صفحات الموقع
﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿16 *قال ﴿إن تك ثم قال ﴿فتكن ما الفرق في حذف النون وإثباتها في الفعل المضارع؟ انتهت وصية ربنا ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ التي جاءت بين كلام لقمان لابنه وعاد لوصية لقمان لابنه ﴿يَا بُنَيَّ للتحبيب حتى تكون مظنّة الإستماع والقبول بلطف وحنان بالتصغير وإضافته إلى نفسه ﴿يَا بُنَيَّ حتى يزيل أي حجاب بينهما. مقام الحب بين الإب وابنه وفي قصة نوح مع ابته العاصي قال ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴿42 هود هذه عاطفة الأب أراد أن ينقذه وكان ابنه مع الكافرين لعله عندما يأتي انبه للجماعة المسلمة ويتركه الذين أضلوه قد يستفيد وبرغم تعارض الموقفين إلا أن عاطفة الأبوة واحدة لا تختلف. إذن ﴿يَا بُنَيَّ للتحبيب والتقريب. ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴿إنها قسم قال هو ضمير القصة أي الأمر أو المسألة أو الفعلة أو الخصلة. ﴿فتكن في صخرة بإثبات النون. لما قال ﴿إن تك لم يذكر مكاناً لها ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ولما قال ﴿تكن ذكر مكاناً لها ﴿فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ، لم يذكر المكان فلم يذكر النون وذكر المكان فذكر النون. حذف النون له ضوابط ولكن في الجواز ولا يجب الحذف. هذا الفعل ﴿يكون إذا كان مضارعاً مجزوماً علامة جزمه السكون ﴿هذا شرط وبعده حرف متحرك ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ على أن لا يكون ضميراً متصلاً مثل ﴿تكُنْهُ في هذه الحالة يجوز الحذف ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴿20 مريم مضارع مجزوم بالسكون بعده متحرك، ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿4 مريم يجوز ومواطن الجواز تلمس لها القدامى أسباباً بيانية. لما حذف الأماكن حذف النون، ﴿إنها إن تك لا مكان لها ﴿فتكن في صخرة استقرت فصار لها مكان. هناك أمر آخر هي فيها قراءة أخرى ﴿فتكِن من وَكَن يكِن أي دخل الطائر عُشّه والوَكْن هو العُشّ يعني تستر في صخرة وفي قراءة ﴿فتكِنّ في صخرة من كنّ يكِنّ، كلها مما يقوي ذكر النون، إذا كانت تكِن من وكن وإذا كانت تكِنّ تذكر النون وتكن النون مذكورة فكل القراءات النون مذكورة. لماذا الصخرة؟ الصخرة لا بد أن تكون في السموات والأرض هناك صخور في السموات في المشتري وزحل. ﴿في صخرة يعني استخلاص الشيء من باطن الصخرة أمر عسير. إذا أردت أن تحفظ شيئاً لا ترميه في ساحة الدار وإنما تضعه في صندوق وإذا أردت المبالغة في حفظه تضعه في حقيبة ثم في خزانة وإذا أردت المبالغة أكثر تضعه في حقيبة داخل حقيبة في خزانة وإذا أردت أن لا يصل إليه أحد قد تأتي بقفل يصعب فتحه وقد تضعها في مكان ليس له مفتاح أصلاً. الصخرة عبارة عن محفظة ليس فيها مفتاح، ما قال على صخرة وإنما قال ﴿في صخرة مثلها مثل محفظة ليس لها مفتاح وبداخلها مثقال حبة من خردل، كيف يخرجها ربنا تعالى من دون تحطيم للصخرة؟! بلطفه وخبرته يأتي بها الله لم يقل يعلمها لأنك قد تعلم المكان لكن لا تقدر أن تأتي بها. إذن يأتي بها الله أدل على العلم والقدرة، وإن كانت صغيرة في مكان صغير عميق شديد وصلب وليس فيها مفتاح يأتي بها الله تعالى من دون تكسير للصخرة يستخرجها بلطفه وقدرته. *تك وتكن: ذكرنا في الحلقة الماضية قال ﴿إنها إن تك ثم قال ﴿فتكن وذكرنا في حينها أنه لما قال ﴿تك لم تكن في مكان معين وإنما ذكرها هباء تائهة في الوجود ﴿إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ثم ذكر مكانها فلما ذكر مكانها أنها استقرت ذكر النون ﴿فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ. وقلنا