيه من قصة موسى عليه السلام، فقد قال في سورة النمل: "فلما جاءها" وقال في سورة القصص: "فَلمّا أتاها" ذلك أن ما قطعه موسى على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، فقد قطع في النمل على نفسه أن يأتيهم بخبر أو شهاب قبس، في حين ترجى ذلك في القصص. والقطع أشق وأصعب من الترجي. وأنه قطع في النمل، أن يأتيهم بشهاب قبي، أي: بشعلة من النار ساطعة مقبوسة من النار التي رآها في حين أنه ترجّى في القصص ان ياتيهم بجمرة من النار، والأولى أصعب. ثم إن المهمة التي ستوكل إليه في النمل أصعب وأشق مما في القصص، فإنه طلب إليه في القصص أن يبلغ فرعون وملأه. وتبليغ القوم أوسع وأصعب من تبليغ الملأ، ذلك أن دائرة الملأ ضيقة، وهم المحيطون بفرعون في حين أن دائرة القوم واسعة، لأنهم منتشرون في المدن والقرى، وأن التعامل مع هذه الدائرة الواسعة من الناس صعب شاق، فإنهم مختلفون في الأمزجة والاستجابة والتصرف، فما في النمل أشق وأصعب، فجاء بالفعل ﴿جاء﴾ دون ﴿أتى﴾ الذي هو أخف. ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة طه: "فلما أتاها نُودِيِ يا موسى" ذلك لأنه أمره بالذهاب إلى فرعون ولم يذكر معه أحدا آخر: "اذهب إلى فرعون إنه طغى 24 قال رب اشرَحْ لي صَدْري 25 ويسّر لي أمري 26" فانظر كيف لما أرسله إلى فرعون قال: "أتاها"، ولما أرسله إلى فرعون وملئه قال ﴿أتاها﴾ أيضا في حين لما أرسله إلى فرعون وقومه قال: "جاءها" وأنت ترى الفرق بين الموطنين ظاهرا. ذكر في القصص جهة النداء فقال: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ " ولم يذكر الجهة في النمل، وذلك لأن موطن القصص موطن تفصيل، وموطن النمل موطن إيجاز كما ذكرت. قال في النمل: " نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ولم يذكر مثل ذلك في القصص، بل ذكر جهة النداء فقط، وذلك لأن الموقف في النمل موقف تعظيم كما أسلفنا وهذا القول تعظيم لله رب العالمين. قال في النمل "يا موسَى" وقال في القصص: "أَنْ يا موسَى" فجاء بـ ﴿أن﴾ المفسرة في القصص، ولم يأت بها في النمل، وذلك لأكثر من سبب: منها أن المقام في النمل مقام تعظيم لله سبحانه، وتكريم لموسى كما ذكرنا فشرفه بالنداء المباشر في حين ليس المقام كذلك في القصص، فجاء بما يفسر الكلام، أي: ناديناه بنحو هذا، أو بما هذا معناه، فهناك فرق بين قولك: ﴿أشرت إليه أن اذهب﴾ و ﴿قلت له اذهب﴾ فالأول معناه: أشرت إليه بالذهاب، بأيّ لفظ أو دلالة تدل على هذا المعنى. وأما الثاني فقد قلت له هذا القول نصا، ومثله قوله تعالى: "وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ104 قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 105"الصافات أي: بما هذا تفسيره أو بما هذا معناه بخلاف قوله: "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" هود ومنها أن المقام في سورة القصص مقام تبسّط وتفصيل فجاء بـ ﴿أن﴾ زيادة في التبسط. ومنها أن ثقل التكليف في النمل يستدعي المباشرة في النداء، ذلك أن الموقف يختلف بحسب المهمة وقوة التكليف كما هو معلوم. قال في النمل: "إنّهُ أَنا اللهُ العَزيزُ الحَكيمُ"، وقال في سورة القصص: "إِنّي أَنا اللهُ رَبُّ العالَمينَ" فجاء بضمير الشأن الدال على التعظيم في آية النمل: "إِنّه أنا" ولم يأت به في القصص، ثم جاء باسميه الكريمين "العَزيزُ الحَكيم" في النمل زيادة في التعظيم. ثم انظر إلى اختيار هذين الاسمين وتناسبهما مع مقام ثقل التكليف، فإن فرعون حاكم متجبر يرتدي رداء العزّة، ألا ترى كيف أقسم السحرة بعزته قائلين: "بِعِزّةِ فِرعَوْنَ إنّا لَنَحْنُ الغَالِبونَ 44" الشعراء. فاختار من بين أسمائه ﴿العزيز﴾ معرفا بالألف واللام للدلالة على أنه هو العزيز ولا عزيز سواه، و﴿الحكيم﴾ للدلالة على أنه لا حاكم ولا ذا حكمة سواه، فهو المتصف بهذين الوصفين على جهة الكمال حصرا. وفي تعريف هذين الاسمين بالألف واللام من الدلالة على الكمال والحصر ما لا يخفى ما لو قال ﴿عزيز حكيم﴾ فإنه قد يشاركه فيهما آخرون. ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال: "أَنا اللهُ العَزيزُ الحَكيمُ" لم يذكر أن موسى سأل ربه أن يعزّزه ويقويه بأخيه، ولما لم يقل ذلك ذكر أنه سأل ربه أن يكون له ردءا، يصدقه ويقويه وهو أخوه هارون. وقد تقول: ولكنه قال في القصص "إنّي اَنا اللهُ ربّ العالمينَ" وفي ذلك من التعظيم ما لا يخفى ونقول: وقد قال ذلك أيضا في النمل، فقد قال: "وسبحان الله ربّ العالمين" وزاد عليه: "إنّهُ أنا الله العَزيزُ الحَكيمُ" فاتضح الفرق بين المقامين. وقد تقول: ولم قال في سورة طه: "إنّي أَنا ربّك فاخلعْ نَعلَيْكُ" بذكر ربوبيته له خصوصا، ولم يقل كما قال في سورتي النمل والقصص "ربّ العالمين"؟ والجواب: أنه في سورة طه كان الخطاب والتوجيه لموسى عليه السلام أولا فعلمه وأرشده فقال له: " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 14 إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى 15" طـه، فطلب منه العبادة وإقامة الصلاة وقال بعد ذلك: "لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنا الكُبْرى 23" طه، ثم ذكر منته عليه مرة أخرى فقال: "وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى37 إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى 38" طـه ويمضي في ذكر منته عليه ولم يرد مثل ذلك في النمل، ولا في القصص. فإنه لم يذكر توجيها له أو إرشادا لعبادته في النمل، ولا في القصص فلم يأمره بعبادة أو صلاة أو تكليف خاص بشأنه. ثم إنه في سورة القصص وإن كان قد فصّل في ذكر ولادته ونشأته وما إلى ذلك فقد ذكرها في حالة الغيبة لا في حالة الخطاب: "وأوحينا إلى أمّ موسَى أَنْ أَرْضِعيهِ" "إنْ كادَتْ لَتُبدي به .. فرددناه إلى أمه .. ولمّا بلَغَ أشُدّه .. ودَخَل المَدينةَ .. " في حين كان الكلام في سورة طه بصورة الخطاب. فناسب أن يقول له في طه: "أنا ربّك" بخلاف ما في النمل والقصص، والله أعلم. في النمل قال ﴿يَا مُوسَى ﴿9﴾﴾ وفي القصص قال ﴿أَن يَا مُوسَى ﴿30﴾﴾ هذه ﴿أن﴾ المفسِّرة يعني وقعت بمعنى القول دون حروفه يعني ناديناه أن يا موسى، نودي أن يا موسى، هذه أن المفسرة تأتي بعد ما فيه معنى القول دون حروفه مثل نادى ووصّى، معنى القول دون حروف قال أو يقول فتسمى مفسِّرة لأنها تفسر القول والفحوى، فرق بين أن المفسرة والقول لما قلت له افعل أو وصيته أن افعل لو أعربناها مفسرة لأنه يمكن إعرابها أيضاً أن مصدرية لو احتملت المصدرية فيكون هناك تأويل مصدر. على سبيل المثال لما أقول قلت له إفعل يعني أنت قلت له هذا القول ﴿إفعل﴾ هذا مقول القول، ناديته أن افعل ناديته بالفعل أن يفعل لكن هل ناديته بهذا؟ أنت ذكرته بالفحوى وليس نصاً. قلت له اذهب قلت له هذه اللفظة ﴿اذهب﴾، وصّيته أن اذهب يعني وصيته بالذهاب، فإذن ﴿يا موسى﴾ هو القول، ﴿أن يا موسى﴾ هذه بالفحوى أو قد يكون بنفس اللفظ أو بغيره. ما الفرق بينهما؟ أولاً إذا كان في مقام التفصيل ﴿أن يا موسى﴾ مفرداتها أكثر فإذن ﴿يا موسى﴾ أوجز إذن ﴿يا موسى﴾ أنسب في مقام الإيجاز و﴿أن يا موسى﴾ أنسب في مقام الإطالة والتفصيل. إذا كان في مقام التعظيم والتكريم الكلام المباشر هو أهم عندما تقول قلت له كذا وكذا أو قل لفلان كذا وكذا بالأقوال هذا معناه أن المهمة أعظم يعني إحرص على كل كلمة وكل شيء، إذا في مقام التبسط هذا مقام التبسط وإذا كان في مقام التكليف وثقل التكليف - لأنه سيأتي أن مقام ثقل التكليف أكثر في النمل - فإذن أيضاً جاء بالمباشرة لأن ثقل التكليف يستدعي المباشرة ﴿يا موسى﴾، إذن من أي ناحية نأخذها إذا من ناحية التبسط والتبسيط وإن كان ناحية ثقل التكليف سيكون ﴿يا موسى﴾ كما سنرى أنسب. ثم لما قال ربنا ﴿يا موسى﴾ يعني شرّفه بالنداء المباشر هذا أمر آخر ذكر اسمه مباشرة وليس بالفحوى وسيأتي أمر آخر نذكره فيما بعد. في النمل قال ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿9﴾﴾ وفي القصص ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿30﴾﴾ ﴿إنه أنا الله﴾ فيها مقام تفخيم وتعظيم لأنه جاء بض
﴿ ۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ سورة القصص ﴿٢٩﴾