قوله تعالى ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة ﴿261﴾ . نحن نعلم أن جمع التكسير في اللغة العربية ينقسم من حيث دلالته العددية قسمين : جمع كثرة ، وجمع قلة وجمع القلة هو : ما دل على ما دونالعشرة من العدد ، وجمع الكثرة هو : ما دل على أكثر من ذلك . ومما يدل على القلة ما جمع بألف وتاء ، اذا كان له جمع تكسير ايضا ، كقولك جفنة و جفنات وجفان . وفى هذه الآيةالتيهي محل وقفتنا قال المولى عز وجل ﴿ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾ ف ﴿ سَنَابِلَ﴾ جمع الكثرة ، لأنها على وزن ﴿ فعالل﴾ فلم عبر بصيغة منتهى الجموع عن العدد ﴿سبعة﴾ الذى حقه أن يعبر عنه بجمع القلة ؟ : أي ب ﴿سنبلات﴾ ، كما في سورة يوسف حيث قال الله تعالى ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ يوسف ﴿ 43 ﴾ . قيل في سر ذلك ﴿ ان ايه البقرة مبينة على ما أعد الله للمنفق في سبيله ، وما يضاعف له من أجر انفاقه ، وان ذلك ينتهى الى سبعمئة ضعف ، وقوله ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ﴾ قد يفهم الزيادة على ما نص عليه من العدد ، كما اشارت اليه آيات وأحاديث ، فبناء هذه الآية على التكثير ، فناسب ذلك ورود المفسر على ما هو من أبنية الجموع للتكثير لحظا للغاية المقصودة ، ولم يكن ما وضعه للقليل في الغالب ليناسب ما تلحظ فيه الغاية من التكثير . اما ايه ﴿ يوسف ﴾ فإنما بناؤها على اخبار الملك عن رؤياه سبع سنبلات ، فلا طريق هنا للحظ كثرة ولا قلة ، لأنه اخبار برؤيا ، فوجهه الاتيان من أبينه الجمع بما يناسب المرئي ، وهو قليل ، لأن من دون العشرة قليل ، فلحظ في أية ﴿ البقرة﴾ ما بعده مما يتضاعف اليه هذا العدد ، وليس في أية ﴿يوسف﴾ ما يلحظ ، فافترق القصدان ، وجاء كل على ما يجب ، ويناسب ، والله أعلم . وأقول : ان سنبلة فيها مئة حبة ، مع ست مثيلات لها ، لتبدو في عين الناظر كثيرة ، فلعل هذا مما ناسب معه التعبير عنها بجمع الكثرة ، وهو ﴿ سَنَابِلَ﴾ ومن سياق أية سورة ﴿ يوسف ﴾ يظهر أن كل سنبلة من السنبلات المذكورة فيها هي صغيرة في حجمها ، قليل حبها ، فناسب التعبير عنها مع مثيلاتها بجمع القلة ﴿ سُنْبُلاتٍ﴾ ، والله أعلم .