أنه قال في صخرة ولم يقل على صخرة وقلنا أنها مثل المحفظة التي يكون في باطنها شيء ثم يستخرجها ربنا تعالى بدون أن يفتحها بلطفه وخبرته من غير مفتاح. ثم قال في الأرض ولم يقل على الأرض ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يعني هي في باطن الأرض ﴿في ظرفية هنا. يقولون الخفاء يكون بطرق، طرق الخفاء استوفاها هنا إما أنها تكون في غاية الصغر ﴿مثقال حبة أو يكون بعيداً في السموات مثلاً أو في مكان مظلم ﴿في الأرض لأنه لا يوجد نور أو من وراء حجاب ﴿في صخرة هذه طرق الخفاء استوفاها كلها، تكون بعيدة صغيرة في ظلمة من وراء حجاب كلها استوفاها: صغيرة ﴿مثقال حبة من خردل، البعد ﴿في السموات ، الظلمة ﴿في الأرض ، الحجاب ﴿في صخرة استوفاها كلها. ثم قال ﴿يأتي بها الله ولم يقل يعلمها لأن العلم لا يدل على القدرة، الفعل يأتي يدل على طلاقة القدرة لله تعالى لأنه يعلمها ويأتي بها فأنت قد تعلم شيئاً في مكان لكن لا تستطيع أن تأتي به، الإتيان علم وقدرة علم مكانها وجاء بها صار علماً وقدرة ولو قال يعلمها الله لدل على العلم لكن لا يدل على القدرة هناك أكمور كثيرة نعلم مكانها لكن لا نستطيع أن نأتي بها، يأتي بها الله إن الله لطيف خبير. لذلك قال تعالى تحديداً الصخرة. ثم ترتيب الآيات وذكر هذه الأشياء فيها، هذا الترتيب له دلالة محددة فالصخرة مشتركة قد تكون في السماء وقد تكون في الأرض، السماء يعني الأجرام السماوية كثير منها فيها صخور وقد تكون هناك صخور سابحة في الفضاء. هو ما قال في السموات ولكن قال في صخرة أو في السموات ولم يقل الصخرة في السموات، نكّر كلمة صخرة ولم يذكر لها مكان جعلها جزءاً من الأمكنة، صخرة سموات، أرض، ذكر ثلاثة أمكان صخرة، السموات، الأرض ولم يقل في الأرض لأنها عامة والصخرة قد تكون في السماء وقد تكون في الأرض قد تكون في الأجرام السماوية وقد تكون صخور سابحة في الفضاء إذن الصخرة وجودها مشترك لهذا لم يقيدها تعالى بمكان قد تكون في السموات وقد تكون في الأرض. لم يقيدها بمكان ولم يقل الصخرة في الأرض، لِمَ لم تقيد؟ لو قيدها وقال صخرة في الأرض تصير في الأرض لكنه قال صخرة وقد تكون في الأرض وقد تكون في غير الأرض وقد تكون سابحة في الفضاء زقد تكون في أحد الأجرام السماوية، في المشتري صخور أو المريخ صخور. إذن تنكير كلمة صخرة له دلالة وعدم تقييدها له دلالة، قال في صخرة وليس على صخرة وهو بدأ بالمشترك ﴿صخرة ثم قال في السموات، في السموات هو الخط الجاري في السورة أنه في كل السورة إذا ذكر السموات والأرض قدّم السموات في كل السورة ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ حيث جرى ذكر السموات والأرض قدّم السموات وأخّر الأرض وهذا التأخير أيضاً له غرض وهو أنه عندما يؤخرها يذكر بجانب الأرض أمور تتعلق بالأرض أو بأهل الأرض مثل: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ هذا ترتيب متناسق مع كل السورة حيث اجتمعت السموات والأرض قدّم السموات وأخر الأرض وذكر بجانب الأرض ما يتعلق بالأرض وسكان الأرض إذن الترتيب مقصود ويتناسب مع سياق السورة عموماً وجو السورة عموماً. كلمة صخرة جاءت نكرة والسموات والأرض معرفة لأن الصخرة غير معروفة والسموات والأرض معروفة. *هل للتكرار ﴿في دلالة محددة؟ هل يجوز أن أقول في السموات أو الأرض؟ هذا آكد وهو موطن توكيد وهذا من إحاطة علم الله بالأشياء. *في سورة الأنبياء قال تعالى ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴿47 مقارنة بين الآيتين؟ فعل الشرط وجوابه في لقمان مضارعان وفي الأنبياء ماضيان فلماذا؟ لو قرأنا آية الأنبياء ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴿47 يتضح الجواب. آية لقمان في الدنيا يخاطب ابنه ﴿يا بني إنها ﴿إنها إما ضمير القصة أو ضمير الشأن إذا كان للمؤنث يسمى ضمير القصة وللمذكر ضمير الشأن ﴿إنه. ضمير الشأن العائد فيه يكون بعده لا يكون قبله وهذه قاعدة ﴿قل هو الله أحد ﴿هو ضمير الشأن، الله أحد هو المقصود، ضمير الشأن هناك ضمائر تعود على ما بعدها وليس على ما قبلها وهي سبعة مواطن منها ضمير الشأن ﴿هي الدنيا تغرر تابعيها ﴿هي تعود على الدنيا والدنيا بعد هي لما كانت الدنيا مؤنث قال هي ﴿هي مبتدأ والدنيا خبر ضمير الشأن يكون ما بعده جملة ولا يكون مفرداً ويُخبر عنه بجملة. ﴿يا بني إنها إن تك ﴿إنها ضمير الشأن، ﴿فإنها لا تعمى الأبصار إنها أي الشأن أو المسألة أو الأمر أو القصة أنها لا تعمى الأبصار. في لقمان المسألة يا بني أنها إن تك مثقال حبة من خردل. ضمير الشأن يعود على ما بعده لا على ما قبله ويُخبر عنه بجملة هذه قاعدة. قسم قالوا يقصد بـ ﴿إنها أي الفعلة أو الخصلة. فلما أنّث فعل الشرط وجوابه مضارعان ولما كان الأمر في الدنيا وهذه أمور مستمرة قال ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ تلك في يوم القيامة الأعمال انتهت والوقت وقت حساب وإن كان العمل مثقال حبة جئنا به وكفى بنا حاسبين ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴿47 هذه قطعاً ماضية وليست مضارعة لذلك قال ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ بالماضي لأن الآن الموقف موقف حساب بينما تلك لقمان يخبر ابنه ويعلمه بقدرة الله ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ متى ما شاءت، متى ما وقعت، متى ما تكون فهذه يأتي بها مضارع وهذه يأتي بها ماضي. *فعل الكينونة في لقمان مؤنث ﴿إن تك وفي الأنبياء مذكر ﴿كان لماذا؟ أولاً للعلم أصلاً في مثل هذا التعبير يجوز فيه التأنيث والتذكير ﴿مثقال حبة من خردل. كقاعدة نحوية في مثل هذا التعبير يجوز فيه الوجهان وربما أكسب ثانٍ أولاً تأنيثاً إن كان لحذف موهلا المضاف إليه يكسب المضاف التأنيث وطبعاً يكسبه التذكير وإنما ذكر التأنيث لأن الشعر قال تأنيثاً وتذكيراً، إن كان لحذف موهلا إذا كان المضاف يمكن تحذفه بأن كان جزءاً أو كالجزء أيضاً واستشهدوا بقوله تعالى ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ قال قريب ولم يقل قريبة. ﴿إنارة العقل مكسوفٌ بطوع هوى ما قال مكسوفة. مثقال حبة من خردل مثقال مذكر وحبة مؤنث يجوز أن يكتسب هذه كقاعدة نحوية ﴿وما حب الديار شغفن قلبي حب مذكر وشغفن مؤنثة جاءت من الديار من المضاف إليه. في التركيب الإضافي يجوز التذكير والتأنيث لكن بشرط في مواطن، بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الاستغناء عنه ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ﴿111 النحل كلّ مذكر ونفس مؤنث فقال تأتي. بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الإستغناء عنه يعني ممكن تستغني عنه ويُفهم مثل ﴿قُطعت بعض أصابعي يمكن أن يقال قُطعت أصابعي، مثقال حبة يعني حبة. ﴿لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخُشّع سور مذكر وتواضعت مؤنثة. إذن من حيث الحكم النحوي ليس فيه إشكال يبقى طبيعة الاستخدام هنا: أصلاً قال في الأنبياء ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا شيئاً مذكر ﴿وإن كان مثقال حبة وإن كان الشيء مثقال حبة فذكّر أي إن كان الشيء مع أنه يجوز التأنيث أما في لقمان ﴿مثقال حبة قد يكون الحبة أو الفِعلة أو قد يكون العمل. إذن ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وإن كان هذا الشيء مثقال حبة إذن ذكّر مع أنه يجوز التأنيث. في الأنبياء قال بصيغة فعل الكيونة بالماضي لأنه يدل على حالة محددة وهي حالة الحساب يوم القيامة للدلالة على عمل كان في الدنيا وانتهى وأتى به مذكراً لمناسبته مع ما قبله وهو مذكر. *في لقمان ذكر تعالى أماكن وجود المتحدث عنه ﴿فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ في الأنبياء لم يذكر مكان وجودها فلماذا؟ في لقمان هو يبين لابنه قدرة الله سبحانه وتعالى، يريد أن يعلم ابنه أما في الأنبياء فليس الغرض في هذا الأمر فالسياق سياق وزن الأعمال وليس في أماكن ذكر هذا المثقال الحبة أين يكون وإنما في سياق وزن الأعمال فلا يحتاج لذكر هذا الشيء أما في لقمان فهو يعلم ابنه ويعرفه بقدرة الله ﴿إنها إن تك يذكر الأماكن، أما في الأنبياء أتينا بها أينما كانت لأن السياق ليس في ذلك ولا هو في بيان للخلق أن قدرتي كذا والخلق يعرفون قدرته وقد جيء بهم الآن أعلم حالاتهم بالله تعالى الحساب موجود والجامع هو الله ولا يشك أحد في قدرته أما في لقمان فيعلم لقمان ابنه أمراً من أمور الدنيا، يوم القيامة ليس الأمر مجهولاً لأي أحد وإنما الأمر معلوم لكل أحد. *ختام الآية في لقمان ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ وفي الأنبياء ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ فما الفرق؟ في الأنبياء مكان حساب ووقت حساب ﴿ونضع الموازين القسط فقال ﴿وكفى بنا حاسبين لأنه مقام حساب وليس في مقام اسخلاص المثقال من مكانه أما في لقمان ففي مكان استخلاص الحبة ومكان الحبة فقال ﴿لطيف خبير. *في سورة لقمان عندما يوصي ابنه قال ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لم يقل مثلاً عليم لأنه يعلم أماكن وجود ضمير الشأن فما دلالة اللطف؟ استخلاص هذا المثقال من هذا المكان يحتاج إلى لطف وإلى خبرة والخبرة هي العلم ببواطن الأمور والخبير هو العليم ببواطن الأمور. واللطيف هو الذي يتوصل إلى أشياء بالخفاء. وقسم قال اللطيف أي الذي لا يُرى وقالوا ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴿19 الشورى بمعنى آخر أنه يلطف بهم ويرأف بهم. اللطيف هو الذي يأتي بأمور بخفاء يستخلصها بخبرته وبطريق الخفاء ويأتي بها من دون أن يحطم الصخرة بلطف وخفاء تمتد قدرته إليها فيستخلصها. ذكر هذا الأمر من لقمان لابنه أولاً يعلمه أنه إذا كان رب العالمين سحانه وتعالى يأتي بمثقال حبة من خردل من هذه الأماكن فلماذا الشرك؟ ماذا يفعل الشريك؟ لا شيء إذن لماذا الشرك؟ الشريك لا يستطيع أن يمنع هذه الحبة الصعيرة من أن يأتي بها الله فلماذا الشرك. ثم هناك أمر آخر أن لقمان يبين المسألة ويوضح قدرة الله لابنه وفي هذا يعلمنا لقمان بحكمته أن ليست المسألة فقط في الأوامر والنواهي لا تفعل كذا لا تفعل كذا وإنما يضرب له الأمثال ويبين له بالحجج حتى يقتنع ويستوعب المسألة وهذا فيه توجيه للآباء والوعاظ والمرشدين بأن لا يكثروا فقط من الأوامر والنواهي هكذا وإنما ينبغي أن يعلّلوا ويبينوا حتى يقتنع السامع بعقله ويقبل هذ الشيء أما أن تذكر فقط أوامر ونواهي هكذا فلا. هذا التعليم من حسن التربية أولاً الرفق دائماً يردد قول ﴿يا بني وعندما يذكر الأمر يعلل له العلة حتى يقتنع بما يقول وحتى يستوعب المسألة وحتى تتضح له المسألة وليس مجرد أوامر وهذا توجيه للآباء والمرشدين عموماً أولاً أن يحسنوا في القول ويلطفوا في القول لا يكونوا أشداء، اللطف واللين في القول والأمر الآخر أن الأمر ليس مجرد أمور ونواهي وإنما عليهم أن يوضحوا ويبينوا ويأتوا بالحجج المبينة حتى يقبل العقل ما يقولون.

﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ سورة لقمان ﴿١٦﴾

المصدر: https://quranpedia.net/note/46417